كتّابمفكرون

“الفتوة”…


“الفتوة”

مثل أي شيء يبدأ جيدا وينحدر الي أن يصير سيئا, فقد ظهرت الفتوة أو الفتونة في مصر في عصر مماليك الدولة العثمانية الذين كانوا ضعفاء لا يستطيعون توفير الحماية للناس, فظهر الفتوات وهم مصريون أصلاء, ينشئون فرقا من المقاتلين, ويتولون حماية التجار والأموال وأهل الشوارع نفسها والحواري, وكانوا يجمعون أموالا مقابل حماية التجار.

هو نموذج للحاكم المستبد العادل يطبق قانون القوة والحق طبقا لرؤيته وبما يتوافق مع طبيعة أهل الحارة التي يحكمها, فهو حاكم شعبي سواء اختاره الناس أو فرض نفسه بالقوة على الناس.

ولكي يحافظ علي موقعه, عليه بجانب قوته أن يفعل ما يجعل الناس تحبه, كأن ينصر الفقراء, ويقيم العدل, ويرد الحقوق, ويلعب دور الحكيم, ويرتب الحياة في الحارة التي يحكمها بحيث يظل الجميع مقتنعين به وراضخين له ومدينين لحمايته.

لاحقا ارتبط اسم الفتوة بأعمال البلطجة, بعدما أنشأت الشرطة ولم يعد هناك حاجة لخدماته الأمنية, فبدأ الفتوات في الحصول على إتاوات, مقابل تجنب بطشهم وليس مقابل الحماية كما كانت قديما.

رأيت أواخر هذه الصورة في صغري, وبطبيعة المصريين كان للفتوة قليل من الأعوان والكثير من الذين يتملقونه, والكثير من الخائفين منه, ولكن أكثر أعدائه كانوا من الذين لا يقيمون له وزنا ولا ينصاعون لأوامره, ومعهم كانت تقوم كل معاركه.

أثار انتباهي فكنت أراقبه فلا أجد لديه سوي خاصية واحدة وهي أنه جريئ وشجاع ومغامر لأقصي درجة, بصرف النظر عن قوته الجسدية (قلبه ميت).

حتي أنني رأيت أحدهم كسيحا, وكان يستطيع القفز مستعينا بيديه وما تبقي من ساقيه المبتورتين ليصير بإرتفاع الرجل واقفا, ويهاجم بكل شراسة.

وقد شاهدت هزائمهم وانحسارهم بعد أن هرموا وتقدمت أعمارهم, ولم تعد الظروف تسمح بأن يظهر لهم خلفاء.

وهكذا بدأت الفتونة عملا وطنيا مخلصا, وفي ظل الإستبداد والإنفراد بالسلطة الذي مارسه الفتوات, تحولوا الي بلطجية يفرضون الإتاوات ويستولون عليها بغير حق, الي أن أهملهم الناس وقاومهم الشجعان, فانتهت سطوتهم ولفظهم التاريخ.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى