قضايا المرأة

جمانة حداد | من كان ليتوقّع أن يكون القلق الذي يجتاح روحي اليوم ، هو القلق

من كان ليتوقّع أن يكون القلق الذي يجتاح روحي اليوم ، هو القلق نفسه الذي يجذب روح صديقتي النيويوركية سارة ، التي لطالما شعرتُ ، كلما حدّثتها أو التقيتُ بها ، أنها من كوكب آخر ، لفرط اختلاف ظروف حياتنا؟

من كان ليتنبأ أن هذا الإحساس بالاختناق الذي يعتريني أحياناً في الليل ، هو نفسه الذي يعترض صديقي الشاعر الأسوجي ماغنوس ما إن يستيقظ ، وهو نفسه الذي يعترض ناشرتي المكسيكية كلما شاهدت نشرة الأخبار ، وهو نفسه الذي لا بد يعتري ذلك العازف الإيطالي الذي يطربني والممثل البريطاني الذي أحب؟

من شمال الأرض الى جنوبها ، من غرب العالم الى شرقه ، كلنا ، تقريباً ، في الهوا سوا. أغنياء وفقراء ، رجال ونساء ، شباب وكهول ، كلنا معرضون. لا يهم ديننا ، أو عرقنا ، أو أفكارنا السياسية ، أو ميولنا الجنسية ، أو جنسيتنا ، أو مراكزنا الاجتماعية. أنظروا يا جماعة ، لقد أصبحنا أخيراً كوكباً واحداً وشعوباً واحدة عن حقّ. أكثر ما يؤلم في الأمر أن ما وحّدنا وجمعنا وسوّى الأرض تحت أقدامنا ، هو الكارثة. ولكن ، هل تراها جمعتنا حقاً ، هذه الكارثة ، أم جعلتنا نتقوقع أكثر فأكثر في أنانياتنا؟

تلك المساواة التي لطالما نشدناها ، وضحينا في سبيلها ، وطالبنا بها ، ها هي اليوم أصبحت في المتناول. لكنها مساواة سينيكية بامتياز. هي ابنة عدالة أليمة. عدالة الهشاشة الانسانية. عدالة الخوف المعولم. عدالة الفيروس الغادر. في اختصار: عدالة الموت. عدالة موجودة منذ الأزل ، لكننا نصرّ على تجاهلها ونكرانها.

ننسى أننا لن نحمل معنا الى التراب أموالاً ، ولا ألقاباً ، ولا قصوراً ، ولا سيارات. ننسى أنه لن يبق منّا سوى البعض القليل مما كنّاه ، وقلناه ، وفعلناه.

… ما تتركه الحصاة على وجه البحيرة بعد هبوطها الى القعر.


اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى