مفكرون

نشوان معجب | حقيقة الصيام: إن حقيقة الصيام الذي كان يقوم به الأنبياء والحكماء وأمروا


حقيقة الصيام:

إن حقيقة الصيام الذي كان يقوم به الأنبياء والحكماء وأمروا أتباعهم به في أيام محددة، قد ضاعت وتبقى منها قشورها كسائر تعاليم النبيين الأخرى. فما هي تلك الحقيقة؟.

الجواب:

الصيام يعني الإمساك. والغاية من الصيام هي (لعلكم تتقون)، أي لعلكم تضبطون أنفسكم وتجتنبون الوقوع في الإثم.

وعليه فإن الصيام يعني إمساك النفس وضبطها ومنعها من الوقوع في الإثم، والإثم هو التعدي وانتهاك أيِّ حقٍ وحُرمةٍ من حقوق الخلق وحرماتهم.

وأكثر أمرين يدفعان الإنسان للتعدي وانتهاك الحقوق والحرمات هما الطمع والغضب، والطمع ينشأ عندما تكون الغرائز متحكمة بالإنسان، وإشباع الغرائز بدون تهذيب وتأديب يجعل الإنسان طماعا بطبعه، والغضب ينشأ عندما تكون الأنا متضخمة في روح الإنسان، وكثرة الجدل والكلام وترك اللسان حاضرةً للرد على كل قول وفعل يستثير الغضب ويؤججه أكثر.

لذا فإن الأنبياء شرعوا الصيام والإمساك عن بعض الرغبات والمتطلبات الجسدية المشروعة كالأكل والشرب والجنس، لأن ذلك الأمر هو وسيلة تجعل الإنسان أكثر عرضةً للاستفزاز وهيجان مشاعر الغضب والطمع في نفسه، وعندما يقاوم الإنسان ذلك الهيجان بالصمت وعدم الرد وبالقناعة والزهد وكبح جموح النفس وإمساكها عن الوقوع في تبعات الغضب والطمع وهو في تلك الحالة المستثارة، فإنه يتعود على الأمر، ويصبح قادرا على ضبط النفس وإمساكها في الأوضاع الطبيعية بسهولة أكبر، حتى يصبح ذلك الأمر طبعا وسلوكا دائما لديه، فيكون من المتقين حقا.

ومن ذلك نستخلص أن حقيقة الصيام هي مراقبة النفس وضبطها وإمساكها عن الطمع والغضب وسائر النوازع والثوائر النفسية التي تدفع الإنسان للوقوع في الإثم، ومراقبة اللسان وإمساكها عن كثرة الكلام والجدل والرد والانتصار للنفس، حتى لو كان الكلام مباحا فالصمت أهدى، لأن الصمت يدرأ الكثير من سقطات اللسان وزلاتها غير المتعمدة، التي تسبب الخصام وتوقع العداوة والبغضاء بين الناس وتؤجج نيران الغضب الدافع لارتكاب أكثر الحماقات والجرائم.

ولكن أكثر المتدينين من أتباع كافة الأديان قد ضيعوا هذه الحقيقة الجوهرية واستمسكوا بقشرتها التي لا قيمة لها في ميزان التزكية والارتقاء بالنفس، حيث أنهم تمسكوا بالوسيلة (الامتناع عن الطعام والشراب والجنس) التي لا أهمية لها بجانب الجوهر الحقيقي للصيام والحكمة والغاية منه (لعلكم تتقون).

وأختم هذا المقال بهذا الحديث العظيم الحكيم للنبي الكريم محمد، وهو يختصر كل مقالي ويعبر عنه في تعبيرٍ بليغٍ مبينٍ للمتدبرين:

(مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ).

#ذوالنونين

نشوان معجب | ناشط مجتمعي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى