مفكرون

نشوان معجب | رِهان ذي النونين (2): بما أنّ هناك مئات الأديان منتشرة بين الناس اليوم، وخاصةً


رِهان ذي النونين (2):

بما أنّ هناك مئات الأديان منتشرة بين الناس اليوم، وخاصةً الأديان الرئيسة الكبيرة، وكلٌ منها تدّعي الانتساب لله، ولها كتابٌ مقدّسٌ، وتزعم أنها هي الحق وما سواها الباطل، وكل ديانةٍ منها نشأت بلسان القوم الذين ظهر فيهم النبي، وطالما أنّ كل دين من تلك الأديان منقسمٌ إلى عدَّة طوائف ومذاهب مختلفة متفرّقة ومتناحرة غالبا، و (99.9%) من أتباع تلك المذاهب والأديان قد اعتنقوها بالوراثة أصلا لا بالقناعة كما يتوهّمون .. فإن الانتماء لأيّ دينٍ من تلك الأديان هو الجهل والضلال بعينه، نظرا للأسباب المنطقية التالية:

1- لا فرق في حيثيات الإيمان عند أتباع كل الأديان، فالوراثة والبيئة والمجتمع هي العوامل الخالقة لذلك الإيمان والتديّن بنسبةٍ تتعدّى 99%. وهم جميعا سواء في الحقيقة مهما اختلف الدين.

2- القاسم المشترك بين كل تلك الأديان هو أن الأخلاق الإنسانية الحميدة هي الفضيلة الكبرى التي يحث عليها الدين، ولا يَسلم دين المرء ولا يصح بغيرها. وذلك يعني أنه لا فرق في الحقيقة بين المتدين التابع لأي دين وبين الإنسان اللاديني إلا في مستوى الأخلاق الحميدة لكلٍّ منهما.

3- غير المتديّن هو الأقرب لتطبيق مبادئ العدل والصدق والأمانة، والامتثال لتحقيق حقوق الإنسان واحترامها ورعايتها بأحسن صورةٍ ممكنةٍ تجاه الجميع، لأنه لا وجود لأيّ عوائق دينية يمكن أن تحول بينه وبين ذلك، بعكس المتديّن الذي يكون في أرقى حالاته مسيطرا على أقواله وأفعاله مع عدم قدرته على السيطرة على مشاعره وتعاطفه وميوله نحو إخوانه في الدين أكثر من الآخرين، ولا ريب في أنّ الاديان هي من أكثر العوامل الداعية للتفريق والتمزيق والصراعات بين الناس، والعاملة على خلق أجواء التوتر والتعصُّب والتطرّف والكراهية والبغضاء والعداوات.

4- غير المتدين هو الشخص الوحيد الذي يمكنه أنْ يستفيد من الحكمة المتفرّقة الموجودة في جميع الأديان، لأنه سيكون محايدا حقا ومتجرّدا بصدق في تعاطيه مع جميع الأديان، وهذا لا يمكن أنْ يتيسّر للمتدين قط مهما كان منفتحا على الآخرين ومحايدا، لأنّه لا بدّ أن ينحاز لدينه وإلا فلا دين له.

5- غير المتديّن هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يحتكم إلى العقل والمنطق والعلم والحقائق الثابتة دون تحريفٍ أو تزييفٍ أو معاندةٍ واستكبار، لأنه بغير قيود دينية تمنعه من ذلك، أما المتديّن فحدّث ولا حرج، والتاريخ والواقع أصدق الشاهدين.

6- لأن الخالق العظيم لا شك أنه يريد منا الارتقاء والعروج إليه بأخلاقنا ووعينا ووجداننا الروحي وأعمالنا الصالحات، ولا يحتاج إلينا في شيء، لأنه الغني عن العالمين، وهذه الحكمة التي لا خلاف حولها، لا يمكن تحقيقها على الوجه الأكمل إلا في حالة عدم وجود أي قيودٍ تكبِّل عقل الإنسان وقلبه وفطرته ومشاعره وأفكاره ووعيه عن تحقيق التزكية والترقية المطلوبة، ولا شكّ أنّ أيّ دينٍ يحتوي على بعض تلك القيود التي يصنعها أرباب الدين وينسبونها لله عبر تعاقب القرون.

7- لأن الله لم يخلق الإنسان ناقصا ومفتقرا للوسائل التي تهديه إلى تزكية نفسه والتطور والارتقاء، وأهم تلك الوسائل العقل والقلب والفطرة، ومن ضمن تلك الوسائل هدايات النبيين ووصاياهم، التي ينبغي الاستماع إليها بأذنٍ واعيةٍ للأخذ بأحسنها. وهذا الأمر لا يتسنى للمتدين غالبا، لأنه لا يستمع إلاّ لأقوال علمائه ونبيه هو فقط، فيما لا يعلم ماذا قال بقية النبيين والعلماء مما هو موجودٌ عند بقية الأديان. ولذلك فغير المتدين الصادق العادل الأمين هو الأقرب إلى الأخذ بالحكمة حيثما كانت.

وبناءً على كل ما سبق فلا شك أن الإنسان غير المتدين هو الأقرب إلى الله وإلى الحق من الإنسان المتدين عموما بغض النظر عن حقيقة وجود الله وطبيعته والحكمة من وجودنا .. وهذا هو رهاننا القائم على الحجة المنطقية.

#ذوالنونين

نشوان معجب | ناشط مجتمعي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى