مفكرون

نشوان معجب | للروح وعيان: ظاهري محدود وباطني غير محدود. فمثلا في حالة المجنون والنائم


للروح وعيان: ظاهري محدود وباطني غير محدود.

فمثلا في حالة المجنون والنائم والمغشي عليه يغيب الوعي الظاهري، ولكن لا يغيب عنه الوعي الباطني، وخاصةً الوعي الغريزي الذي يشكل أحد جوانب الوعي الباطن المهمة، وهو المسؤول عن تسيير كافة نشاطات الجسد وتفاعلاته اللاإرادية منذ التخصيب حتى الممات.

والوعي الظاهري هو وعيٌ محدودٌ وقاصرٌ جداً، لأنه يمثل النفس الأرضية المرتبطة بمظاهر الوجود وقوانينه المادية (تفكيرا وشعورا) عن طريق الحواس المادية المعروفة ارتباطا كبيرا، وهو مقيدٌ بالجسد داخل البُعد المادي هذا. بينما الوعي الباطني للروح لا حدود له، لأنه يمثل الروح السماوية المرتبطة بكل قوانين الوجود في جميع الأبعاد، ولكنه محجوبٌ عن الاتصال المباشر بالوعي الظاهر فينا، ولا تظهر بعض قدراته إلا في بعض الحالات عند غياب الوعي الظاهر أو عند هدوئه وصمته التام في حالات التجلي.

فأنت كإنسان لك روح كلية سماوية لها تمثلات وتجليات في عدة حيوات أرضية عن طريق الأنفس المحدودة لاكتساب الخبرة والارتقاء الدائم بلا توقف.

وهناك اتصالات خفية دائمة بين الوعي الظاهر والوعي الباطن تتم تحت خط إدراك الوعي الظاهر، ولا ينتبه إليها ولا يشعر بها إلا المتدبرون العارفون، ومن أهم عمليات الاتصال تلك الإلهامات والرُّؤى والتنبؤ واستباق الأحداث بالمشاعر المتعلقة بها قبل وقوعها والاستبصار والتخاطر، واستخراج المواهب من الوعي الباطن وتنميتها وغير ذلك من الأمور المشابهة.

أما الاتصال المباشر بين الوعي الظاهر والوعي الباطن بطريقة مكشوفة وجلية بحيث يدركها الوعي الظاهر وكأنه يتصل بقوة غيبية أخرى فهذا لا يتحقق إلا في حالات نادرةٍ جدا من حالات الصفاء والجلاء الروحي، وهو ما حدث مع بعض الحكماء والنبيين، وقد أدرك بعضهم حقيقة ذلك الاتصال وطبيعته فيما لم يدركه البعض الآخر منهم، فظنوا أنهم يتخاطبون مع روح الوجود المهيمنة الكلية المطلقة باعتبارها قوة منفصلة ومستقلة عنهم.

وأخيرا، فإن الوعي الباطن في روح كل إنسانٍ كما أسلفنا هو ليس محدودا بل فائق القدرة والصفات، ولكنه لا يظهر ولا يتجلى لصاحبه بتلك القدرات والصفات إلا بقدر اجتهاد ذلك الشخص على تزكية نفسه وتطهير قلبه والارتقاء بوعيه الظاهر، وبالطبع فإن الارتقاء بالوعي الظاهر مهما اجتهد فيه صاحبه وقطع فيه أشواطا كبيرة، فإنه سيظل محدودا في هذه الحياة الدنيا المادية التي تفرض عليه قوانينها الصارمة، ولكنْ كلما تعددتْ حيوات الإنسان المجتهد على نفسه بقوة للارتقاء بوعيه الظاهر، فإنه سيصل بعد حيواتٍ كثيرة جدا للتحرر من قيود المادة وقوانينها الصارمة وسيرتقي بوعيه الظاهر الارتقاء الكامل الذي يؤهله لعدم العودة إلى هذه الحياة الدنيوية، بل سينتقل لأبعادٍ أعلى في حيواتٍ جديدةٍ أرقى وأعظم، حيث سيكون حينها قد استظهر جزءاً لا بأس به من قدرات وصفات وعيه الباطن، ليكمل مشواره في سلسلة التطور الوجودي الأزلي السرمدي.

ولذلك فإنه بوسعنا أن نقول بأن الوعي الباطن لكل إنسان في الحقيقة هو نابعٌ من أصلٍ واحدٍ غير متعدد، وهو تلك الذات التي وصفتها الأديان بالإله الخالق المطلق، ولكنه ليس ذاتا منفصلةً عنا وليس بتلك السطحية التي صورتها الأديان. بل هو منا وفينا كشيء واحدٍ لا ينفصل ولا يتمايز عنا، بل نحن هو وهو نحن، وهو ونحن والوجود كله واحدٌ قد تعدد فيما لا نهاية ولا حصر له من الشخصيات والتجليات المستقلة والمتميزة في ظاهرها منذ الأزل حتى السرمد، وهي وجودٌ واحدٌ غير متعددٍ أصلا عند النظر إلى الحقيقة من المنظور الكلي الأعلى على الإطلاق، ولكن يصعب علينا استيعاب هذا الأمر حاليا، فهو أمرٌ عميقٌ ومعقدٌ جدا جدا .. وكم قد حارت به أعظم الألباب والنهى دون أن تتمكن من الإحاطة علماً بكنهه وكيفيته.

نشوان معجب | ناشط مجتمعي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى