كتّابمفكرون

“مجتمعات النفاق المتدين”…


“مجتمعات النفاق المتدين”

أو مجتمعات التدين المنافق، لا فرق، فأي مجتمع متدين هو بالضرورة مجتمع منافق.

أرجو ألّا يأخذك العنوان، فهي الحقيقة، فالمتدين هو الفرد فقط، وتلك هي علاقته بربه الذي يعبده، أمّا المجتمع فلا دين له، وعندما ينعكس الأمر ونري الجميع يسارعون الي إظهار تديّن المجتمع ويقيسون ذلك بالأنشطة الدينية المجمعة أو المظاهر الدينية مثل زي النساء الذي يطلق عليه زي ديني …. الخ، فنحن أمام مجتمع منافق بامتياز.

هذه الأنشطة والمظاهر لا تعطي قراءة موحية لحقيقية تدين الأفراد، وهو أمر لا يهمنا، بل أن ما يهمنا هو القيم الإنسانية التي تربط فيما بين الأفراد وتعكس حقيقة ارتباطه وتأثيره في مجتمعه، وليكن تدينه مع الله الذي سيحاسبه أو يكافئه وحده وليس ضمن مجتمعه.

أن الفرد المداوم على صلاة الجماعة ليس بالضرورة صاحب أخلاق صادق أمين رحيم مؤدب، وكم منهم يمكن أن يشهد زوراً أو يتلقى رشوة، وهل الفتاة المحجبة هي بالضرورة عفيفة، بينما السافرة غير ذلك، نعرف أنها قياسات غير حقيقية، وإذا اعتمدناها معيارا نكون قد اعتمدنا النفاق مقياسا لحقيقة المجتمع.

ضاعت القيم الإنسانية وانحسرت، وجعلنا من الشعائر أساساً لتقييم الأفراد، ورأينا أن صلاح المجتمع هو أعداد مرتادي دور العبادة، تقهقرت الأخلاق وتناسبت عكسياً مع عدد مقيمي الصلاة، واعتبرنا المجتمعات الأخرى مجتمعات منحلة على اعتبار أن النساء فيها سافرات، ولم تلفت أنظارنا الإنسانية التي تتمتع بها شعوبها، وانتشار الرحمة والتعاطف والتعاون بينها.

هذا هو مكمن الخلل الذي لا نريد أن نعترف به، ونهرب لنبرر أخطاءنا، والأخطار التي تحدق بنا، بأنها “مؤامرة على الدين” بادعاء أن مجتمعاتنا متدينة معتدلة، لا يعرف عنها دعوتها لعداء الآخر، وأن العيش المشترك مع الملل الأخرى هو السمة الغالبة، رغم أننا ندعوا دعاءا مجمعا في صلاتنا المجمعة عليهم.

ان المجتمعات القدوة في القرون الأولي للإسلام بعد أن دلسوا وكذبوا وأخفوا الحقائق وصوروها على أنها مجتمعات العدل والأخلاق والرحمة والسلام والقيم السامية، والذين يريدوننا أن نقتدي بها ونبتعد عن تقليد المجتمعات الغربية المتحررة المنحطة، تلك المجتمعات القديمة كانت أكثر فسادا وانحلالا وفجورا، والدليل علي ذلك هي الحروب التي دارت بين المسلمين وبعضهم، وتقتيل بعضهم بعضا، وهدم الكعبة وقتل معظم آل البيت، تلك المجتمعات التي شهدت الدعارة المقنعة وتجارة الإماء والغلمان، ونكاح المتعة، ورضاع الكبير ووطئ الأطفال ونكاح البهائم، الي آخر تلك السلسلة من الفضائح والتدني.

في هذه المجتمعات التي تدعي متدينة يتشكل الوجدان ويصير العقل الجمعي متسلطا قهريا، ينعكس ذلك في التدخل السافر في حريات الآخرين وفي أحكام دينية يطلق عليها نفاقا أحكام للحفاظ على قيم المجتمع ومقاومة الفسق والفجور … الخ، وحين تسنح له الفرصة من خلال التعبير السياسي، وحين يمتلك السلطة سيفعل ما فعلته داعش والنصرة وغيرها ليعودوا الي مجتمعاتهم القدوة.

غاية الأمر أن الشعوب والمجتمعات تحكمها القيم الإنسانية، ومعايير الأخلاق، فهي الأساس وهي الأقدر على أن يعم السلام والأمن والطمأنينة.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى