كتّاب

مروان الغفوري | مناوب أون كول، الليلة. صحيت من ساعة ع تلفون من طبيب العناية


مناوب أون كول، الليلة. صحيت من ساعة ع تلفون من طبيب العناية المركزة. شابة في ال ٤٢ من عمرها مصابة بكوفيد ١٩ (كورونا) دخلت في اضطرابات نبض بطينية (عمليا توقف في وظائف القلب) بسبب التهاب شديد في عضلة القلب (واحدة من أسوأ أعمال الفيروس). تمكن الطبيب من إنعاشها. ناقشنا الخطوات التالية لوضعها في حالة استقرار.
دخلت على الرسائل، لأني إذا صحيت من النوم ما بعرفش انام مرة ثانية. أجبت عن عدد كبير من الرسائل، اعتذر للآخرين. أغلب الرسائل عن الموت: موت قاض في عدن، موت مهمشة في تعز، موت شقيقين في صنعاء، موت مساعد طبيب في صنعاء، إلخ.

اخترت رسالتين، لأنهما تعطيان صورة قريبة عن ما الذي سيحدث في الأيام القادمة:

قالت رسالة من شابة من قرية في المحويت:
الـ///ــلام عليكم يا دكتور
الحالة الذي عندنا هو أسعف أحد أقاربة إلى مستشفى الكويت ونزل في 15 رمضان، يعنى بعد مده يظهر المرض. المشكلة نزل من صنعاء ومعه ناس في باص القرية الذي يطلع يوميا صنعاء ويجيب الخضروات والفواكه للقرية والمسافرين الكل مشتبه فيه حتى سائق الباص نزلت بالأمس لجنة من صنعاء تدور عليه ونحن مرعوبين ربنا يستر.

رسالة ثانية من صنعاء من أحد مزودي الصحة هناك (مشفوعة بصورة المتوفي وبياناته الشخصية):

"خواتم مباركة دكتور مروان
القصة باختصار
زميل لنا مساعد طبيب يسكن العاصمة صنعاء
قبل 5 أيام بدأت عنده كحه ثم حمى استخدم سيفترايكسون مع بانادول وشراب للكحة
رابع يوم (الأحد) حس بضيق تنفس تم توفير دبة أكسجين له.
خامس يوم صباح الإثنين 18/ 5 الساعة 10 صباحا ابنته تتصل بأحد الزملاء (عمو بابا تعبان جدا جدا تعال اسعفه)
وفعلا راح زميلنا للبيت واخذه بسيارته يوديه المستشفى وهنا كانت الطامة الكبرى.

تصدق لم توافق أي مستشفى حكومي أو خاص على استقبال الحالة من 10 ونصف الصباح إلى 6 المغرب حتى فاضت روح زميلنا الطاهرة الى خالقها
داخل السيارة أمام بوابة مستشفى الثورة بعدها تم التحفظ على الجثة..
رحمة الله تغشاه"

__

الكلمات لم تعد قادرة على الإحاطة بالكارثة. قبل شهرين كتبت عن وصول الوباء إلى اليمن، وقدمت بيانات ومعلومات، وطرحت مناشدة عاجلة لإعلان حالة طوارئ، قلت إنها مناشدة أنقلها على لسان عشرات الأطباء في العاصمة، افعلوا شيئا. سخر عدد من الإعلاميين والناشطين والناشطات مما كتبته. ثم وصلوا إلى الحقيقة بعد أن وصل إليها الفلاحون والباعة المتجولون ونزلاء اللوكندات. يا له من مثال للتنوير الرث ولفقر الخيال!

يتعلق الأمر بالحياة والموت. كنت أتمنى أن لو ما كتبته سيثير حملة ضغط لعمل شيء جماعي، أو حملة تنوير عن خطورة الأمر. لم يحدث شيء. هزوا الأكتاف، جميعهم. حتى الليلة هذه تعرضت لسباب في صفحتي لأني نقلت مصيبة عائلة.

لاحظوا، هناك نموذجان ملهمان لاستيعاب الوباء وهزيمته:
فيتنام ونيوزيلاندا.
الأولى بلد فقير، قامت السلطات فيها بإعلان حالة الطوارئ منتصف يناير الماضي بعد تسجيل أول حالة. ثم شددت الحراسة على كل المنافذ. الآن تتخلص بصورة شاملة من الوباء. فيتنام بلد فقير من تسعين مليون نسمة. لم يناشد أحدا، ولا يوجد لديه إعلاميون وناشطون من النوع الرث الذي لدينا، ولا عشرات السلطات الحمقاء. اتخذ البلد سياسة تتفق مع فقره. ومن خلال سلطة مركزية متنورة ومحاطة بعلماء وبائيات محترمين نجت البلاد بملايينها التسعين.

الثانية نيوزيلاندا.. التي أعلنت حالة طوارئ بعد تسجيل الحالة رقم ١٧. الآن تعلن، رسميا، سيطرتها على الفيروس. وتقول رئيسة الوزراء بغرور: لقد فعلناها.

الدولتان اتخذتا الإجراء نفسه. سبق أن أخبرتكم أنه في حالة وباء كورونا فإن ال high -tech
و no- tech
أي التقانة العالية واللاتقانة يمكن أن تقوما بالعمل نفسه. في النهاية كما قلت سابقا، هي منازلة في قاع المجتمع وعلى المستوى الفردي.

ـ///ــلامات عليكم وعلى من تحبون

ولنستعد لفقد من نحبهم.

ملحوظة:
مفيش حاجة اسمها إبرة الرحمة. بحق الله، بحق الجحيم، بحق الهبل: لا توجد إبرة رحمة ولا أناس يقتلون الآخرين بالحقن. الحوثيون يقتلون الناس من خلال إخفاء الحقيقة. ما جعلكم تصدقون أن كل شيء على ما يرام، فخرجتم من منازلكم ومتم. هكذا قتلكم الحوثيون، بأن جعلوكم تسقطون في الفخ، لا عن طريق الإبر. افهموا ولو مرة واحدة طبيعة الكارثة التي تأخذكم شمالا ويمينا منذ أعوام طوال.
لمرة واحدة افهموا وستصلي عليكم الملائكة إلى الأبد.

م.غ.

مروان الغفوري | كاتب يمني

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى