مفكرون

حامد عبدالصمد | مأساة الإنسان تتلخص في انه يسعى إلى الرضا والسعادة والحب ، لكنه يفعل كل شيء

حامد عبدالصمد

مأساة الإنسان تتلخص في انه يسعى إلى الرضا والسعادة والحب ، لكنه يفعل كل شيء يبعده عن الرضا والسعادة والحب. يحاول الاتصال مع نفسه وحقيقتها لكنه يستخدم كل وسائل التواصل التي تفصله عن نفسه. تتمحور حياة الإنسان العادي حول المال والطعام والجنس والتسلية والصلاة وبعض الإنجازات التي تجلب إليه اعتراف ومحبة الآخرين. ولكن كل هذه الأشياء تستهلكه كما يستهلكها. فاللهث خلف المديح يضخم الإيجو الذي لا يرضى أبداً. واللهث خلف المال للبحث عن الأمان يجعل الإنسان مملوكاً لما يملكه أو ما يريد امتلاكه ويجعله متوجساً وقلقاً. ومحاولة الشعور بالامتلاء والاكتفاء عن طريق إدمان الأكل بنهم ، تعمِّق الفراغ والنقصان أكثر.
الجنس والصلاة والنوم هي محاولات يمكن أن تؤدي للتواصل مع الذات ، لأنها حالات تهدأ فيها الأفكار ويقترب الإنسان من جوهره أكثر. ولكن حين يكون مدخل الإنسان بذلك استهلاكه يأتي ذلك بنت الخام العكسية ، فالذي لا يرى جوهر نفسه لا يرى جوهر من يمارس معه الجنس ولا يرى جوهر من يعبده ، وهو يلهث خلف سراب في النهار يرى أشباح ويسمع أصداء ما يلهث خلفه في المنام. حين يحب الإنسان فكرة ويعبد فكرة يصير الحب والإيمان مجرد صقوس جافة يحاول الإنسان بتكرارها تعويض غياب الجوهر. الحب الحقيقي هو اتصال بين الإنسان وروحه قبل أن يكون اتصال بين الحبيب وحبيبه ، وكذلك الإيمان الحقيقي أيضاً. كلاهما لا يعرف الفروض والشروط والخوف والطمع.
فكرة الصيام في جوهرها هي فكرة جميلة. هدف الصيام هو الاستغناء عن كل الأشياء والأفكار والطقوس الذي يستهلكها الإنسان بوعي وبدون وعي فتولِّد لديه وهم الامتلاء والاكتفاء والرضا. حين لا يكون الإنسان عبداً لجسده واحتياجاته تصفو الروح والأفكار ويقترب الإنسان من جوهره. ولكن هذا يتطلب ألا يتعامل الإنسان مع الصيام بنفس مبدأ الاستهلاك وتكرار الطقوس. فحين يحضر طقس الصوم وتغيب الحالة التي يفترض أن يولِّدها الصوم فما الفائدة؟ حين يكون الصيام منتجاً للغضب والتذمر ومسبباً للملل ومحاولة قتل الوقت وترقب مدفع الإفطار فهو مثل الأكل والجنس تمامًا ، لأن الإنسان عبد لما يترقب وسجين لما يحاول الهروب منه. وحين يكافئ الإنسان نفسه على الامتناع عن الطعام بوليمة دسمة ، لم يرَ في الصيام استغناءً بل حرمانا.
لا يوجد إنسان متصل مع ذاته طول الوقت ، وإلا لصار ملاكاً ، ولا يوجد إنسان منفصل عن نفسه طوال الوقت وإلا لصار حجراً. ولكن كلما بحث الإنسان عن نفسه داخل نفسه ، وكلما استغنى عن الصراعات الخارجية اقترب من الاتصال أكثر ، وكلما بحث خارج ذاتها انفصل عنها أكثر. الحب والإيمان والوعي والاتصال يعني أن يعترف الإنسان بنفسه قبل أن ينتظر الاعتراف من الآخرين. والانفصال هو أن يتنكر الإنسان لذاته كي ينال رضا واعتراف الآخرين. ولكي يعترف الإنسان بنفسه لابد أن يعرفها أولاً ، ولكي يعرفها عليه أن ينصت لصوته الداخلي ويراقب أفكاره وانفعالاته دون أن يصدر عليها الأحكام …
الاستهلاك الزائد يصيب الأجساد بالخدر ، والخوف والترقب وتكرار الطقوس يصيبوا الأرواح بالعطب. الأجساد المخدرة لا تستطيع أن تشعر بلذة ممارسة الحب ، كما لا تستطيع الأرواح المعطوبة التي تشعر بلذة الصلاة والصيام!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى