كتّاب

رواية سلوى بكر الأخيرة: أفيال سوداء بأحذية بيضاء…


رواية سلوى بكر الأخيرة: أفيال سوداء بأحذية بيضاء
مرثية زمن أحلام الحرية والسعادة
شهدت بلادنا على مدى الستين عاما التى مضت تحولا وتغييرات درامية، هبطت بناس كانوا سعداء ومستورين إلى الحضيض، وارتفعت بحثالات إلى قمة المجتمع، وتغيرت القيم التى عاشت فى ظلها مصر قرونا تغيرات هائلة، وعرفنا أنماط من التدين والسلوك والثقافة غريبة عنا، ومع هذا توطنت وسادت
وقد كان الجيل الذى بلغ اليوم السبعين والستين عاما من عمره شاهد عيان على هذه التغيرات الحادة: من نظام سياسى وطنى معاد للغرب ويضع قضية الصراع مع الصهيونية على رأس أولوياته، إلى نظام موال للغرب ويصادق الصهاينة ويستقبلهم، ومن مشروع استقلال اقتصادى وتنمية وتخطيط مركزى إلى انفتاح “سداح مداح” ورأسمالية فاسدة بلا معايير ولا قانون، ومن هزيمة ونكسة مريرة وأليمة إلى انتصار كبير تمت التضحية بثمارة على مذبح السلام مع إسرائيل، ومن إسلام سلوكى وسطى محبوب إلى تطرف دينى عدوانى وإرهابى أيضا، ومن زمن أم كلثوم وعبد الوهاب إلى زمن حمو بيكا
وعلى الرغم من أن هناك قاعدة غير علمية تطالب الكُتاب بالتريث عند الكتابة عن الأحداث التى يعاصرونها إلا أن هناك العديد من الأدباء الذين لم يمتثلوا لتلك القاعدة وكتبوا عن الزمن الذى عاشوه فقد كتب صنع الله ابراهيم روايته “ذات” وكتب علاء الأسوانى “عمارة يعقوبيان” وكتب جلال الشايب”عناق على كوبرى قصر النيل”، وكتب علاء فرغلى روايته الممنوعة “ممر بهلر” وكتبت ضحى عاصى “صباح 19 أغسطس” وكتب صبحى موسى “نادى المحبين” وغيرهم عشرات
ولأن سلوى بكر فى روايتها تسعى لشرح قضية ثقافية مؤرقة ومصيرية فإنها اتبعت أسلوبا بسيطا فى الحكى هو أسلوب الراوى العليم، ولم تلجأ لحيل رمزية أو رسائل مشفرة أو أصوات متعددة
ومن هنا تقص علينا سلوى بكر روايتها فى حكاية بطلتها “عفت” التى نشأت فى حى “الزيتون” التاريخى الجميل والذى شهدت احدى كنائسه ظهور السيدة العذراء والتى وجد فيها النظام سلوى للمحبطين من هزيمة 67، وفى ساحة الكنيسة وانتظار التجلى، تتعرف الفتاه على حسام زميلها فى كلية الهندسة والذى كان قد انقذها ذات مظاهرة من بين براثن جنود الأمن المركزى وتربطهما قصة حب عاصف معجون بأحلام الوعى والثورة وتحرير الأرض وأغانى الشيخ إمام وأشعار حكمت وايلوار ودنقل ودرويش، ويتزوجا زواجا بسيطا لا يعكر صفوه إلا مشكلة غياب عذرية عفت التى يجزم الطبيب أنها أمر عادى ومألوف، وفى نبوءه تؤكد استحالة التصالح بين ثقافة الإرهاب القادمة من الصحراء وثقافتنا المتحضرة والإنسانية يتضح أن حسام رغم حيويته عاجز عن الإنجاب، وعلى خلفية التغييرات السياسية الحادة وزيارة السادات لإسرائيل والتغييرات الديمجرافية وأنماط الاستهلاك الدخيلة، والدعاة الجدد المفتوحة أمامهم كل وسائل الإعلام والشوارع ومنابر المساجد، ورأس المال النفطى يربى حسام لحيته ويطالب عفت بتغطية صدرها الهزيل وشعرها وصولا إلى دعوتها للإنتقاب وترك العمل، فترفض عفت وتخرج من منزلها وحيدة وتصر على التمسك بشخصيتها التى أحبتها وسعيها لتحقيق أحلامها…
يسعد أوقاتكم


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى