كتّاب

مجانية التعليم بين بناة الأوطان.. و”بتوع” فرشة الخضار:…


مجانية التعليم بين بناة الأوطان.. و”بتوع” فرشة الخضار:
كان التعليم زمن محمد على رغم أنه للقلة التى اختارها أعوان الباشا، مجانيا تماما وكان داخليا وتتحمل الدولة كافة نفقاته إقامة وطعام وأدوات وكسوة واستحمام وقص شعر وأظافر، بل ويتقاضى المتفوق مكافأة شهرية
وحاول على مبارك زمن الخديو اسماعيل صياغة لائحة رجب سنة 1868، لتوفير التعليم الأولى لجميع ابناء الوطن بصرف النظر عن قدراتهم المادية
وعندما راح طه حسين يتخذ رمزا للدعوة لمجانية التعليم فى مجتمع طبقى قاس، كان نصب عينيه اعتبارات عديدة
منها: فقر أسرته والذى جعله يعيش الأيام والأسابيع والشهور لا يأكل إلا العسل الأسود وحده، وعند أى أزمة تعجز فيها أسرته عند دفع جنيه واحد قيمة مصروفاته فى الجامعة الأهلية، كان سيصبح طه حسين مجرد قارئ للقرآن فى المقابر، كما كان يهدده أبوه، وكنا فقدنا تلك العبقرية الفذة
ومنها: خبرته بالنظم السياسىة والاجتماعية فى فرنسا وأوربا المتقدمة والتى كانت مجانية التعليم فيها شرطا أساسيا للنهضة والتقدم
ومنها: إيمانه العميق بأن الله عندما خلق البشر فإنه قد خلق لهم حظوظا متساوية من الثروة والحق فى الحياة الكريمة لولا النظم الاجتماعية الظالمة
ومنها:رؤيته للتعليم باعتباره أهم استثمار مضمون للمستقبل فالاستثمار فى البشر هو الشرط الأساسى لأى استثمار آخر، وأن الاستثمار فى التعليم هو أساس الديمقراطية والتقدم والنهضة والعقلانية
ومنها:رؤيته للإنفاق على التعليم باعتباره حق مطلق للفقراء فما تنفقه الدولة على التعليم تنفقه من حصيلة الثروة الوطنية التى للناس جميعا حق فيها
ومنها: أنه إذا كانت الحكومة ملزمة بإنفاق الدخل القومى على الصالح العمومى تبعا للأولويات التى تراها، فإن الإنفاق على التعليم هو أول أولويات ذلك الصالح العمومى
وفى سنة 1949 كتب “العشماوى باشا” وزير التعليم: “أى مجانية تعليم تلك التى يتحدث عنها طه حسين، لقد انفقت الدولة على التعليم عشرين مليونا من الجنيهات ولم تحصل من مصروفات الطلاب إلا نصف مليونا من الجنيهات” فكتب له طه حسين: “إلغ هذه المصروفات فتريح وتستريح وأكون اول من يصفق لك”
وفى أواخر نفس السنة زاره مصطفى النحاس باشا يطلب منه أن يكون وزيرا معه فى وزارة الوفد القادمة، فقال له طه حسين: أوافق، بشرط أن تكون مجانية التعليم الثانوى هى أول قرار أوقعه قبل أن أجلس على مقعد الوزير
وبعد القسم الذى يقسمه الوزراء لتولى مناصبهم قال له الملك: أهلا طه حسين رجل المتاعب، فأجابه: المتاعب يا مولاى لا تطلب لذاتها ولكن يجيئها الإنسان فى طريقه إلى الحق
كان هذا عهد وزمن الرجال وبناة الأوطان
وبعد ثورة يوليو ومع الاجراءات الاشتراكية تحققت مجانية التعليم العالى حتى الدكتوراة
كل ما سبق من مجانية التعليم هو الذى صاغ مصر وثقافتها وفكرها وفنونها
ولكننا الآن فى العهد الذى لا يفهم فيه حكامنا أو لا يعنيهم شيئا مما سبق، أو أن الأمر كله لايهمهم، ويقول لسان حالهم: كل الكلام اللى قلته ده مايكلش معانا
فقال فيه السيسى: مافيش حاجة ببلاش
وقال فيه الوزير: إللى مامعهوش مايلزموش
وضاعت مجانية التعليم التى صاغت مصر الحديثة.
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى