كتّاب

زراعة الكبد…


زراعة الكبد

بين وكيل وزارة العدل أبو سبعة ألف دولار والقاضي أبو عشرين سنة خدمة..

قولوا أمس الليل، وبصدفة محضة، اتصل بي أحد جرحى الجيش الوطني، قال سمعنا أنك في القاهرة ونشتي نشوفك، وعندنا القاضي ناصر لو تشوف كيف فرح بك لما عرف أنك هنا، عز عليّ أن أعتذر عن لقاء الجرحى..

رحت عصر اليوم زرتهم واستقبلوني بحفاوة وحب فأحسست بخجل كبير وحزن أكبر وتيقّنت أن الحرب جرحتنا في أنبل الشباب.

المهم ومن هنا تبدأ القصة..
في شقة الجرحى لقيت القاضي ناصر مبخوت السعيدي رئيس التنفيذ بمحكمة الأموال العامة في الجمهورية اليمنية.

الصورة اللصيقة بمخيلتي للقاضي كانت في التسعينات عندما زار القرية وهو شابا كاملا وأنيقا بينما كنت طفلا في المرحلة الابتدائية، كانت الزيارة في موسم الانتخابات وكان القاضي ناصر يدشن حملة دعاية انتخابية لوالده مرشح مجلس النواب المستقل صاحب رمز السنبلة الشيخ مبخوت زيد السعيدي، بقيت صورة ذلك الشاب الذي عاش حياته في صنعاء، عالقة في ذاكرتي بلا ملامح واضحة حتى تلاقينا مرة أخرى في 2011 وقد أصبح القاضي ناصر مبخوت متبوءا منصبا كبيرا في الدولة ومتواضعا كالماء في الساقية.

في 2014 وبعد الانقلاب قامت ميليشيا الحوثي باعتقال القاضي ناصر في زنزانة تحت الأرض خرج منها وقد أصابه تضخما في الكبد ثم تليفا أو تلفا وتم نقله إلى القاهرة للعلاج لكنه انصدم بقرار الأطباء بضرورة زرع كبد خلال أيام لأنه يعيش اللحظات الأخيرة قبل الموت..

ولا أدري هل هو من سوء الحظ أو حسنه أن القاضي كان أحد أكثر القاضاة نزاهة وتعففا لكي يعيش على راتبه حياة بسيطة وتلقائية، لكنه اختار النزاهة وعاش عليها وبها، لكنها لم تنفعه بشيء حين احتاج إلى المال لزراعة الكبد.

باع القاضي كل مايملكه وتملكه زوجته، وتبرع له صهيره بالكبد وهذه قصة أخرى للأثرة بالحياة تستحق الكتابة عنها..

المهم نجحت العملية ومنحه الله حياة جديدة وإن كانت على أدوية أبدية تلازمه حتى أخر لحظة.

لم تزل رحلته العلاجية مستمرة إذ قرر له الأطباء زيارة شهرية حتى تستقر حالته بشكل جيد.

سألت بفضول واستغراب،
هل تستلم راتبك؟! وأجاب بمرارة وقهر الرجال، سلطة الحوثي أعتقلتني وصادرت راتبي، وسلطة الشرعية أسقطت اسمي وتجاهلتني .

أممم وأنا أواسيه قلت له لا عليك أنا أعرف وكيل وزارة العدل صديقي وشاب دؤوب استطاع انتزاع قرارا رئاسيا بعرق جبينه إذ استخرج قرابة ألف ترشيح حتى من أصحاب الكافيهات وعشرة ألف تزكية وظل يطارد الرئاسة بين الرياض وعدن لدرجة أن طفشوا وأصدروا له قرارا..

أتذكر مرة كان يتصل على أحدهم ونحن في شاطيء أبين بعدن فلم يرد عليه ولكن الوكيل كان شاطرا وحدس أنني صديق مقرب لذلك الأحدهم وأنني سأكون معه في مقيل فاتصل علي وببراءة أخرجت التلفون وقبل أن أرد قال الموجودون لا تقل له إنك معنا يا أخي هذا جنن بنا يشتي قرار .. فقلت له أنا مع رضوان فارع نشرب مقوي الركب.

الخلاصة أنني خرجت من عند القاضي ورحت أتصل على صاحبي الوكيل فلم يرد على التلفون فقلت أتصل به على الماسنجر فلم يرد فكتبت رسالة يييه يا خبير أنا صاحبك قبل ما تكون وكيل وتستلم 7 ألف دولار ولكنه لم يكلف نفسه بالرد وبعد مرور عشر ساعات ها أنا أبصق وأكتب.

كنت أريد أن أساعد القاضي في الحصول على راتبه خصوصا والشرعية ومجلس قضائها يصرفون رواتب القضاة الحوثيين في صنعاء وكل محافظات الحوثي.

فشلت في التواصل مع صديقي القديم وسعادة الوكيل الذي أصبح ثريا يملك شقة راقية في القاهرة ويتنقل بين العواصم وبنثريات تكفي لزراعة ألف كبد .

لم أستطع مساعدة قاضينا عبر صاحبي لكني ومن هنا أأمل أن تصل رسالتي هذه..

إلى صديقي العزيز معين عبدالملك رئيس الوزراء الذي ظل صديقيا طيبا وبسيطا لسنوات مضت قبل أن يصبح رئيسا للوزاء..

صديقي الدكتور معين عبد الملك..
لو بقي أمل فهو فيك وهي أول رسالة أكتبها إليك بصفتك.. ولا أريد منك شيئا لنفسي، فهل تكرمت بصرف راتب القاضي وإعادته إلى عمله، ولو زدت على ذلك مساعدته بما يعادل بدل سفر لوكيل واحد من ذوي الحظوة الذين ابتسمت لهم اللحظة الفالتة من تاريخ اليمن المسحوق.. قلت لو وأنا أعلم أن لا حظ للشرفاء الذين انقلب عليهم القدر مع الانقلاب.

لا نتسول أحد هنا، نريد من الدولة حقوق مواطن أفنى عمره في خدمة الوطن. والله المستعان .

ملاحظة يتحدثون عنها:-

وكلاء وزارة الشرعية وقادة الجيش يشترون شققا سكنية في القاهرة ويؤجرونها للجرحى بأسعار أقلها لا يقل عن 200 دولار أمريكي. استثمارات حتى في الأشلاء فوق ما يتجارون بالدم والأرواح.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى