كتّابمفكرون

“هذا ما فعله الشيوخ بنا”…


“هذا ما فعله الشيوخ بنا”
استعان السادات بالدين ليعوّض شعبيّة مفتقدة، بعد الشعبيّة الكاسحة لعبد الناصر، أدخل الدين في الدستور، وأفرج عن مجرمي الإخوان، وأطلق أيادي الإسلاميين لينتشروا في الأرض، ويسيطروا علي كل شؤون الحياة، فتاهت الحدود بين الدين والسياسة, وأصبح الغالب أن يتستر السياسيّون بالدين، ويستغل الدينيّون السياسة، الي أن أصبحت لهم الكلمة العليا في المجتمع، وفي إدارة شؤون الحياة.

تغير وجه المجتمع، وتراجعت النهضة الفكرية التي سادت قبل السبعينيات، وأصبح الشيوخ أكثر تأثيرا من طه حسين وعباس العقّاد وتوفيق الحكيم الذين بارت كتبهم، وأصبحت تسجيلات الشيوخ وخطبهم هي التي تلقي رواجا، وهي المصدر الرئيسي للمعرفة، ليست معرفة بالمعني المفهوم، ولكنها حزمة من التلقينات يتم إخراجها بشكل درامي، هي الأسهل في التلقي، حيث لا تحتاج الي مجهود القراءة والفهم وإعمال العقل.

إستخدم الشيوخ كل أسلحتهم وأهمها الجهل وتدني التعليم، في فرض مزيد من السيطرة علي المجتمع، ليبقي علي هذه الحال، حتي توهم الكثير من البسطاء أو ضعيفي العقول والثقة في النفس، أنه يحتاج رأي الشيخ في كل حركة وسكنة ومعاملة، فلقد لقنوهم أن الحياة نقيضين لا ثالث لهما، وهما الحلال والحرام، وعليه أن يخضع كل أموره الي هذا المقياس، الذي لن يجده سوي عند الشيوخ، وأصبح لا طريق لديه الّا أن يتّبع رأيهم، أو فطريقه سيكون الي الجحيم، وقد أغفلوا رحمة الله وغفرانه، وتعقد الطبيعة الإنسانية، ما نتج عنه تدنيا فكريا وثقافيا شديدا وخاصة في الطبقة المتوسطة التي ينهض علي أكتافها أي مجتمع؟

توسعت تجارة الشيوخ وازدهرت وأثروا ثراءا باذخا، بإزدياد أعداد تابعيهم، وبالدعم المالي القادم من دول الخليج، هذا الخليج الذي عاش يتطلع ليوم تسقط فيه مصر التي تهدد أنظمتهم كما فهموا وأفهمهم الغرب، الذي يقف خلف وأمام إسرائيل.

أمعن الشيوخ في فرض وصايتهم، وكانت فرصة ثمينة للتيارات الدينة الباحثة عن الحكم، والمدعومة من نفس الجهات لأن يستغلّوا هذا المناخ المؤهل، وعندما تعارضت أهدافهم مع أنظمة الحكم المسيطرة تحولوا الي الإرهاب، وفرض السيطرة بالسلاح.

فئة أخري، ليست بالقليلة، وجدت في هذا الصراع والفراغ الفكري المنتشر مناخا جيدا للإستفادة والتكسب، ومع سوء الحالة الإقتصادية، إنتشر الفساد بشكل يتجاوز المرض، إنتشر الفساد رأسيا وأفقيا حتي طال كل أركان المجتمع ومؤسساته، وصار طبيعيا أن يقطع الموظف المرتشي عمله لأداء الصلاة، وأن تجد طبيبا يتاجر في الأعضاء البشرية وهو صائم، وأن يبني الفاسد الكبير مسجدا لتقام به الصلوات.

إن ما نشهده من مظاهر التدني وسوء الأداء والفشل والفساد، هو نتيجة حتمية لما يشهده المجتمع من إنحسار القيم الإنسانية الرفيعة واستبدالها بقيم الحرام والحلال, وإنخفاض الثقافة، وتدني الحالة الفكرية للعقل الجمعي، منذ إخترق الشيوخ حياتنا.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى