كتّاب

إتنين من أعظم شعراء العرب، ولولا المتنبى لقلت أنهما أشعر…


إتنين من أعظم شعراء العرب، ولولا المتنبى لقلت أنهما أشعر الشعراء، يربطنى بهما على الدوام جو من الحزن والشجن، أمل دنقل، ونجيب سرور، وكنت أتمنى لو تعرفت إليهما ولكنهما للأسف ماتا مبكرا.
فى أيام كآبتى الشهرية بطفى الأنوار واقرا شعر أمل ونجيب على عزف العود للعظيم عبادى الجوهر، وعطشان إسمع يانهر عطشان، ولا أرتوى منه ومنهما..
يشاء القدر أكون على تماس مع الأسرة، فقد كان لى دور أيام وفاة شهدى نجيب سرور فى الهند، وعلاقة هامشية مع فريد نجيب، وحضرت واقعة وفاة ساشا زوجة نجيب فى مأساة من مآسى تلك العائلة العجيبة، وبالنسبة ل أمل دنقل فصداقتى عميقة وجميلة مع سيادة النائب أنس دنقل شقيق عظيمنا العنيد أمل، وأنس حكاء بارع يكاد يضارع محمد شومان فى حواديت القرية، وللأسف أنس ” مهذب” والكلمة بين قوسين لأن هناك شبه إجماع على أن أمل كان من السفلة العظام فهو سليط اللسان حاد الطبع يصل لدرجة الإشتباك بالأيدى مع نجيب سرور ” نوجة”، بينما سيادة النائب عف اللسان ومهذب لدرجة تضايقنى شخصيا، فالمهذب الذى يتصدى للحواديت المنحطة لن يشبع شهيتنا للنميمة، على كل حال هانأجل الكتابة عن أمل لحد مااتصل بالسيد أنس عشان مانكونش بنكتب زى باقى الناس، ونجيب معلومات وصور حصرية لجروبنا المحترم.
أما نجيب سرور – 1932 – 1978 ، فله طريقيتن لقراءة قصته، لو سيادتك من معرضين السلطة، هتلاقى شاعر سافل مجنون بيتهم كل الناس بالخيانة حتى مراته، ولو كنت فى مقاعد عشاق الشعر هتلاقى معاناة بطل من أبطال الأساطير اليونانية التى ترفض الإنحناء، ويموت واقفا كوتد مغروس فى ضمير مصر الشريفة.
نجيب من قرية أخطاب فى الدلتا، وابن فلاح فقير مثل كل الأطفال فخور بالأب الذى يستطيع أن يفعل ما لاتفعلون، وذات يوم يطرق الغفير باب الدار ويطلبه لمقابلة العمدة، ويطير الطفل فرحا بأبيه العظيم الذى يشبه النبى موسى فى طريقه لمقابلة الإله على الجبل أو فى الدوار، ويصل الموكب للدوار ليفاجأ الطفل بالعمدة يضرب أباه بل ويخلع الحذاء وينزل فوق رأسه بالضرب حتى يصغر فى عينى الطفل الذى كان يراه كالنخلة طولا ليصبح قزما فى حرم الإله الثرى صاحب الجزمة، وتكون تلك المهانة الواضحة هى صليب نجيب سرور الذى يحمله فوق رأسه حتى يصلب عليه، وكانت رائعته وأول أحزانه قصيدة الحذاء:
…………………………………………………………………….

أنا ابن الشقاء
ربيب (الزريبة و المصطبة)
وفى قريتى كلهم أشقياء
وفى قريتى (عمدة) كالاله
يحيط بأعناقنا كالقدر
بأرزاقنا
بما تحتنا من حقول حبالي
يلدن الحياة
وذاك المساء
أتانا الخفير و نادى أبي
بأمر الاله ! .. ولبى أبي
وأبهجنى أن يقال الاله
تنازل حتى ليدعو أبى !
تبعت خطاه بخطو الأوز
فخورا أتيه من الكبرياء
أليس كليم الاله أبي
كموسى .. وان لم يجئه الخفير
وان لم يكن مثله بالنبي
وما الفرق ؟ .. لا فرق عند الصبى !
وبينا أسير وألقى الصغار أقول ” اسمعو ا ..
أبى يا عيال دعاه الاله ” !
وتنطق أعينهم بالحسد
وقصر هنالك فوق العيون ذهبنا اليه
فلما وصلنا .. أردت الدخول
فمد الخفير يدا من حديد
وألصقنى عند باب الرواق
وقفت أزف أبى بالنظر
فألقى السلام
ولم يأخذ الجالسون السلام ! !
رأيت .. أأنسى ؟
رأيت الاله يقوم فيخلع ذاك الحذاء
وينهال كالسيل فوق أبى ! !
أهذا .. أبى ؟
وكم كنت أختال بين الصغار
بأن أبى فارع ” كالملك ” !
أيغدو لعينى بهذا القصر ؟ !
أهذا .. أبى ؟
ونحن العيال .. لنا عادة ..
نقول اذا أعجزتنا الأمور ” أبى يستطيع ! ”
فيصعد للنخلة العالية
ويخدش بالظفر وجه السما
ويغلب بالكف عزم الأسد
ويصنع ما شاء من معجزات !
أهذا .. أبى
يسام كأن لم يكن بالرجل
وعدت أسير على أضلعي
على أدمعى .. وأبث الجدر
” لماذا .. لماذا ؟ ”
أهلت السؤال على أميه
وأمطرت فى حجرها دمعيه
ولكنها اجهشت باكيه
” لماذا أبى ؟ ”
و كان أبى صامتا فى ذهول
يعلق عينيه بالزاوية
وجدى الضرير
قعيد الحصير
تحسسنى و تولى الجواب :
” بنى .. كذا يفعل الأغنياء بكل القرى ” !
كرهت الاله ..
وأصبح كل اله لدى بغيض الصعر
تعلمت من يومها ثورتي
ورحت أسير مع القافلة
على دربها المدلهم الطويل
لنلقى الصباح
لنلقى الصباح !


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫9 تعليقات

  1. قمة في الروعة وفي التفاصيل ودقة في تصور ورسم وخلق الإحساس في ذات الموقف وتلك الانفعالات الصاخبة والتي يصفها وكأنها معزوفة موسيقية على أوتار العواطف وألم الوجع في ذلك الموقف .. تحية لك كبير لأنك تكتب عن كبير ومبدع👏🙏

  2. اختيارك للموضوع و اسلوبك فى السرد و الحكى و وصفك للمشاعر تشعرني كما لو كنت موجودة و قت الحدث . كل الإحترام لحضرتك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى