مفكرون

نشوان معجب | ضُعف الحُجَّة والمنطق في بعض آيات القرآن: عند مطالعة القرآن فإننا نجد في بعض

ضُعف الحُجَّة والمنطق في بعض آيات القرآن:

عند مطالعة القرآن فإننا نجد في بعض المواضع منه حُجَّةً منطقيةً قويةً، كقوله: (قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة).
ولكننا نجد في مواضع كثيرةٍ أخرى حجةً ومنطقا ضعيفا ركيكا لا يليق بالله، وفيما يلي سأعرض عليكم أهم تلك المواضع من وجهة نظري على سبيل المثال لا الحصر:

1- في المحاججة التي جرت بين إبراهيم والنمرود، نجد أنَّ القرآن اعتبر رد إبراهيم الثاني دامغا لدرجة أنَّ النمرود بُهت ولم يستطعْ جوابا، إذ قال إبراهيم: (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب)، ولا يخفى على أجهل إنسانٍ متابعٍ لمجريات ذلك الحوار، أنه لا حجَّة لإبراهيم في قوله ذلك، لأنه كان من البديهي أن يَردَّ النمرود كما ردَّ حجَّة إبراهيم الأولى، فيقول: (بل أنا الذي أأتي بالشمس من المشرق فقل لربك يا إبراهيم أن يأتي بها من المغرب)، ولم يكن سيـبهت قط. ولكن هذا الحوار دليلٌ على ضعف المُتكلم بلسان القرآن وعدم إلمامه بفنون المحاججة والمنطق.

2- عندما أخبر موسى فرعون بأنه رسولٌ مبعوثٌ من الله لفرعون وقومه ولبني إسرائيل كي يهديهم ويرشدهم إلى الصراط المستقيم كما جاء في القرآن، ردَّ فرعون على موسى بحجةٍ منطقيةٍ دامغةٍ قائلاً: (فما بال القرون الأولى) .. أي فلماذا لم يبعث ربُّك يا موسى رسولا من قبلُ لهداية القرون الأولى، التي عاشت قبلنا تعبد ما نعبد نحن من الأباطيل والضلالات، أم أنَّ ربَّك لم يكن يعبأ بتلك الأقوام، أم تراه كان نَسيَّا ولم يَذكُرْ أنْ يتدخل لهداية الناس إلا الآن، فأرسلك بعد انقضاء تلك الأمم في الضلالة والكفر؟!.
وهنا لم يَرُدّ موسى بأيِّ ردٍّ منطقيٍّ مقبول، بل اكتفى بالقول: (عِلْمُها عند ربي في كتابٍ لا يضل ربي ولا ينسى).
وهذا ردٌّ لا يُفنِّد حجَّة فرعون ولا يردُّها، بل هو يُقِرُّ بقوَّة حجته ويُعلن عدم القدرة على الردِّ مُفوِّضا الأمر لله. ولو كان القرآن كلام الله وموسى رسول الله، فلا بُـدَّ أن يكون هناك ردٌّ منطقيٌّ بالغٌ من الله بلسان موسى لدفع شبهة فرعون وحجَّته القوية.

3- جاء في القرآن قوله: (فلما قَضى زيدٌ منها وطرا زوجناكها) .. لماذا؟: (لكي لا يكون على المؤمنين حَرَج في أزواج أدعيائهم).
وهذا التبرير لا يقبله العقل والمنطق والقلب ولا يُمكن أن يكون من عند الله أبدا، لأنه لو كان من عند الله فلا يمكن أنْ يُـبرِّر الله زواج الرسول من زينب بذلك المبرر الذي لا يقبله عاقلٌ قط، حيث أنَّ إزالة الحَرَج عن المؤمنين في أزواج أدعيائهم كان يستلزم تعليما وأمرا يُخبرهم أنه لا حَرجَ عليهم في أزواج أدعيائهم بعد اليوم، دون الحاجة لتقديم رسول الله كنموذجٍ يُطبِّق ذلك الأمر حتى يقتنعوا به، وذلك كما جرى في معظم التعاليم التي لم يَقُم رسول الله بتطبيقها بنفسه رغم أهميتها، وأمر الزواج بزوجة الولد المُتبنَّى ليس مهمَّـاً في الأصل، بل إنَّ عدم زواج الرجل بمُطلقة متبنَّاه هو الأقرب للفطرة والأدعى للحفاظ على المودة، كما أنه لا يجوز إنشاء علاقة الزواج بأيِّ دافعٍ وتبريرٍ غير دافع الحب وإشباع الرغبة نحو الطرف الآخر والتكافل والتكامل وإقامة الأسرة الصالحة، وكل دافعٍ غير ذلك هو باطل. وحاشا لله أنْ يكون هو مَن يُؤسس لذلك الباطل ثم يُـبرِّره بذلك التبرير الهزيل، ولو اكتفى القرآن بعدم التبرير فقال (ذلك أمر الله) لكان ذلك أقرب للعقل والمنطق من ذلك التبرير البعيد عن المنطق تماما، ولا شك عندي أنا بأن هذه القصة وهذه الآيات هي من تلفيق قريش وافترائهم على النبي الحكيم محمد لتشويه صورته.

4- في قصة موسى والعبد الصالح بسورة الكهف، عندما قتل العبد الصالح غلاما بغير نفسٍ واستنكر موسى عليه ذلك، نجد أنَّ العبد الصالح قدَّم التبرير لفعلته تلك بعد ذلك بقوله: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا).
وهذا التبرير يخالف كل المُسلَّمات المنطقية والإنسانية في جوانب كثيرة، منها ما يلي:
– قال العبد الصالح (فخشينا) ولم يقل (فعلمنا يقينا)، ولا يخفى على أيِّ عربيٍّ فصيحٍ أنَّ قوله (فخشينا) يحمل في طياته معاني الظنِّ والتخمين والترجيح بغير العلم القطعي، فهل يتم القطع في الحُكم بالظنِّ وخاصةً عند الحكم بالقتل؟!.
– ألم يكن الله يعلم مسبقا أنَّ هذا الغلام سيُرهق أبويه طغيانا وكفرا عندما يكبر؟! .. فلماذا خلقه ثم اضطُرَّ إلى أنْ يأمر العبد الصالح بقتله؟! .. ولماذا لم يقتله الله بنفسه بإهلاكه بأيِّ مرضٍ قاتلٍ أو بأيِّ حادثةٍ مفاجئةٍ دون الحاجة للجوء إلى العبد الصالح كي يقتله بيديه فيصبح في محلِّ الشبهة والإنكار كقاتلٍ مجرم؟!.
– ومَن هو العبد الصالح هذا حتى يحكم بالقتل وينفِّذ الحكم بيديه وهو ليس ذا سلطةٍ حاكمة؟! .. أليس في هذا التصرف دعوةٌ لتبرير إجرام الدواعش وكل الخارجين على السلطة باسم الله؟!.
– ما هي الحكمة والمعرفة والموعظة التي تعلَّمناها من تلك الحادثة البشعة ومن التبرير الإجرامي غير المنطقي الذي قدَّمه القرآن لها؟!.
– أليس الله هو الذي خلق الناس جميعا وهو يعلم أن كثيرا منهم سيرهقون الناس طغيانا وكفرا وظلما وفسادا كفرعون والنمرود وآل سعود مثلا .. ولكنه رغم ذلك منحهم الفرصة أن يكبروا ويعيشوا ويحكموا ويعيثوا في الأرض فسادا، حتى أن بعض المجرمين قتلوا آباءهم وأمهاتهم بعد أن أرهقوهم طغيانا وكفرا .. فلماذا فقط هذا الغلام أمر الله العبد الصالح بقتله؟! .. أليس هذا مخالفا لسنة الله وحكمته في خلقنا؟! .. ألا يدل ذلك كله على أنَّ هذه القصة هي خرافةٌ لا يمكن أن تكون من كلام الله ويستحيل أن يأمر الله بمثل تلك الجريمة؟!.

5- جاء في القرآن الردُّ بلسان الله على الذين كفروا بمحمدٍ ومطالبتهم له بأن يأتيهم بآياتٍ كما جاء الأنبياء السابقون بالقول: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ).
وفي هذا التبرير يغيب المنطق تماما، ولا نجده إلا تبريرا ركيكا مخالفا للعقل والمنطق، ويستحيل أنْ يصدُرَ عن الله، وذلك للأسباب التالية:
– ألم يكن الله يعلم مسبقا أنَّ الأولين سيُكذِّبون بالآيات؟ بلى، فلماذا أرسل لهم الآيات طالما أنه كان يعلم بأنهم سيكذبون بها، كما فعل مع محمدٍ ومكذِّبيه إذ قال إنه امتنع عن إرسال الآيات لأنه يعلم أنَّ الكافرين سيُكذِّبون بها كما كذب الأولون؟!، أم أنّ الله كان لا يعلم من قبل ثم تعلَّم مِن التجربة الأولى فامتلك الخبرة ولم يكرر الأمر (والعياذ بالله)؟!!.
– وماذا لو كذَّب الكافرون الأولون بالآيات؟ ما هي جريرة الآخرين كي يحرمهم الله ويمنع عنهم الآيات؟؟ لماذا لا يقيم عليهم الحجة بالآيات وهم بعد ذلك أحرارٌ في أن يُصدِّقوا بها أو يكذِّبوا كما تقضي سنة الله وكما يقضي العدل الربَّاني؟!.
– الكافرون الأولون كذبوا بالرسل وكذبوا بالبينات وكذبوا بالكتب أيضا كما يشهد القرآن بنفسه، فلماذا لم يمتنع الله عن إرسال الرسل والبينات والكتب كما امتنع عن إرسال الآيات بسبب تكذيب الأولين لها؟!.

6- في سورة النمل نجد أن القرآن عندما أراد الإشادة بجيش سليمان وبيان عظمته وقوته قال: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ…).
فنلاحظ أنّ الآيتين تتحدثان عن حشر الجنود لسليمان لإظهار عظمة جيشه وقوته، فإذا بالمتكلِّم يذهب للدلالة على ذلك بالقول: (حتى إذا أتوا على واد النمل…)، ودون وعيٍ يَنساق مع الخرافة وينجرُّ إليها كعادة المتكلِّمين الذين يحرصون على جلب الأنظار وسلب النهى بالحكايات الأسطورية، فنسي السياق والغرض من الآية، وهو الإشادة بجيش سليمان وبيان مدى عظمته وقوته، وانصرف لذكر قصة النمل مع سليمان، ثم اعتبر جيش سليمان خطرا كبيرا يتهدَّد النمل كي يتلافى الخروج عن سياق النص الأصلي ودلالته، فلم يكن هذا التلافي موفقا، لأنه لا قيمة لخوف النمل وخشيتها حتى من رجلٍ واحدٍ أعزل، ناهيك عن خوفها من جيش كبير، ولا يدلُّ خوفها على أيِّ عظمةٍ لجيش سليمان، بل ربما دلالته عكسية. فأين هو المنطق والعقل في هذا السياق وتلك القصة؟!.

7- إنَّ من أكثر الأوامر والتعليمات التي وردت في القرآن موجَّهةً للمؤمنين، هو أمر الإيمان بالغيب، والتركيز عليه في مواضع لا حصر لها مِن القرآن، مع الحث والترغيب على التحلِّي بذلك الأمر والتسليم به والركون إليه.
والإيمان بالغيب يعني الانقياد والتسليم لأيِّ أمرٍ منسوبٍ لله فيما يَخص الماضي أو الحاضر أو المستقبل مما لا يطَّلع عليه الإنسان في حينه، دون المطالبة بأيِّ دليلٍ علميٍّ أو بأيِّ حُجَّةٍ منطقيةٍ فلسفيةٍ مقنعة، لخلق مجاميع تابعةٍ لا تفقه شيئا، بل تسمع وتطيع وتنفِّذ الأوامر دون وعي، وهذا الأمر يُفقِد الإنسان إنسانيته العاقلة المُفكِّرة الواعية.
فهل كان الله عاجزا عن تقديم أيِّ دلائل وحجج ولو منطقية فلسفية للتدليل على أيِّ أمرٍ غيبيٍّ يريد إقراره، دون الحاجة للجوء إلى تقرير وجوب الإيمان بالغيب والالتزام به كركنٍ أساسيٍّ من أركان الإيمان، بما ينطوي عليه ذلك الأمر مِن كوارث ومفاسد ومخالفات للعقل والمنطق والعلم تؤدي لتكاسل الناس وتواكلهم وتخلُّفهم وركونهم إلى الخرافات والأوهام وعدم شحذ الهمم والأخذ بالعلم وأسبابه في البناء والتعمير؟!.

هذا وما سَكَتُّ عنه أكثر وأكبر.
والله ولينا ومولانا، وهو الحكم بيننا وبين من عادانا.
ودمتم بخيرٍ ومحبةٍ وـ///ــلام .. وتصبحون على خير ووعي وسعادة ❤️.

#ذوالنونين

نشوان معجب | ناشط مجتمعي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى