كتّابمفكرون

“الرؤية المنفردة”…


“الرؤية المنفردة”

الرئيس السيسي شخصية وطنية مخلصة لا أدني شك في ذلك، وقد اكتسب مكانته وتقديره لدي جموع الشعب المصري نتيجه لدوره الكبير في التجاوب مع ثورة الشعب والتخلص من حكم الإخوان المجرمين، فقد كان علي رأس القوات المسلحة التي دافعت عن الشعب في مواجهة الإجرام الأخواني.

وهنا لا يجب أن نختزل هذا الدور العظيم في شخص بعينه، فهناك القادة الذين لم يعترضوا، فقد كانت لديهم نفس الرؤية، ووافقوا علي الخروج بقواتهم لحماية ثورة الشعب في 30 يونيو، وهناك أيضا القوات التي خرجت لتواجه المخاطر بأجسادها وأرواحها غير عابئين بالتهديدات التي أطلقتها الجماعة الإرهابية، ونجحت القوات متكاملة وعلي رأسها الرئيس في استعادة وتأمين هذا الوطن المختطف من العناصر الإرهابية الأخوانية،وهناك أيضا التلاحم والإلتصاق بين الشعب والجيش هو السبب الرئيسي الذي أنجح 30 يونيو واستطاع القضاء علي الأخوان.

أمّا وقد تولي الرئيس مقاليد الحكم، فنحن أمام شخصية سياسية، لا يجب الخلط بينها وبين بطل ثورة يونيو، تبقي مكانته وقدره داخل قلوب المصريين للدور الذي قام به، ولكننا أمام دور ومهمة جديدة، المفترض الّا علاقة لها بما حدث في يونيو، سوي أنها كانت السبب في التخلص من نظام فاسد معادي، وإقامة نظام جديد، أتي ليحقق آمال هذا الشعب ويحافظ علي أمنه وسلامه، ويرفع عنه المعاناة، ويدفعه للتغلب علي سلبيات الماضي، ويؤمن له حياة كريمة، ويفتح آفاقا جديدة لمستقبل أفضل، ولا شك عندي في أنها هي نفس أهداف الرئيس، وما يعمل بكل الدأب لتحقيقه.

إن إدارة دولة بحجم مصر، ليست بالمهمة السهلة أبدا، ولا يمكن أن تقوم علي رؤية واحدة، سواء كانت رؤية الرئيس نفسه، أو رؤية جماعة من المستشارين المحيطين والمحسوبين علي النظام الحاكم، فيجري تنفيذها دون الأخذ في الإعتبار كل الرؤي والأفكار والإعتبارات التي تموج بها دولة بحجم مصر.

إن مهمة بناء الدولة كما يطلق عليها الرئيس هي مهمة في غاية الصعوبة، وهنا لا يجب أن نغفل أنها دولة قائمة بالفعل، دولة لديها كل عوامل القوي الشاملة بأنواعها وتقسيماتها.
لديها الكتلة الحيوية لمصر، وتشمل كلا من الموقع والسكان، فمصر قوية بحضارتها وتاريخها الضارب في القدم وهي من مثلت فجر الضمير للإنسانية، لديها شبابها ورجالها ونسائها وجيشها وعلمائها وفنانيها وموقعها ونيلها وثرواتها البشرية والطبيعية وقواها الناعمة.
لديها القدرة العسكرية المتمثلة في قواتها المسلحة القوية المتحدة غير الطائفية أو الفئوية، وهي كتلة صلبة قوامها من الشعب المصري ولا تعمل الّا لصالح الشعب المصري.
لديها القدرة الإقتصادية التي يجب أن يحسن استغلالها والعمل عليها وتطويرها وتنميتها
لديها القدرة المعنوية والإرادة الوطنية التي يجب الحفاظ عليها
لديها القدرة الدبلوماسية (القدرة السياسية الخارجية)
وأخيرا لديها القدرة السياسية (القدرة الداخلية) التي تحتاج الي التصويب والتصحيح، فتنعكس كفاءتها علي كل أنشطة الحياة وعلي باقي عناصر القوي الشاملة.

اذن فنحن إزاء دولة كاملة، لديها كل المقومات، هي دولة قائمة بالفعل علي أرض الواقع، وتحتاج الي استكمال البناء، وتصحيح المسارات، وإزالة السلبيات والمعوقات، ولا يجوز الزعم بأنها تحتاج إعادة بناء، فهي ليست صفرا بل هي قيمة علي أرض الواقع يلمسها العالم كله، وخاصة في المنطقة المحيطة، وقيمة يلمسها أبناؤها وهو الأهم.

إن مشكلتنا هي الإدارة برؤية وحيدة، هذه الرؤية المنفردة هي التي تسببت في ارتباك المشهد السياسي بأكمله، واستقطابه في اتجاه واحد، وهي التي تسببت في تعاظم المعارضة المكبوتة لدي المخلصين من أبنائها، وفي تخبط البعض الآخر، لقد تسببت في زيادة معاناة جموع كبيرة من الشعب ورفعت معدلات الفقر الي أكثر من 60% وتسببت في تعاظم الدين الداخلي والخارجي.

هذه الرؤية الوحيدة هي التي تهين ثورة يناير، رغم نبل أهدافها، وصدق من ثاروا، وإن أردتم اللوم، أو أردتم البحث عمن يقع عليه اللوم، فلوموا من سرقها واستولي عليها وتآمر عليها، لوموا من مارس العنف، ومن هدد الأمان، ومن تقاعس عن تنفيذ دوره فتخاذل وضعف واستسلم، لوموا كل هؤلاء ولا تلوموها.
ليست يناير هي من تهدد الدولة، وليست هي السبب فيما آلت إليه الأمور بعدها، فلولا درس يناير ما تجمع الشعب في 30 يونيو، ليأتي نظام نضع فيه كل آمالنا، ونرجوه أن يقودنا الي حياة أفضل.

ان ممارسات مثل التعويم المفاجئ للجنيه مع إلغاء الدعم، وما أدت إليه من انخفاض قيمة مدخرات ودخل المواطن، وإرتفاع أعباء المعيشة، في نفس الوقت الذي لم يبذل فيه الجهد الكافي لزيادة الإنتاجية ورفع مستوي الخدمات، لا يكفيها الزعم بأن المواطن المصري هو البطل الحقيقي للإصلاح، فهذا المواطن لم يتطوع لتحمل هذا الدور، فصار بطلا، بل فرض عليه فرضا ضمن الرؤية الواحدة.

ان ممارسات مثل تعديل الدستور وتمديد مدد الرئاسة الي 2030، ليست هي الحل لضمان حياة سياسية سليمة في مصر، بل أن 2030 ذاتها ليست ببعيدة، الحل أن يؤسس العهد الجديد ويضع القواعد الكفيلة بممارسة سياسية صحيحة ولا يصادرها ويبدأها ويصحح مسارها، لضمان مستقبل هذا الوطن الذي يمتد طويلا لما بعد 2030.

إن ممارسات مثل إنشاء عاصمة جديدة ومدن جديدة ليست بالأسبقية القصوي في ظل تهالك العاصمة وكل المدن والقري القديمة، تلك هي الرؤية المنفردة، بل أن التوازن بين هذا وذاك هو الواجب الذي كان يجب اتباعه لو تم الاستماع لباقي الرؤي.

مازالت الفرصة قائمة اذا تفتحت العقول والقلوب لكل الرؤي الوطنية، وانفتح النقاش وعومل هذا الشعب علي أنه قد وصل الي سن الرشد منذ آلاف السنين، ويمكننا البناء علي ما هو قائم الآن، فليس لأحد مصلحة في هدم البلد، ومن يحاول هدمها هو عدو للشعب، وهو كفيل بمواجهته والقضاء عليه في ظل منظومة صحيّة ايجابية متفاعلة.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى