مفكرون

حافظ مطير | الحوثي والوطن:


……..

من خلال قراءتي لنشاءة وتحول وعمليات التحول للحركة الحوثية وأيديولوجياتها ومرجعياتها الفكرية أجد أنها لا تختلف عن أي جماعة متطرفة, بل إنها قد تكون أكثر عنصرية وأكثر استخفافا بالعقل البشري في بعض الأحيان.
لذا نجدها لا تؤمن بممارسة العمل المدني ولا يمكن أن تجنح للسلم لأنها تعرف انكشافها الحقيقي في حال انخرطت في العمل المدني والسلمي وتحولت إلى حاله سياسيه وذلك لبعد مشروعها عن الجانب الوطني وانحصاره في الجانب الفئوي التقليدي.
كما إنه من الواجب على الجميع مناهضة كل ما تمارسه الجماعة الحوثية حتى يتم تحويله إلى مشروع سلمي ذو طابع وطني عصري وذلك لما سيترتب عليه من إشكاليات على المستوى الوطني والاجتماعي والتي أهمها:

1- الحوثي والهوية الوطنية.(هوية الدولة اليمنية):

إن هوية الدولة اليمنية هوية تاريخية أخذت طابعها من التراكم التاريخي والبعد الجغرافي للحضارات اليمنية العريقة تاريخيا وثقافياً واجتماعيا وسياسياً والتي أودعت في روح اليمنيين حب الموطن وعزة الانتماء إلى تلك الجذور المتأصلة في المجد الحضاري الذي بدوره يعمل على أحياء الروح الوطنية في أعماق الفرد اليمني واستدعاء هويته التاريخية وغرس قيمها ومفاهيمها والعمل على ترتيبها بصيغة عصرية لتسهم في بناء الذات اليمنية ودولتها العصرية. والذي تحس الجماعات الفئوية إن بتنامي الحس والفكر الوطني لا يمكن القبول بمشاريعها الفئوية في الأوساط المجتمعية لذا فإن أول عمل ستقوم هو ضرب الهوية الوطنية واستبدالها بهويتها الفئوية حتى يصبح أتباعها وهوية الدولة والهوية الوطنية جزء من هويتها الفئوية. بل إنها ستعمل على طمس كل دليل حضاري يرتبط بالهوية والوطنية ذات الطابع التاريخي للحضارة اليمنية حتى تتوغل في الأوساط المجتمعية ومن ثم تحويل المجتمع إلى قطيع للحاكم إن لم تكون عبودية مطلقة تحت وطئة استبداد مقدس.

2- الحوثي ولافتته الفئوية:

قد يكون ما حققه الحوثي من انتشار واسع في معظم أرجاء الوطن بمثابة نذير شؤم وإن كان البعض مندهش من استغلاله لخروج الشارع اليمني تحت وطئة معاناتهم وإسقاطه للجرعة السعرية وسيطرة ميلشياته على العاصمة صنعاء بعد أن سقطت العديد من المؤسسات العسكرية والأمنية وبعد أن قام بضرب وأسقاط أكبر قوى ومراكز النفوذ في البلاد التي كانت تشكل عقبة عصية أمام بناء الدولة وأمام مراكز اتخاذ القرار.
قد يظن البعض إنه قام بعمل وطني. لكن ما قام به ليس إلا نذير شؤم كما ذكرت سابقا لغياب الغطاء الوطني للحوثي وبروز لافتته الفئوية ذات البعد التعصبي الطائفي والسلالي وهذا بحد ذاته قد يمهد لحرب أهلية ذات بعد طائفي؛ وما حققه ليس انتصار للشعب بل انتقاما لعصبيته الفئوية الذي يرى من خلالها إنه صاحب الحق المقدس هو وأتباعه وما سواهم لا يستحقون البقاء والحياة.
وكذلك النظرة من الأطراف النقيضة للحوثي التي لا ترى منه إلا غاصب وحاقد ومنتقم بل إنها ترى وجوب مقاتلته وإباحة دمه باعتباره عدو ديني وفكري يتوجب جهاده.
وهذا بدوره يجعل من اليمن ساحة حرب طائفية بين الحوثيين وأضدادهم, وذلك باعتبار وتوهم كل طرف بأنه صاحب الحق الإلهي وما سواه كافر يجب إراقة دمه.
وذلك كله عكس اللافتة والغطاء الوطني الذي يحس الجميع حقيقة الانتماء إلى وطن واحد مع القبول بالأخر مهما أختلف معه بالانتماء أو التوجه أو الدين, لأن كل طرف يحس إن هناك هوية مشتركة أعلاء تجمعهم وتجبرهم على العمل والتعايش تحت لافتة الوطن وليس اللافتة الفئوية الضيقة.

3- الحوثي ومنظوره للدولة:

أن أكثر ما يثير المخاوف والتوجسات نظرة الحوثي الحاقدة للدولة ومؤسساتها بل إن نظرته لها نظرة عدائية استهجانية وعلى إن جماعته وميليشياته أرفع قدر من سلطة الدولة وأكثر قيمة من مؤسساتها, لذا تجده لا يؤمن بها ويعمل على ظربها وتحويله إلى غنيمة وتقديم جماعته وميليشياته كبديل لها. وهذا السلوك سيعمل تدمير الوطن وتمزيقه إلى مساحات جغرافية معتمدة على الهويات العرقية والطائفية تحتوى على نمط فكري وثقافي وعرقي واحد دون السماح للتعدد الفكري والتنوع البشري في المربع الواحد.
وما يجعل الجميع أكثر تخوفا هو استمرار الحوثي بتدمير مؤسسات الدولة وتفكيكها مستغلاً لضعفها وفرض ميلشياته كبديل للدولة ومؤسساتها وبهذا قد يولد مقاومة مضادة من الأطراف المضادة له ويدفعهم إلى تشكيل دويلات ذات بعد فئوي متقزم كما ذكرت سابقاً حتى تتمزق الدولة الوطنية إلى دويلات فئوية.
إذ أن الدولة الوطنية ومؤسساتها تعتبر بمثابة الأم الحاضنة لكل أبناء الشعب بكل توجهاتهم السياسية واختلافاتهم الفكرية والعرقية والعقائدية.

4- الحوثي والوطن:

قد يكون العنوان ذكر كعنوان رئيسي لهذا التصور المجمل في العديد من النقاط المتفرعة من العنوان الرئيسي واضيف هذا العنوان كأحد النقاط الفرعية. إذ أن العنوان الفرعي يفسر لحمة ووحدة الدولة الوطنية ومنظور الحوثي لها.
فما نلمسه من الحوثي بأنه لا يهمه بناء دولة وطنية ذات توجهات متعددة دينياً وثقافيا وفكريا وسياسياً تنطلق من الهوية التاريخية اليمنية؛ كما إنه لا الحفاظ على وحدة الأرض والإنسان والتاريخ بقدر ما يهمه إقامة دولة ذات بعد فكري وسلالي وطائفي واحد في أصغر مربع دون أن يلقي بالاً بتفكك الدولة وتشظيها ودون أي قبول بالتعدد والتداخل الفكري والمجتمعي. وهذا يهدد بتفكك الدولة الوطنية ووحدتها وتمزيق النسيج الاجتماعي وبروز الحروب الأهلية والفرز الطائفي.
ولكل الأسباب السابقة فإنه يتوجب على كل الوطنيين إعادة هيبة الدولة وبعث الحياة في أعماقها والعمل على إنشاء كيان وطني يتبنى مشروع الدولة وكذلك العمل على تصحيح العقيدة الوطنية وغرس قيمها ومفاهيمها في الوسط المجتمعي ورفض ومناهضة أي مشروع فئوي وكل ما يهدد السلم والترابط المجتمعي وركائز الدولة والوطنية وقيامها.
……………………..
كتابات/ حافظ مطير
7 أكتوبر 2014م
……………………….

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى