توعية وتثقيف

البقشيش (Tip, Gratuity)…


البقشيش (Tip, Gratuity)

كنت معيداً فى كلية الهندسة عندما حدثت نكبة ٦٧ وكُلِّفت بترك عملى فى الجامعة والإلتحاق بالقوات المسلحة كمترجم للغة الروسية (*). ذات يوم مرضت زوجة أحد الجنرالات الروس، وطلب منى زوجها أن أذهب معها إلى مستشفى المعادى العسكري لأترجم بينها وبين الطبيب. فعلت ذلك، (من وراء حجاب طبعاً،) لكن ليس هذا موضوع التعليق.

بعد أن أرجعتنا السيارة إلى مساكن الخبراء فى مدينة نصر، مدت لى السيدة يدها وفيها بعض النقود. قفزتُ إلى الوراء كمن لدغته أفعى: أنا …المعيد فى الجامعة … الماجستير فى الهندسة الإلكترونية … من أوائل الثانوية العامة … تعطينى “خواجاية” بقشيشاً كأننى جرسون أو شيال؟ كيف هذا ؟! كيف وضعنى القدر فى هذا الموقف؟ … بلدى أصابتها كارثة وأنا مستعد أن أفعل من أجلها أي شيئ. لكن أن يظن أحد أن مقامى مقام بقشيش ! … كان هذا فوق ما أستطيع تقبله. ذكرنى بهذه الحادثة مؤخراً أحد أصدقاء العمر، الذى مازال لا ينسى، (بعد ٥٥ سنة،) كيف كنت وقتها أفور غضباً من الإحساس بالمهانة.

لكن صديق آخر كان له رأي مختلف، وهو أننى أعانى من كبرياء لا لزوم لها، و إنه لو كان فى مكانى لأخذ الفلوس … “أحسن من وشها.” قد يكون صديقى الثانى هذا محقاً فى تشخيصه لصحتى النفسية، لكنى لا أظن أنه محق فى موقفه من البقشيش. لماذا لم تحاول السيدة إعطاء الطبيب بقشيشاً؟ كلانا قدم لها خدمة؛ لكنها إعتبرّت من المناسب أن تعطينى بقشيشاً، ومن غير المناسب أن تعطى الطبيب بقشيشا. لماذا؟ للإجابة على هذا السؤال يلزم أن نتأمل فى معنى البقشيش.

البقشيش هو عطاء إختياري لشخص قدم لك خدمة (مدفوعة الأجر) على نحو أرضاك، فإعتبرتَ من المناسب أن تضيف إلى أجره مبلغاً إضافياً (هو البقشيش.) (**) بهذا التعريف يبدو البقشيش أمراً لا غبار عليه . لماذا، إذاً، لا يعطى الناس بقشيشاً لطبيب أو لمحامى؟

أعتقد أنك عندما تعطى بقشيشاً لشخص ما، فمن المفهوم، ضمنياً، شيئان –
– أولاً – أنه أقل منك إجتماعياً ومادياً، و محتاج للعطاء؛
– ثانياً – أنك فى موقف الحكَم على أدائه؛ أي أنك فى موقف “المذل المنعم”، وهو فى موقف من يستجدى رضاءك.
والناس يعتبرون الطبيب أو المحامى فى مركز إجتماعي لا يسمح بمعاملتهم على هذا النحو. لهذا لا يعطوهم بقشيشاً؛ ولنفس هذا السبب أحسست ُ أنا بالإهانة عندما عرضت عليا زوجة الجنرال بقشيشاً.

هناك مجتمعات لا تمارس عادة البقشيش، مثل سكانديناڤيا وروسيا. فى ألمانيا يكفى أن تترك “الفكة” على المائدة. فى أمريكا من المعتاد أن تعطى الجرسون ١٥% من قيمة الفاتورة على الأقل (***). من المعتاد أيضاً أن تترك بقشيشاً لسائق التاكسى أو الأوبر. فى مصر يتوقع الناس البقشيش، بل يطالبون به علناً، ضاربين بعزة النفس عرض الحائط. أنا لا أبتلع فكرة أن صعوبة المعيشة تبرر ذلك. الناس يظهر معدنهم فى الظروف الصعبة.
_________________________________
*) كانت تلك التجربة فى مجملها جيدة، وكتبت عنها مسبقاً.
**) هذا هو المنظور الإيجابى. هناك أيضاً منظور سلبي – البقشيش ما هو إلا إتاوة مقنّعة، تستغل الإبتزاز المعنوى لجعل ‘الزبون’ يدفع فى الخدمة ثمناً أعلى من الثمن المعلن أو المتفق عليه.
***) يستغل أصحاب المطاعم ذلك العرف لدفع أجور منخفضة للعاملين، على أساس أنهم سيعوضون النقص من البقشيش.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫22 تعليقات

  1. انا شخصيا اخجل من ان اعطى اى شخص بقشيش…
    ولو معايا اى حد اقوله اديله بقشيش وانا احاسبك….
    خجلا من ان اعطى شخص شى.. ويحس انه اقل منى

  2. قصة مُدهشة!!! فعلاً استحالة أن أتخيل الدكتور العظيم النابغة الفريد في هذا الموقف!!! معك كل الحق في كل كلمة قلتها 👏👏👏

  3. غالبية مصالحنا الحكومية، إن لم يكن كلها، تسير بالرشوة، الإتاوة، الشاي، البقشيش، الإكرامية.. وخاصة كل ما يتبع وزارة العدل والداخلية بالذات.. للأسف الشديد!!

  4. موضوع البقشيش يجب ان ينتهي لأنه قد تحول في معظم الأحيان الي أمر واجبار حتي أنني عندما أطلب سيارة مثلا لتوصيلي الي القاهرة فان الاتفاق علي الأجر يتضمن شئين : الاجر الأصبي والدخان أو البقشيش . وأذكر أن قريبا لي وأمام عيني استحضر كراكة لحفر ارض له وبعد الانتهاء اختلفا علي الأجر فاذا بالرجل وكان هو صاحب الكراكة …وافق علي مضض ثم طلب الدخان ….فرفض قريبي وقال له انت لاتعمل عليها بل انها ملكك فقال له وانت مالك …هكذا اصبح حوار الدخان أو البقشيش …. من غير المعقول أيضا أن أدفع في المطعم 15% خدمة ثم أعطي بقشيش …..اتمني أن يكون كل شيئ متفق عليه ويتم دفع المطلوب فقط بصرف النظر عن الوضع الاجتماعي للطرفين

  5. في بعض دول أوروبا الشرقية من المعتاد إعطاء الأطباء أيضا بقشيشًا في جيب البالطو الأبيض، لا أعتقد أن السيدة الروسية قصدت الإهانة و لكنهم قد يعتبرون البقشيش نوعا من الامتنان و الاعتراف بالجميل

  6. لا تستطيع ان تعمل اى شيء فى الشهر العقارى فى مصر الا بالبقشبش و اماكن اخرى كثيره زى المرور و غيره
    الغلاء الفاحش جعل البقشيش ضرورى للانجاز

  7. طبعا اوءيد موقف حضرتك د فريد
    التمس لزوجة الجنرال بعض العذر لانها غالبا مرت بمواقف مشابهة و لم يرفض احد القشيش
    للأسف بقت حاجة مخزية في بلادنا و بلغت الوقاحة من البعض طلب البقشيش حتي من غير ان يقوم بعمل اي خدمة مجرد ان يقول ” كل سنة و انت طيب ، حمدلله على السلامة ” 🥵

  8. متفق مع سيادتك تماما. وقد تعرضت لمثل هذا الموقف عدة مرات. وكان رد الفعل مماثل. مترجم في اجتماعات رجال أعمال للاتفاق على صفقات. حاول رجل الأعمال الأجنبي اعطائي مالا. قلت له: انا مترجم وتلقيت اجري مقدما. 😊🌷

  9. سؤال هام. هل كانت زوجة الچنرال تعرف من انت؟ معيد في كلية الهندسة شديد التفوق ينتظره مستقبل لامع؟ غالبا كانت لا تعرف و الا كان قد اكتفت بشكر مؤدب.
    هنا في مصر العاملون في ستاربكس يرفضون البقشيش كسياسة للشركة، الشباب العاملون في امازون ينصرفون بسرعة قبل ان تتاح الفرصة لك لتفكر في اعطائهم بقشيشا

  10. عايزين كلام كثير عن ذكريات حضرتك عن تلك الفتره الخاصه

    كان هناك الكثير مما يقال عن الخبراء الروس

    بعضهم كان يعتبر نفسه في مهمه امميه

    و البعض الاخر اعتبر انه فيما يشبه الاعاره

    البعض متعال

    و البعض فيه طبيعه الفلاح الروسي

    ايضا ردود الفعل تجاههم علي الجانب المصري كانت متابينه

    اليسار كان يعتبرهم دليلا علي الرساله العالميه للشيوعيه السوفيتيه
    نموذج الشاب الروسي المهندس في عمل يوسف شاهين عن السد العالي مثال

    من غير اليسار
    اعتبرهم اخرون احتلالا
    هذا مفهوم بالنسبه ل شيخنا الساجد فرحا علي الهزيمه في ٦٧ ( و نحن في أحضان الشيوعيه كما ذكر )
    و لكنه كان ايضا راي الليبرالية المصريه ( او ما يشبهها )
    ثروت اباظه و الاخوه امين علي الاقل

    رجل الشارع قيمهم تقييما سيئا لانه قارنهم بالسياح الغربيين اصحاب المظهر الافضل و الاكثر غني و استعدادا للاغداق

    في الجيش كانت هناك حاله توتر
    مثلا كان هناك فرح عارم بسقوط طائرات ميج ٢١ التي يقودها طيارون سوفييت فوق سيناء
    لان التقييم السوفييتي ل وضع الطيارين المصريين كان في عجزهم علي الاستفاده من امكانات السلاح السوفييتي مقارنه مثلا بما يحققه الطيارون الفيتناميون
    بينما اثبت سقوط الطائرات السوفيتيه بطياريها ان المشكله مشكله الطائرات

    قيادة عبد الناصر لم تمانع في اسناد ٦٧ ل سيطره البرجوازيه علي الجيش كما ارادها التحليل السوفييتي لما حدث
    كان القبول علي مضض
    لانها( القياده السياسيه المصريه ) كانت تعلم ان الاسباب لا علاقه لها بهذا
    و كان هذا مثالا لتعامل البيروقراطيه السوفيتيه من امثله اخري عديده
    دفعت عبد الناصر عند نقطه الي ذكر انه سيكون مجبرا علي الاستقاله اذا لم يتم تزويده بما يردع الاسرائيليين عن غارات العمق

    العلاقه فعلا لم تكن خطا مستقيما ابدا
    و لعل لديكم ما تحكونه في هذا الصدد ك مترجم مثقف يستطيع الاستنتاج و الاستنباط بعيدا عن مجرد الترجمه ل تلبية الحاجات

    حقيقة اتطلع الي رد حضرتك .

  11. البقشيش عندنا له تاريخ

    و نابع من فقرنا

    و الاخير بني علي اساسه احترام ازلي للاجنبي الغني

    لا تلاحظه و للغرابه في جنسيات اخري عديده حتي مع فقرها

    اتذكر حلمي مراد ( صاحب دورية كتابي الادبيه ) عندما قابل مسؤولا صينيا في الصيني في زياره
    و تحداه الاخير ان يقبل صيني واحد مقابلا ماديا لاي خدمه
    و فعلا لم يحدث ان قبلها صيني في طول الصين و عرضها رغم حاله الفقر الشديده ( و ان كانت مصحوبه ب روح معنويه مرتفعه حيث كانت التعبئه الماويه في اوجها )

    اراد حلمي مراد ان يفعل نفس الشيءفي مصر ( كان هذا في اخر الخمسينات و اوائل الستينات )
    فكان ان وقف المصريون العاملون في احدي الفنادق التي نزل بها الصيني طابورا علي باب غرفته عندما علموا انه يوزع بقشيشا
    و البعض كان يعاود الوقوف في الطابور بعد تلقيه بقشيشه

    الاغلب ان حضرتك كنت مجند
    و لو كنتم ظابط احتياط لكنتم في رتبه الملازم او الملازم اول
    و وارد تماما ان تلقين الخبراء شمل تعاملهم مع المصريين

    حدث هذا في اتجاه معاكس عندما ارسل الامريكيون جيشهم الي انجلترا في الاعداد ل نزول الشاطيء الفرنسي
    كانت التوجيهات هي
    لا تسخر من الملكه
    لا تعلق علي اسلوب نطق الانجليز للغه الانجليزيه .. هي لغتهم علي اية حال
    لا تصادق فتيات انجليزيات
    لا تنفق ما معك من نقود مره واحده او بشكل يوحي ب وجود الكثير منها

    كان الانجليز ايضا ملتفتين للمشكله و يلخصون رايهم في افراد الجيش الامريكي بعبارات من مثل
    They are oversexed
    over paid
    and over here!!!!

  12. البقشيش اعتقد انه شيء أساسي في بعض الدول..
    منذ يومين تقابلت مع رجلين اثناء خروجهما من محطة القطار بأسوان ومن لهجتهما عرفت أنهما من سوريا او العراق وسألني أحدهما عن حاجتهما لحجز قطار العودة للقاهرة بعد ٣ ايام..
    وكانا تواً واصلين للسياحة من القاهرة وعن فندق قريب فتعرفت عليهما وكانا عراقيان ومتقاعدين احدهما مهندس ميكانيكا والآخر مدرس تربية وعلم نفس.. فاصطحبتهما وحجزت لهما تذاكر العودة.. ونحن خارجين من بهو المحطة أخرج مهندس الميكانيكا مبلغا من المال ليعطيني بقشيشا فقلت له عيب عليك انت مهندس ميكانيكا متقاعد وانا مهندس كهرباء والكترونيات متقاعد يا أبو شاهين وضحكنا سويا وتوجهت بهما لأحد الفنادق وأسكنتهما فيه ..
    من هنا حكمت ان البقشيش صارت عادة في عدد من الدول وخاصة العربية..

  13. الخبراء الروس كان معظمهم من الصف ضباط من قدامى المحاربين لا اعتقد انهم افادونا فى شىء على مستوى الكتيبة وما يعادلها وكان اهم سلطة تقييم قادة الفصائل والسرايا لقائد الكتيبة ولذلك كان الضباط الاصاغر يتوددون اليهم ومنهم من كان يقدم اليهم علب السجائر ويقبلونها بدون تردد ، المشكلة فى هذه الفترة انهم فرضوا على كل كتيبة سيخ وكان ايضا مركز قوى لدى القاءد واحيانا ماكان يطلب الشيخ اجازة لضابط ويقدم عذره للقاءد ، الشىء الاخر انه لا الشيخ طايق الخبير على اعتبار انه شيوعى ولا الخبير مقتنع ان الشيخ له اى لازمة ولاوظيفه ومن المفارقات ان بعض المشايخ كانت ترتدى الافرول وتصنف نفسها رتبا فشيخ قاءد الفرقة اعلى مرتبة من شيخ قاءد اللواء والادنى هو شيخ قاءد الكتيبة ، احد المشايخ تم اسره فى ٦٧ وهو يرتدى الافرول والخوذة وصنفوه ضابط قوات خاصة ، كل هذا من افتكاسات السادات بالاضافة الى ادخاله شعرات دينية تقال اثناء التدريب ، اهجم للامام الله اكبر وهكذا ولكن الشاذلى ابقى على شعارات القوات الخاصة ولم يلتزم بالشعارات الدينية

  14. كلام رائع وذكريات مشوقة لفترة ما بعد نكسة ٦٧ خصوصا لمن عاشها .بمناسبة البقشيش فى أمريكا ، كنت فى ( بيتسبرج ، بنسلڤانيا مع الدكتور ناصر قطبى أستاذ التخاطب بدعوة من رئيس قسم الأنف و الأذن و الحنجرة ، و أثناء تناولنا طعام الإفطار ( الدكتور ناصر و أنا )فى فندق هوليداى إن ، طلب الدكتور ناصر ( بيض أومليت ) ففوجئت برد النادل ( كم من البقشيش ستعطينى ) ؟ وتكررت هذه المسألة فى أكثر من مناسبة .لم أجد هذه الظاهرة فى نيويورك عندما كنت أعمل بمستشفى المموريال بنيويورك فى السبعينات !!

  15. I had the same experience when I was installing Medical Equipment in Doctor’s offices in Egypt after graduation as Engineer ( Qad El Donya ), the Doctor was putting a fat envelope full of money in my hand and I was refusing firmly !

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى