الأقيال

في سيكولوجيا فساد المنح الدراسيه والفسادالعام في اليمن :…


في سيكولوجيا فساد المنح الدراسيه والفسادالعام في اليمن : مسؤوليةُ السارق فقط أم المسروق أيضاً…؟!
( 1)

مـصـطـفۍ مـحـمـود

مقدمة ضرورية لتسليط الضوء على سيكولوجيا الفساد نزوعياً لدى الأشخاص السارقين وبنيوياً لدى المؤسسات السارقة. إلا أن ما يحدث اليوم في اليمن من ردت فعل شعبي عن فساد المنح الدراسيه والصمت عن فساد المليشيا الحوثيه التي تختلس تريليونات الريالات أو مئات ملايين الدولارات علنياً وبالوثائق والأدلة المتضامنة) دون رد فعل مجتمعي مضاد، بل خدر وفتور واكتئاب جماعي، إنما يستدعي البحث في سيكولوجيا المسروقين أيضأً.

فلا جديد عندما أقول أن المنظومة الحاكمة في اليمن تم تشييدها وفق مبدأ أساسي هو الافلات من العقاب، إذ يتواطأ الجميع فيها مع الجميع لحماية القتلة وسراق المال العام وأمراء سلطات الامر الواقع الرثة. فالعدالة ليست أكثر من اجراءات ورقية شكلية لا قيمة موضوعية لها، تنتهي بعد كل تحقيق الى نهايات سائبة ومنسية. لكن ما أود اضافته هو: الى أي حد يمكن القول أن فئات واسعة من المجتمع المسروق باتت متهمة أيضاً بالتواطؤ “ضمنياً” أو التخاذل بما يسهم في إفلات المنظومة من العقاب، بل حتى إفلاتها من بديهيات المساءلة؟ لكن في قضايا فساد معينه لدۍ الشرعيه يمارسون الاحتاج والاعتراض. وبعبارة، هل الفساد يصنعه الأشرار المنتفعون حصراً ليقع فيه الأخيار المتضررون؟ أم إنه نتاج سلوكي جدلي متعدد المستويات تتسع مسؤوليته لتصل إلى ضحاياه الذين لا يفعلون شيئاً لمقاومته سوى ممارسة دفاعات نفسية إيهامية ذات طابع تخديري للذات المستلبة؟ وكما يقول “البرت اينشتاين”: “العالم مكان خطير للعيش، ليس بسبب أن الناس طبيعتهم هي الشر، ولكن بسبب أن الناس لا يفعلون أي شيء لردعه”.

ففي الوقت الذي تقوم فيه فئات مجتمعية بممارسة الاحتجاج بكل أنواعه منذ سنوات في اليمن ضد الفساد وسياسات الهوية (المحاصصة)، ومنها احتجاج الاقيال المستميت، فإن هناك فئات أساسية أخرى تمارس الإنكار والتجاهل والعدمية والاختباء النفسي والاستهزاء السياسي العاجز، وتنتظر حلولاً “قدرية” تصنعها قوى أخرى بديلة عنها.
هذا التواطؤ الضمني بين السارق والمسروق ليس خطيئة أخلاقية قصدية، بل هو نسق نفسي سياسي جرى تشييده تباعاً على مدى عقود تراكمية من الاستبداد والإذلال، له محركاته المستقاة من الوعي الزائف والإحباط العميق وفقدان الأمل ونزعة التسليم “المريحة” لدى الناس،

«وهنا ننتقل الي تشخيص الفساد» بشكل عام والفساد في اليمن بشكل خاص» نبدأ بالسؤال الاتي

هل الفساد جزء متأصل في الطبيعة النفسية للبشر، يشتد أو ينخفض بحسب المحددات القوانينية الضابطة له؟ أم الفساد تطبّع أملته الأنظمة السياسية والاجتماعية التي حكمت البشرية عبر التاريخ؟ ومن هم المسؤولون حقاً عن انتشار الفساد وتحصينه في الدول الفاشلة؟ الفاسدون أنفسهم ومنظوماتهم فقط أم ضحاياه المستسلمون أيضاً؟

وإذا كان الفساد – بمعناه المؤسساتي الشامل- هو سوء استخدام السلطة العامة لتحقيق منافع شخصية شرطها الأساسي إزالة أو سلب حقوق الآخرين، فمتى وكيف يتحول من كونه سلوكاً شاذاً إلى أعراف وتقاليد “مقبولة” أقرب ما تكون إلى القانون الاجتماعي، لتتغلغل في كل مجالات الحياة العامة: السياسية والإدارية والاقتصادية والقضائية والدينية والإعلامية والتعليمية والرياضية والطبية، وغيرها؟

إن أسئلة الفساد هذه تحيلنا مباشرة إلى جملة قضايا غير محسومة لا في علم النفس ولا في عموم العلوم الاجتماعية، حول مسألة الخير والشر عند الإنسان، الفضيلة والرذيلة، والأنانية والإيثار، وما إذا كانت دوافع التملك والاقتناء والحيازة والإثراء والسلطة هي دوافع أولية لا فكاك منها أم هي مكتسبة قابلة للمعالجة دوماً ضمن السياقات البنيوية للمجتمع والحضارة. وكل ذلك يرتبط بالجدال غير المحدود عن مدى عقلانية الإنسان أو لا عقلانيته.

وبإيجاز شديد، يوجد توجهان بحثيان رئيسان بهذا الشأن. يعزو أولهما الفساد إلى أسباب أخلاقية تتعلق بسلوك الأشخاص ونزعاتهم النفسية (أشخاص سيئون مقابل أشخاص جيدين). ويعزو ثانيهما الفساد إلى بنى سياسية واقتصادية وثقافية تزج الناس في مواقف فاسدة لينتجوا سلوكاً فاسداً بصرف النظر عن وعيهم وإرادتهم، بما يجعل من غير الفاسد فاسداً في نهاية الأمر (الفسادُ يُفسدُ)، حتى أصبح لدينا اليوم ما يمكن تسميته بـ”الموظف أو المواطن الفاسد رغم نزاهته”. وهكذا نرى باحثين يتحدثون عن مؤسسات/ سياقات/ بنى فاسدة، فيما آخرون يتحدثون عن مؤسسات لأشخاص فاسدين.

ويُلاحظ أن مجمل التنظيرات والدراسات النفسية الباحثة في أسباب الفساد تتجه إلى الفاسدين أنفسهم (المؤسسات والأشخاص)، فيما تمنح اهتماماً بحثياً قليلاً جداً لدور الجمهور المتضرر من الفساد (أي الجمهور المسروق)، في الحد منه بل دوره في تثبيته وتجذيره أحياناً.
فنجد أن جزءاً أساسياً من تلك التنظيرات يتجه توجهاً نزوعياً للبحث في خصائص الشخصية التي تجعل بعض الناس أكثر انزلاقاً نحو ممارسة الفساد (تأثير التنشئة الأسرية والاجتماعية والسياسية)، بفعل عوامل متعددة، كـ”انفصالهم الأخلاقي” Moral Disengagementعن المعايير القيمية التقليدية، ونزعتهم الأنانية للانحياز إلى ذواتهم، وولائهم النفسي لمدرائهم الفاسدين، وقدرتهم على الخداع والتلاعب، والجشع، واعتقادهم بأن ما يحصلون عليه هو استحقاقهم، وثقتهم الوهمية المفرطة بأحكامهم الشخصية.
ونجد جزءاً أساسياً آخر يتجه توجهاً سياقياً للبحث في الفساد بوصفه نتاجاً مؤسساتياً. فسياسات الهوية Politics of Identity أي تشكيل سياسات الدول بواسطة إطلاق هوياتها الفرعية (الأسره او العِرق أو الدين أو الطائفة أو القبيله والحزبيه )، بدلاً من أنظمة المعتقدات والانتماءات الحزبية والبرامج السياسية، يسمح بارتفاع مستويات الفساد بسبب تراجع قيم المواطنة وطغيان التمثيل الهوياتي للجماعات الفرعية داخل الدولة ما يؤدي إلى إضعاف سلطة القانون والمساءلة بسبب التخادم الذي يحدث بين تلك الجماعات، وبالتالي انتفاء العقاب. كما تؤدي ظاهرة “الترخيص/ التفويض الأخلاقي” Moral Licensing دوراً بنيوياً أساسياً في تشجيع الفساد، إذ أن انتماء الفرد لجماعة متنفذة داخل منظومة الحكم، قد يجعله يمنح نفسه ترخيصاً بممارسة سلوكيات أقل أخلاقية، فيصبح أكثر تساهلاً وأقل تحملاً لمسؤولية سلوكه ما دام انتماءه لتلك الجماعة يعوضه عن ذلك، لأنها تجعله “نظيفاً” في كل الأحوال. هذه الظاهرة ترتبط بالعديد من الحركات السياسية التي تعمل بايديولوجيا معارضة، والدينية منها بشكل خاص، فما أن تصل إلى السلطة حتى يبدأ أتباعها بممارسة الفساد لكونهم “منزهين” أو “محصنين” بحكم انتمائهم الفكري.

يتبع

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫15 تعليقات

  1. توهتنا يادكتور لتقول لنآ بأن فساد الشرعيه بسيط بالمقارنه بفساد الحوثيين🤔والمفروض نخرج نحن كمواطنين عُزل نقاتل الحوثيين بدلآ من الشرعيه الدستوريه؟وتتناسئ بأننا مواطنين بسطاء مطحونين لا يستطيع أغلب اليمنيين توفير قوت أسرهم😏

  2. بينما الشرعيه تتحدث بإسمنا وتتسلم الأموال بإسمنا ويفترض تكون رمزآ للنزاهه ونظافة اليد/ولقد سبقتنا شعوبآ كثيره ناظل سياسيوها بكل ماأمكنهم الله وحرروا شعوبهم وهم يعيشون الكفاااااف كالشعب الجزآئري الشقيق والشعب الفيتنامي الصديق وكان المسئول منهم يلبس ملابس بمنتهى البساطه والهندام ولكنه يحمل في قلبه عزة شعبه وكرامته/في حين يلبس مسئولينا أفخر الملابس من دمآئنا ولكنهم بلا كرامه في وجوههم والتحقير باديآ عليهم!!!

  3. فلا جديد عندما أقول أن المنظومة الحاكمة في اليمن تم تشييدها وفق مبدأ أساسي هو الافلات من العقاب، إذ يتواطأ الجميع فيها مع الجميع لحماية القتلة وسراق المال العام وأمراء سلطات الامر الواقع الرثة. فالعدالة ليست أكثر من اجراءات ورقية شكلية لا قيمة موضوعية لها، تنتهي بعد كل تحقيق الى نهايات سائبة ومنسية ..

    تعليقي:
    ومن شدة ماهي منسية يتحول السارق بعد فترة الى بطل قومي ووطني من الطراز الأول ، لا وكمان يتحول شيخ المشايخ ويركزوه كهامه وقامة عظيمة تستحق يدلوا لعندها ويفاخرون بفتات إنجازتها الذي بترميها على المطلبين، وتكه بسيطه وان قد هو و رئيس لجمعية خيرية يشفق منها على الفقراء والمساكين وهاتك على جمايل نحبب فيها الركب ومن هنا نشأ آل ابالهب وآل اللصوص والسرق من الشق الثاني .. وياليل مااطولك

  4. التواطؤ الضمني بين السارق والمسروق ليس خطيئة أخلاقية قصدية ….

    التعليق من وجهة نظري :
    بل قصدية الا ممن رحم ربي من الشعب اليمني وهم القلة القليلة لأنه في ثقافتنا ان السارق هذا مشحوط وحاذق ورجاااال ويغتنم الفرص ..
    ونزعة التسليم هي لطمة اسف ان الحظ ماحلفه ساع السارق ولو اتحينت الفرصه له عيفعل ويسرق اعظم والدليل ان في من السرق من خرج ثائر يوما ما على قولته ضد منظومة الفساد والتوريث واليوم ريحته رمة الرمم مع بهرره وبجاحه ..

  5. أم ضحاياه المستسلمون ؟

    تعليقي :
    الضحايا مش مستسلمين الضحايا يحز في نفسهم ريت وهم مكان المسؤول والسارق عشان كذا لو السارق رجم لهذا الضحية قرش تحصله يطبل لما تتشل يده ويعوج لقفه وهو يبرر للسارق الهامور …
    وهذا ماوضحته في ولائهم النفسي للمدرائهم الفاسدين ..

  6. إرتفاع مستويات الفساد بسبب تراجع قيم المواطنة وطغيان التمثيل الهوياتي للجماعات الفرعية داخل الدولة ما يؤدي إلى إضعاف سلطة القانون والمساءلة بسبب التخادم الذي يحدث بين تلك الجماعات، وبالتالي انتفاء العقاب..

    كلام دقيق

  7. كما تؤدي ظاهرة “الترخيص/ التفويض الأخلاقي” Moral Licensing دوراً بنيوياً أساسياً في تشجيع الفساد، إذ أن انتماء الفرد لجماعة متنفذة داخل منظومة الحكم، قد يجعله يمنح نفسه ترخيصاً بممارسة سلوكيات أقل أخلاقية، فيصبح أكثر تساهلاً وأقل تحملاً لمسؤولية سلوكه ما دام انتماءه لتلك الجماعة يعوضه عن ذلك، لأنها تجعله “نظيفاً” في كل الأحوال.
    هذه الظاهرة ترتبط بالعديد من الحركات السياسية التي تعمل بايديولوجيا معارضة، والدينية منها بشكل خاص، فما أن تصل إلى السلطة حتى يبدأ أتباعها بممارسة الفساد لكونهم “منزهين” أو “محصنين” بحكم انتمائهم الفكري.

    (تجعله نظيفا في كل الأحوال) .
    هذه لوحدها علة العلل جعل لهم عله وعلل تخلصنا من أبتهم .. 😁

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى