كتّاب

قبل عامين شرحت لهيلين معنى الأوكسجين، ودخلنا في رحلة طويلة بعد ذلك ووصلنا إلى فك…


قبل عامين شرحت لهيلين معنى الأوكسجين، ودخلنا في رحلة طويلة بعد ذلك ووصلنا إلى فكرة الحياة. وفي الصيف كنا نمشي في المتنزهات والغابات القريبة وأحدثها عن الأشجار وصناعة الأوكسجين، أي الحياة. وعندما ضغطت على يدها، في ليلة من الليالي، قامت تصرخ وتبكي. ولما نجحت في تهدئتها قالت لي “منعت الأوكسجين عن يدي وكادت تموت”.
وصلنا لمراحل متقدمة في التعليم الطبي، حتى إنها تعلمت الإنعاش الطبي وكررت علي عشرات المرات حديثا عن علاقة القلب بالرئة. وبالأمس قالت لي: هناك أنواع عديدة من الخلايا، وعددت لي أربعة أنواع. واليوم خمشتها القطة وسمعتها تبكي. سألتها من مكتبي: ماذا نفعل عندما يسيل الدم من خدش صغير؟ قالت: نضغط على الجرح لدقيقتين. أخذتها مرات عديدة إلى مكان عملي، سمعتها تحدث التمريض عن طموحاتها: عندما أكبر سأكون طبيبة حيوان. قبل ساعة سمعت حوارا شيقا بين هيلين وساره:
الأم: هيا إلى النوم، وراك حضانة في الغد.
الطفلة: schon wieder.. مرة أخرى حضانة.
الأم: اشربي من قنينتك، أنت مصابة بالبرد.
الطفلة: أأنت متأكدة أني مريضة؟
الأم: مريضة بعض الشيء، لا تقلقي.
الطفلة: هذا يعني أني لن أذهب غدا إلى الحضانة كي لا أعدي الأطفال.
الأم: بلى ستذهبين، مرضك ليس معديا، ولا داعي للأعذار
الطفلة: لا لن أذهب، البرد معدي وأنا لن أؤذي الأطفال الآخرين، وباستطاعتك أن تغضبي كما تشائين.

تستجيب الطفلة للمعارف على نحو صارم. قبل يومين قطعت لها ورقة خضراء لأشرح لها شيئا، نهرتني باكية: ماذا فعلت، لماذا قطعتها، هذه تخلق الأوكسجين. لم تهدأ روحها إلا بعد أن قلت لها انظري حولك، مئات الأشجار ونحن فقط اثنان، لقد خلقت الأشجار ما يكفينا، أنت وأنا، لباقي اليوم. كانت عندي في مكتبي، بالمشفى، وكنت أراجع رسائل خروج المرضى. سألتني فقلت لها هذه أوراق يصطحبها المريض بعد خروجه، لماذا تعتقدين أنه يحتاج إليها؟ قالت: ليعرف العلاجات التي سيتناولها وكذلك الأمراض التي أصابته. تأملتها بحيرة وشجن، وعدت إلى طفولتي ورأيت السنوات الضوئية التي تفصل الطفولتين. أمس الأول قلت لها هذا ليس صياما، الصيام مع الخبز لا يعد صياما. سكتت برهة ثم سألتني: هل توجد بلدان أخرى غير ألمانيا يصوم فيها الناس؟ “قلت لها نعم، مصر واليمن وفلسطين. قالت: ربما يجوز للأطفال هناك الصيام مع الخبز، ما يدريك weißt du nicht.
ستتمتع الأجيال الجديدة بمعدلات عالية من الذكاء والمعارف. كذلك الكود اللغوي للأجيال الجديدة سيكون فائق الدقة والمساحة. وهي تسوق الدراجة غمغمت: سأقوم بتفعيل نظام التركيز Konzentrationsmodus نطقت هذه الكلمة الألمانية المفزعة والطويلة بسلاسة مثيرة. اليوم قلت لها غاضبا: عورت نفسك يا حمارة. حدقت في غاضبة وقالت بالعربية: إنتي هوماره. بدا لي الموضوع عمليا، سأعلمها العربية من هذا الطريق.

أدون هذه اليوميات لأتذكرها فيما بعد، إذا شئتم أن لا تقرؤوها فسأتفهم ذلك. هي، في النهاية، مساررة رجل مع نفسه.

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى