كتّاب

فى قصيدة هز القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف، أول قصيدة تحدثنا…


فى قصيدة هز القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف، أول قصيدة تحدثنا عن الفلاح المصرى باستفاضة، نجده يحكى لنا أن شيخ الكتاب لم يكن ينال التقدير من الفلاحين، لأنه كثير القعود مع النساء والأطفال، مع أننا نعلم أن المحروسة فى العهد المملوكى والعثمانى كان يحكمها حوالى 5 آلاف أزهرى، ونكتشف أن الفاشل فيهم يعود إلى قريته ويفتح كتاب، أو على أيامى سائق جرار زراعى، أو فلاح، وهؤاء الفشلة لهم لغة خاصة بهم باعتبارهم ارقى من الفلاح العادى الذى لم يزور البندر مثلهم خصوصا وأنهم تمتعوا بنسوان البندر الطرية ولهم مغامرات نسائية صادقة أو كاذبة تبرر فشلهم،
أما عن سبب إلتحاقهم بالأزهر من الأساس، فبسبب أن الفلاح لم يكن من حقه الإقامة فى العاصمة، ويأخذ ورقة عليها ميعاد دخوله وخروجه، إلا لو كان من طلبة الأزهر فهو يسكن الجامع وله نصيب معلوم من الأكل أو جراية من الدولة.
الناجح فى الأزهر أمامه الإختيار بعد أن يأخد ” الإجازة” من شيخه، إما أن يصبح شيخ عامود وله تلاميذ، وأما يعود لقريته وهو محاط بتبجيل يشبه التقديس من الفلاحين، ويكون موظفا فى وزارة الأوقاف مثل الشيخ محمود شومان فى قريتى الذى كان موضع إحترام الجميع، وأصبح وكيل وزارة الأوقاف.
الحالة الثالثة أن يحصل على العالمية ويعود لقريته وكأنه حاصل على أعلى المؤهلات الكونية ومصدر فخار لأهله، وتلك الشهادة لم يحصل عليها فى مركز العياط سوى إثنين، الشيخ فراج عبد المحسن من العياط، والشيخ كامل أبو عبد المولى من اللشت، وكان لهما تقدير لمسته ينفسى فى آخر أيامهما، ويصبح مهيأ لأن يصبح قاضى شرعى بشرط أن يتم نقله من قريته، وهاهو والد أمل يحصل عليها بكل ماتحمله فى طياتها من تقدير وتقديس، .
كان أمل دنقل ملازما لأبيه باعتباره الإبن البكرى والخليفة المحتمل، وبالطبع الكل يقبل على يدى سيدنا الشيخ وسيدنا الشيخ الصغير فى إحترام مغلف بالقداسة، فهذا هو رجل الله الذى يعلم مالاتعلمون، وأمل بدوره يفتش فى كتب أبيه وأشعاره وينهل منها ماشاء، وفجأة يتوفى الوالد فى حادث وأمل مازال طفلا فى العاشرة، وفجأة ينهار التقدير ويفقد الطفل سطوته باعتباره البركة ابن البركة، فماهو إلا طفل يتيم يعيش مع طفلان أصغر منه وأرملة صغيرة السن تحتاج لمن يدير أمورها.
يكمل الطفل مسيرة الأب بكل صرامة فيحفظ القرآن ويؤم المصلين ويلقى الخطب، ولكنه وحده يعلم أنه لاشئ بدون دعم الأب، حتى الشعر الذى يكتبه يتهمه التلاميذ بأنه مسروق من أشعار الأب، فيضطر إلى هجائهم بالشعر حتى يثبت نفسه كشاعر، ولكن الحياة صارت غير الحياه ……….
قلنا أن مفتاح شخصية نجيب سرور هى إهانة والده بالضرب بالحذاء أمامه، وهنا مفتاح شخصية أمل دنقل هو سحب الإحترام الذى كان يحظى به بدون مجهود فى حياة والده، وهو ماشكل هاجس الإحترام والهيبة والكرامة والعزة فى أعلى تجلياتها عند الطفل الذى أصبح مهووس يالإحترام المسسلوب منه.
ننشر مع المقال صورة وتعليق توضح مانريد، أمل فى سن المراهقة فى معسكر إعداد قادة تابع للدولة، ويجد نفسه يسلم على اللواء المحافظ شخصيا، بل ويداعبه المحافظ كما يبدو فى الصورة فيسحب يده ناحيته، فيبتسم الطفل فى لطف يليق به، ويقرر أن ينشر صورته مع ذلك المسئول الكبير، ولكنه يظهر فيها منحنى وهو الذى لم يتعلم الإنحناء، فيتبع الصورة بوصف لها حتى ينفى عن نفسه تلك التهمة قائلا:
” اللي في الصورة دي اسمه اللواء محمود طلعت، لست أدري لم ارتبكت في هذه الصورة فقد شدني المحافظ من يدي ولم اتوقع أخذ صورة، ثم أنني كنت خالعا ملابس التمثيل للتو فلم استطع إصلاح هندامي”..

هذا هو مفتاح شخصية أمل الأول، الكرامة، ولو أضفنا للكرامة “الحدة” التى يتصرف بها الصعيدى لوجدناه شخصا صعب المعاشرة، رغم أنه نبيل وحزين فى الأعماق، إلا إنه يمتهن مهنة الشعر وهى فى خيال العامة مهنة لضعفاء الرجال اللاهثين وراء النسوة، فليرحل إذن مع الأبنودى ويحى الطاهر عبد الله إلى العاصمة.
والواقع أن أمل لم يكن من أبناء الريف، فهو مع الوالد دائما فى عاصمة المحافظة، هو فقط إنتقل من محافظة صغيرة إلى عاصمة كبيرة لم ينبهر بها مع أنه لا يحمل إحتراما لأخلاق الريف، فكل مجتمع له خطاياه وفضائله، ولكن المصيبة الكبرى أن القاهرة بلا قمر، فكيف يظهر القمر وسط هذه الأضواء والملوثات، لقد قتلوا القمر:

وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل المدينة،
(( قُتِل القمـــر ))!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري:
-(( كان قديساً، لماذا يقتلونه؟))
وتقول جارتنا الصبية:
– (( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه؟
هل شاهدوه عند نافذتي _ قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى