حقوقيون

العبودية في اليمن باقية حتى اللحظة!


العبودية في اليمن باقية حتى اللحظة!

من أكبر الإنتهاكات الإنسانية التي تعكس مدى بُهيمية الأصل الإنساني: العبودية. ومن أكثر الأشياء التي دلت على التحظر الإنساني: إلغاء الرق، والعبودية؛ وإدانتها.
ولكن وحتى اللحظة، وفي القرن الحادي والعشرون لايزال هناك أناس منعدمي الإنسانية، والضمير؛ يستعبدوا المستضعفين، ويبقوهم على الجهل، والأمية، والإستعماء؛ وإستغلالهم إستغلال فج، وغير ادمي.

بدت تطفوا للسطح فضائح إسترقاق، وعبودية في اليمن للصحافة في العصر الحديث، عام 2008 بقضية حصول #قناف_بن_سيارة الذي تم شرائه بصكوك قانونية، ووثائق معتمده!
كانت قيمته (2000 دولار) ككفارة لتسبب مُستعبده الشيخ بموت احد الأشخاص!
(تابعوا تحقيق صحيفة المصدر)

كما وتم الإعتراف بالرق، والإستعباد في محكمة حجة؛ عندما تم قبول دعوة لشراء أحد المستعبدين، وتحريرهم؛ حيث يعد عملية الشراء، والتحرير تسليع، وتبضيع للبشر (إتجار بالبشر).
بالرغم من أن هناك مادة في القانون اليمني، وإن كانت بلغة خجولة، وضعيفة تقول:
بموجب المادة 248، من قانون العقوبات، والجرائم رقم 12 التي تنص ” يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على عشرة سنوات كل من باع، أو أشترى، أو تصرف أي تصرف بإنسان”.

المادة واضحة، ولكن لم يعمل بها؛ وقد أحدثت القضية موجة عارمة في ذلك الوقت.
(برنامج الصندوق الأسود الوثائقي، عن العبودية في اليمن، تطرق لها، وللكثير من المعلومات)

للأسف بالرغم من شناعة تحييد الحريات، والحقوق، هناك من يوأدها، ويستعبد المستضعفين؛ حيث هناك المئات، ولربما الألاف ممن لم يعرفوا للحرية طعم مذ ولدتهم أمهاتهم المُسعبدات! بل هم في حالة كبيرة من الجهل، والتغييب؛ للدرجة التي لا يدركوا فيها مدى الظلم الذي يطالهم!
حتى اللحظة لايزال هناك مُسعبدين في محافظتي: حجة الحدودية، والحديدة. تحديدًا:عيدينه في حجة، والزهرة في الحديدة.

وقد نشرت صديقتي الزميلة Thuraya Yusr المحامية، والناشطة الحقوقية، في سلسلة مقالات عن تجربتها الشخصية، ومخالطتها بالمُستعبدين بستفاضة في صفحتها Think Thuraya
انشر مقالاتها في التعليقات

الموضوع مؤلم، وهام؛ ويستحق أن نصعد الموضوع، ونساهم في إنهاء هذهِ الوصمة المجتمعية التي تلطخ الإنسانيةِ جمعاء.

* في الصور صورة لطفلة لا يتجاوز عمرها الست سنوات، تم بيعها بأوراق رسمية!
** جميع الصور حقيقية لضحايا الظلم اللاإنساني

#العبودية_لم_تنتهي
#العبودية_في_اليمن_باقية
#العبودية_في_اليمن

لؤي العزعزي






يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫8 تعليقات

  1. مذكراتي عن عبيد اليمن (٦)

    سنحت لي الفرصة أكثر من مرة للتحدث مع العبيد و الاختلاط بهم ، وجدت قلة قليلة تعرف أن العبودية خطاء لكن لسان حالهم يقول ما العمل ؟
    كما يقول المثل العين بصيرة و اليد قصيرة.

    أعود لذكريات تلك الأيام التي قابلت فيها العبيد لأول مرة …

    بعد أسبوع من زيارتي لصديقتي في مديرية الزهرة بمحافظة الحديدة اليمن ، عدت إلى مركز المدينة حاملة أذيال الخيبة و الحزن ، كنت أشعر طوال أسبوع بالفراغ و كأن شيء ما مهم جدا ناقص في حياتي ، كابدت لتجاوز هذا الشعور حتى الاعتياد ، جهاز الحاسوب المحمول الخاص بي فيه الكثير من الملفات و الاعمال المهمة جداً ، لم أكن أتوقع يوم ما أنني سأفقده بهذه الطريقة المفاجئة .
    في يوم السبت تلقيت اتصال من رقم غريب ، في البداية لم أشاء الرد ، لكن تكرار الاتصال بي بشكل حثيث و في وقت منتصف النهار جعلني لا أراديا أفتح السماعة لأسمع بعدها صوت زوج صديقتي صفاء يلقي التحية و يطلب مني السفر إلى الزهرة لاستكمال إجراءات معينة لم يحدد ماهيتها .
    قلت له : أين صفاء …؟
    و قبل ان اكمل عبارتي سمعته ينادي صفاء و يطلب منها أن تتحدث معي .
    جاء صوت صفاء حاد كعادتها و هي تشتكي من أن ارتفاع ضغط الدم سبب لها الكثير من المشاكل الصحية ، و أنها تعاني من ألم مستمر ناحية القلب …. إلخ من الشكاوي التي لا تنتهي .

    بعد ذلك تفضلت بالحديث عن آخر واقعة حصلت لنا .
    قالت بصوت حزين : من ذلك اليوم الذي غادرت فيه المنزل إلى هذا اليوم و أنا بالمدينة ، لم استطع العودة إلى المنزل ، كنت أتلقى رعاية صحية لن اجدها هناك .
    ثم أضافت : تعالي عندنا إلى منزلي في الزهرة منها تُكملي الإجراءات اللازمة المتعلقة بك و منها نجلس سويا.
    قلت لها : بدون حاسوب محمول… .

    ردت دون سخرية : بدون حاسوب محمول.

    قررت السفر إلى مديرية الزهرة في اليوم التالي من تلقي المكالمة.

    كنت طوال الطريق أشعر بالضيق خلاف المرة الأولى التي لم أكن أشعر خلالها بأي شيء ، ربما بسبب الخسارة الفادحة للملفات و الأعمال الموجودة في الحاسوب المحمول.. أو ربما لسبب آخر لا أعلم مغزاه…
    كان الباص الذي اوصلني المرة الأولى هو من اوصلني لمديرية الزهرة هذه المرة . قلت له لا تعود للمدينة انتظرني هنا لن أتأخر كثيراً.

    وصلت لمنزل صفاء و وقفت على بابه كان صراخ صوت صديقتي عالي و كانت تتحدث بانفعال شديد لم أفهم ما تقوله ، ترددت لوهلة لكني سرعان ما دققت الباب الحديدي بطرف هاتفي المحمول مما أصدرت نقرات عالية…
    توقف الصراخ فجاءة و بعد صمت مطبق استمر دقيقتين فُتح الباب فإذا هي صديقتي صفاء ، تغيرت نبرة صوتها الحادة المنزعجة إلى نبرة ودودة ، طلبت مني الدخول و أخبرتني أنني تأخرت قليلا عن الموعد .

    أثناء دخولي خرج زوج صفاء بسرعة و كان يبدوا عليه الانزعاج .

    قالت صفاء ادخلي غرفة الجلوس البيت بيتك سأحضر لك كوب ماء .

    دخلت غرفة الجلوس لكنني لمحت شيء مألوف لي جدا

    … أنه جهاز الحاسوب المحمول الخاص بي!

    لكنه لم يكن بحالة جيدة …

    الشاشة كانت مفصولة تماما عن لوحة المفاتيح… بل مكسورة بعنف … بعض ازرار لوحة المفاتيح غير موجودة الشاشة متهشمة بشكل مروع… فتحات الحاسوب مغطاه بالتراب …
    واضح أن الأجزاء الخارجية الأخرى قد مُسحت بعناية …
    و قبل أن أبدي أي ردة فعل دخلت صفاء الغرفة و هي تحمل كوب ماء و آخر عصير لوازم الضيافة.
    قالت : هذا جهاز الحاسوب المحمول الخاص بك وجدناه بهذه الحالة .

    التفت لها قائلة : كيف ؟

    يتبع …

  2. مذكراتي عن عبيد اليمن (٥)

    إذا حبست طفل رضيع في مكان محدد و جعلت تعاملاته منذ ولادته حتى بلوغه سن الرشد ضمن هذا المكان المحدد ، فسوف يتشرب ما تريده أنت ، و يعلم ما تريده أنت أن يعلم ، خاصة لو منعت عنه التعليم حتى البسيط منه ، لذا لن يفهم أن طريقة عيشه خاطئة و أن هناك أمر ما ناقص ، هناك شيء غير صحيح في كل ما يحديث له ، و ذلك لتعطّيل التفكير لديه بسبب الحياة المحدودة و المليئة بالجهل التي عاشها منذ طفولته …

    لذا نجد قضية العبيد منسية ، و لن نجد واحد منهم (يثور) على وضعه الغير صحيح ( العقل معطل) بل ربما تجد من يخبرك بأنهٌ توارث العبودية أباًء عن جد و هذا قدره ، و يضيف لو كان ما يحصل له خاطيء كان اباءه و أجداده قد تحركوا ، كما أخبرني أحد العبيد …

    هنا يأتي دورنا أنا و أنت ليس فقط لنقل معاناتهم .. بل لتحرك عملي لأجل وضع حلول نهائية لهذه القضية .

    اعود لمذكراتي

    في طريق عودتي إلى البيت دارت في رأسي أفكار كثيرة جداً ، عادت إلى ذاكرتي نصوص الدين حول العبيد و ملك اليمين ، لم أتخيل قد أنني ربما أواجه شيء كهذا في حياتي بشكل مباشر و في هذا العصر .

    وصلت إلى المنزلة منهكة ، اتصلت برقم صديقتي لكنها لا ترد ، فكرت أنها ربما في حالة صحية غير مواتية للرد و الحديث.
    نمت تلك الليلة و حلمت بسحلية لزجة للغاية تسير أمام فراش نومي ببطيء ، رفعت قبضة يدي في الحلم و الحقيقة كذلك لضرب السحلية ، سقطت يدي بقوة على السحلية أو هكذا أظن، فكانت الضربة سبب في استيقاظي من النوم بمنتصف الليل ، نعم قمت برفع يدي و هويت بها على لا شيء لا سحلية هناك …

    شعرت بالألم في معصم يدي ، لكني أكملت نومي لاستيقظ صباحا و هاتفي الصامت مليء بعشرات الرسائل و الاتصالات من رقم صديقتي و زوجها ..
    كانت إحدى الرسائل تخبرني بأن نور أحيلت إلى قسم الشرطة للتحقيق لأنها مشتبه به ، و هي من ساعدت الشخص الذي دخل إلى غرفة النوم عبر فتحة التكييف ليعلم الأماكن الثمينة من المنزل …
    و أعطته جهاز الحاسوب المحمول الخاص بي و الخاتم الذي تخلص منه بعد أن رأى أنه فضة لا قيمة له.
    لكن نور أنكرت و رفضت التحدث لذا تم الإفراج عنها لعدم كفاية الأدلة ، و أيضا لأن فتحة التكييف ضيقة و تحتاج إلى شيء مرتفع ليصل الشخص إليها ، لم يجدوا آثار خارجية لاستناد شخص على سلم أو كرسي .
    اتصلت برقم صديقتي لكن من قام بالرد هو زوجها و بالتالي كل الرسائل من الرقمين كانت منه ، أخبرني بما حصل بالتفصيل ، أنه بلغ صديقه لإبلاغ القسم الذي من فوره احتجز نور و تم التحقيق معها و من ثم الإفراج عنها في الصباح .
    كنت استمع إليه و أنا أشعر بضيق شديد لا أعلم كهنه .

    ختم زوج صديقتي حديثه قائلا: قد أخبرت صفاء أن لا تُظهر للعبيد أماكن المال و الذهب لأن ما حصل هو نتيجة طبيعية لأهمالها ، هم فيهم طبع التركيز على أماكن المال و من ثم التعاون مع الاخدام لسرقته .
    في نهاية المكالمة قلت له : بلغني بأي جديد ربما يطرأ على القضية ، و أخبر صفاء تحياتي .

    مر أسبوع على الحادثة …

    و فعلا حصل أمر جديد استدعى سفري إلى الزهرة ….

    يتبع ….

    #ثريا_يسر

  3. مذكراتي عن عبيد اليمن (٤)

    توجد نصوص في القانون اليمني تجرم الاتجار بالبشر و تذكر عقوبات غير رادعة لمن يقوم بذلك ، و تشدد أكثر على عقوبة الاتجار بالنساء و الأطفال و تؤكد على أن الضحايا لا تُجرم أفعالهم ، و يجب إدماجهم بالمجتمع ، و قد وقعت اليمن على اتفاقيات دولية لإنهاء و تجريم الاتجار بالبشر .
    لن اذكر مواد القانون التي تجرم الإتجار بالبشر … لأن قيمتها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به على الأقل في اليمن . كما يمكن لأي شخص البحث عنها في فضاء الشبكة العنكبوتية.

    نعوذ لمذكراتي :

    بعد أن تأكدت أن الحقيبة فارغة التفتت خلفي لكني لم اجد صديقتي صفاء ، الغرفة فارغة ، لوهلة تذكرت أنها قالت لي : ادخلي غرفة الجلوس ، أنا سأعود لكِ بعد قليل ، ثم أخرجت مفتاح غرفة النوم من حقيبة اليد الصغيرة التي كانت تحملها و سمعت بعدها صوت طقطقة المفتاح في الباب .
    مكثت في مكاني واجمة و قد أصبح سمعي أكثر رهافة ، صوت جري قلق و رزع و صراخ مكبوت …
    ازداد قلقي .
    صحت : صفاء ماذا حصل ؟!
    لا رد …
    بعدها بلحظات سمعت صراخ صديقتي يناديني للمجيء …
    تحركت بسرعة إلى خارج غرفة الجلوس لكني لم أجد أحداً في الفناء…
    توجهت إلى غرفة نوم صديقتي ووقفت على عتبة الباب المفتوح على مصرعية و هالني ما رأيته …
    صديقتي ممسكة بصدرها ناحية قلبها و كأنها تشعر بألم شديد و تحاول القبض عليه لعل و عسي يتوقف ، جاثية على ركبتيها بذهول …
    كان ظهرها ناحية الباب لكن بسبب الجلبة التي أحدثتها عند قدومي عرفت أنني أنا دون الالتفات إلى الخلف ..
    قالت لي دون أن تنظر باتجاهي : خاتمك الفضة هناك ملقي تحت فتحة المكيف .
    قلت لها بتوتر: ما الذي جاء به إلى هنا ، و أنتِ ماذا حصل ؟ هل تشعري بألم ما ؟!
    ردت و قالت بنبرة ضعيفة : سبعة مليون ريال قيمة أرضية زوجي اختفت ، و معها حزامين ذهب …

    دخلت إلى جهة خاتمي الملقي و ألقيت نظرة على فتحة التكييف ، كانت مغطاه بقطعة خشب دون مسامير ، سألتها : أين المكيف ؟!

    ردت : في المغسلة …

    قلت : متى تنبهتي لضياع المال ؟

    _ دخلت الغرفة و رأيت الدولاب مقلوب رأسا على عقب….و هنا عرفت أن أحد ما دخل الغرفة بعد خروجنا. لكن الذي يخفف وطأة الأمر أنني لبست الليلة الفائتة طقم ذهب كامل و عندما خلعته وضعته تحت منشفة و لم ادخله الدولاب كعادتي، عندما قلبت المنشفة الآن وجدت الذهب كما هو .

    _ السارق يعرف أماكن المال و الذهب و جاء لاخذهم من مكانهم ، و ليس لتفتيش الغرفة كاملة ، هو مُعلم على أماكن معينة محددة.

    صمت مهيب فجاءة اجهشت صديقتي في بكاء مرير و كانت تصرخ رأسي رأسي ، كان ارتفاع ضغط الدم بكل تأكيد… حاولت تهدئتها
    قلت لها : و أنا جهاز الحاسوب المحمول الخاص بي قد سُرق أيضاً كلنا في الهواء سوى .

    عملت بمبدأ المصائب الجماعية تخفف من أثر مصيبة الفرد ، بمعنى الموت مع الجماعة أرحم.

    اتصلت صديقتي بزوجها الذي جاء على عجل بالتزامن مع قدوم الباص الذي سيقلني إلى المدينة…

    سمع زوج صديقتي القصة كاملة منها و مني و كان يشعر بالغضب…

    قرر إسعاف زوجته ، أما عني فنصحته بعمل بلاغ بالقسم ، و ودعتهم على أمل ايجاد الفاعل …

    تزامن وقت خروجنا مع دخول نور التي كانت تحمل كيس كبير من الفحم على ظهرها لتعمير الشيشة ، كان الفحم قد غطى يديها و جزء من وجهها في مشهد اصابني بحزن شديد على حالها …
    لكن ما أصابني بالحزن أكثر هو نظرة زوج صديقتي القاسية على نور الذي طلب منها أن تغادر المنزل الليلة و تذهب إلى أبيها لأنه لن يكون هناك أحد بالبيت …

    كانت صديقتي صفاء شبه فاقدة للوعي …

    كانت نظرات زوجها غير مريحة لنور ، نظرات مليئة بالغضب و الوعيد ..

    شعرت بالاشفاق و القلق عليها …

    لذا قبل أن أصعد إلى الباص قلت لزوج صديقتي : تحرى الأمر و لا تتسرع بالاتهام ، ساتابع الأمر معك .
    هز رأسه و لا أعلم ما بنفسه …

    في الباص كنت طوال الطريق أفكر في الأمر و أقلب الخاتم في ابهامي ،الخاتم الذي يظن الجميع و منهم السارق أنه فضة … هو في الحقيقة ذهب أبيض .

    #ثريا_يسر

    يتبع ….

  4. مذكراتي عن عبيد اليمن (٣)

    لم يكن ضمن جدول أعمالي القيام بجولة بين أماكن سكن العبيد ، لكنه الفضول و هناك مثل محلي يقول : الفضول قتل أم قبول .

    ما سأرويه في هذا الجزء و الأجزاء القادمة هو نقل لحوادث كما حصلت ، و ليس لاثارة الرأي ضد فئة أو جلب التعاطف ، أو تأجيج العواطف ، مجرد حادثة فردية لا أكثر و لا أقل ، هي في الحقيقة تعتبر أول تجربة لي مع عبيد اليمن .

    معضلة العبيد ، المشكلة ،و الوصمة ،و العار الذي سيبقى في جبين اليمن في عصره هذا و لن تُمحى إلا بانتهاء العبودية للأبد.

    لنبدأ

    دخلت نور على استحياء فتاة تهامية نحيلة أقدّر عمرها بين الرابعة عشر أو الخامسة عشر و ربما أكثر قليلاً أو أقل .
    ترتدي فستان أصفر واضح جدا أنه هدية من صديقتي التي تحب اللون الأصفر ، و الأكثر وضوحاً أنها عاملت الفتاة بانسانية لا محدودة .
    قالت صديقتي موجهة الحديث إلى نور : أعرفك على المحامية سنقوم معا بجولة معها و هناك نسلم على والدك .
    قالت نور بلهجة تهامية غريبة جدا كلمات لم أفهمها ، و ردت صفاء صديقتي بنفس تلك اللهجة الغريبة .
    قلت باستغراب : ماذا قلتم ؟!
    ضحكت هنا صديقتي بشدة ، اغراء الشعور بأن أحد ما كالاطرش في الزفة للتندر لا يقاوم .

    قالت صديقتي بمرح : تصدقي رغم أنني تهامية من مدينة زبيد إلا أنني وجدت صعوبة في فهم الكثير من المصطلحات المتداولة هنا في مديرية الزهرة ، توجد اختلافات كبيرة في تسمية الكثير من الأشياء بين أبناء زبيد و أبناء الزهرة .
    و أخذت تسرد لي تسميات عديدة و معانيها نسيتها كلها بالطبع .
    و بعد أن انتهت صديقتي من كلامها أخيراً تنبهت إلى أنها لم تترجم لي ما قالته نور .

    قالت و هي تهم بالوقوف: نسيت أخبارك… سألتني نور عن ماذا تعني كلمة محامية قلت لها تعني (مُشارعة)… ( تخوض في مشاكل الناس لحلها ).

    رغم أن هذا الوصف غير دقيق لكني لم أكترث لذلك .
    قلت لنور : أهلا و مرحبًا.

    لا جواب .

    ردت صديقتي بسرعة : لم تفهمك .

    نهضت لغسل يدي قبل الخروج للجولة التفقدية ، مكان غسل اليدين كالتالي :

    ماسورة ماء دون حنفية ، يتم التحكم بتدفق الماء و إيقافه عبر محبس حديدي ضخم مثبت في الجدار … اعطتني نور قارورة ماء بها مادة خضراء ، على أساس أنها صابون .
    وضعت القليل من محتويات القارورة على يدي ، وجدت أن لزوجتها عالية لدرجة أن خاتم الفضة انسحب إلى نصف ابهامي ، شعرت أن استمرار غسل يدي بهذه الطريقة سيسقط الخاتم لا محالة ، خلعته و دخلت لغرفة الجلوس لاضع الخاتم في حقيبة جهاز الحاسوب المحمول الخاص بي .

    هنا اوقفتني صديقتي قائلة : الليلة سيأتي إلى المنزل العديد من نساء القرية ، نور ستبقى في المنزل لتعمير الشيشة ، أنا و أنت سنلف قليلاً و نعود .
    نظرت إلى نور للحظات ، ثم هززت رأسي بالموافقة ما دام هكذا الاتفاق تم .

    خرجت مع صديقتي في جولة تفقدية ، تغير الجو و أصبح لطيف جدا و فيه نفحات هواء باردة خلاف ما عليه بالمدينة في هذه الساعة من النهار ، لكني تذكرت أنني بمديرية قريبة جداً من محافظة شديدة البرودة و هي محافظة حجة .

    قبل وصولنا إلى مساكن العبيد أخبرتني صديقتي قليلاً عن نور : نور فتاة يتيمة الأم لديها خمسة أخوة كلهم يصغرونها بالعمر ، والدها يعمل في حراسة مستودعات التجار و أراضي مالكه الذي يُدعى…… و هو حالياً خارج اليمن .

    هززت رأسي بحسرة : أي دولة تقبل استضافة هؤلاء المتاجرين بالبشر ؟!

    بعد لحظات صمت وصلنا إلى مجموعة عشش و بيوت من الزنك ، قالت صديقتي : هنا يقيم أغلب العبيد ، ليسوا كلهم هنا، بعضهم يقيم في مزارع و أحواش مالكيهم .

    لا داعي للتحدث عن الوضع المزري الذي يعيش فيه العبيد ، لا صرف صحي و لا مواسير مياه ، لا مساكن جيدة تقي الحر ، أطفال في وضع مأساوي ، و الاسوء هو حالة الجهل المطبق الذي يعيشون فيه .

    وصلنا أمام بيت متهالك مبني من الزنك و الخرق و قليل من الطوب ، صاحت صديقتي قائلة : يا أم …….. تعالي .
    أطلت من خلف إحدى الخرق البالية امرأة مسنة متغضنة البشرة صاحت هي الأخرى : كيف حالك يا صفاء من معكِ؟

    ردت صفاء : هذه محامية صديقة لي .

    هزت العجوز رأسها و قد انسحبت الابتسامة من فمها …

    التفتت لي صفاء قائلة : لهم تجربة سيئة مع أحد المحاميين .

    خرج بعض الرجال من العبيد ينظرون للزائرة الجديدة و كانوا شديدي سواد البشرة ، حتى أنني قلت في نفسي أن نور ليست بسواد بشرتهم .

    قالت صفاء و كأنها تقرأ أفكاري : نور كانت مثل لون بشرتهم ، لأنهم يجلسون طوال النهار تحت الشمس ، لكن بعد سنة من أقامتها عندي و ابتعادها عن الشمس تفتحت لون بشرتها .

    استمرت الجولة حوالي نصف ساعة عدنا بعدها إلى البيت …

    دخلت إلى غرفة الجلوس حيث جهاز الحاسوب الخاص بي متروك هناك …

    كانت حقيبة الجهاز موجودة لكنها متهالكة و نحيفة كأنها فارغة ، أمسكت بالحقيبة لاتفاجا بأن جهاز الحاسوب غير موجود و لا حتى خاتم الفضة موجود ….

    يتبع ….

  5. مذكراتي عن عبيد اليمن (٢)

    تدفق سيل الكلام من صديقتي صفاء بسرعة و طلاقة، قالت : كما تعلمين مر على زواجي من رجل ينتمي إلى هذه المديرية حوالي سنة كاملة ، رغم أنني كنت أقيم في بيت متواضع بمركز المدينة ، و لم أكن أجد مروحة تبعد عني شدة الحر ، إلا أنني لم أستطع أن أتناغم و العيش هنا ، في أول يوم لقدومي انهال علينا العبيد مع بناتهم لعرض العمل في بيتنا كخدم . أنا اخترت هذه الفتاة التي دخلت علينا قبل قليل ، حذرني زوجي في أول يوم لي هنا أن لا أجعلها تدخل غرفة النوم بتاتا و لا أظهر لها أن لدينا مال ، لم يفسر زوجي السبب ، حتى في مرة باع زوجي أرضية له و لم يدخل المال إلا في منتصف الليل بعد أن نامت الفتاة . هذه الفتاة عاملتها كأنها ابنة لي ، هل لاحظتِ شعرها الناعم ؟! هو بفعل البروتين لقد فردت شعري بالبروتين و ما تبقى فردت لها شعرها ، لقد أحبت شعرها كثيراً ، لكن عندما يذهب مفعول البروتين ستحزن كثيراً.
    و ضحكت ضحكة عالية تتميز بها كثيرا .
    كابدت نفسي لاضحك أنا الأخرى و قلت : ربما أخبرتها أن مفعوله ليس دائم!
    أجابت بنفس مقطوع بفعل الضحك : بكل تأكيد ..
    ثم تغيرت نبرتها إلى الجدية :و قالت هنا العبيد لا يعرفوا أي شيء ، و عندما أقول أي شيء فأنا أعني حرفياً أي شيء ، لا يعرفون الله و لا الرسول و لا طرق العبادة و لا العدّ و لا الحروف ، جيد أنهم يستطيعون الكلام !
    نظرت لها باهتمام ، مما زاد شغفها للحديث : حتى هذه الفتاة نور ..
    قاطعتها قائلة: اسمها نور !
    أجابت : بل أنا اسميتها بذلك ، لأنها تقول عن نفسها أنها سوداء كسواد الليل و لن يراها أحد في الظلمة ، اسمها الحقيقي ………لكن لا يهم فهي بلا أي أوراق هوية .عَلّمت نور القراءة والكتابة و آيات من القرآن ، للأسف نور بطيئة التعلّم لكنها تحرز تقدم جيد. قبل أن افرد شعرها بالبروتين علمتها كيف تغسل شعرها بالشامبو و كيف تُمشّط ، جاءت لي و شعرها بحالة يرثى لها لا تعرف شيء من أساسيات النظافة . في مرة تشتاجرت مع زوجي لأنه يُشغل العبيد عنده بمقابل تغذيتهم و السكن فقط . قال لي : أنتِ لا تفهمي هم يريدون هذا الشيء !
    قلت : نظام السخرة !
    ردت و قد زاد حماسها : نعم ، ملاك العبيد غير متواجدين هنا ، لذا العبيد بحاجة لتوفير طعام لهم ، لا يعرفون شيء اسمه ادخار المال ، و العمل براتب ، قلت لكِ لا يعرفون شيء البته !
    و أضافت : هنا فئتين مقسومتين فئة العبيد و هم مساكين و ليسوا أصحاب مشاكل ، و فئة آخرى تسمى الاخدام و هولاء فيهم صفات سيئة كثيرة ، لدرجة أنك لو أردت أن تشتم شخص من العبيد قله يا خادم فسوف يغضب بشدة و يقول : أنا عبد و ليس خادم .

    دون إرادة مني اشتد طرف فمي و كأنه علامة للسخرية و التندر ، مما جعل صديقتي تتوقف و تنتظر ماذا سأقول.
    لكني غيرت مجرى الحديث لأن الموضوع جدي كليا و مشكلة حقيقية يجب حلها …
    قلت : و طالما الملاك غير متواجدين هنا و أغلبهم مقصات هربوا خارج البلد ، لماذا لا يهرب العبيد و يطالبوا بأوراق ثبوتية ؟!
    قالت صديقتي : قلت لك لا يعرفون شيء ، جهل مطبق ، صحيح أن بعض الملاك غير متواجدين باليمن ، لكن الآخرين موجودين باليمن بمحافظات آخرى .

    مرت نور من أمام الغرفة و كان الباب شبه مقفل لذا استطعنا أن نلمحها.
    صاحت صديقتي : تعالي يا نور و تعرفي على المحامية ، لأننا في العصر بعد أن تخف الحرارة سنخرج في جولة على بيوت العبيد معها .

    #ثريا_يسر

    يتبع

  6. مذكراتي عن عبيد اليمن .

    بسبب نزول ميداني إلى مديرية الزهرة بمحافظة الحديدة اليمن ، قابلتهم وجها لوجه و نشأت علاقة غريبة معهم .
    في عز الحر و القيظ والارتفاع الجنوني لدرجات الحرارة ، اتصلت لسائق باص قد ضربت معه موعدا لايصالي لتلك المديرية التي تبعد حوالي ساعتين و نصف عن مركز المدينة..
    تم كل شيء كما هو مخطط له و ها أنا في خط السير السريع متجهة لتلك المديرية.
    كنت اراقب مجموعة الأوراق المختبئة خلف ملف عازل شفاف و قطرات العرق تتصبب عليه ، و بجانبي حقيبة كبيرة احتفظ بداخلها بجهاز الحاسوب المحمول ، تقريباً هذا أثمن ما أملكه بالاضافة إلى خاتم فضة بعقيقة خضراء ! ( هذه المعلومات قد تكون ذات أهمية لاحقاً) .
    وصلت هناك إلى تلك المديرية ذات البيوت الواسعة الفناء .
    كانت صديقتي و لنرمز لها باسم صفاء في استقبالي ، استقبال حافل مليء بالزهو ، لكن في عينيها شيء من حزن .
    ادخلتني إلى غرفة الجلوس التي تقع على الطرف الآخر من الحوش الكبير جداً غير المسقوف .

    يوجد في وسط هذا الحوش الطيني دائم البلل لحرص سكان البيت على ابقائه رطب ،توجد شجرة ضخمة ربُط منتصفها بحبال غليظة للتمرجح !
    أعود إلى غرفة الجلوس متوسطة الحجم ذات الأثاث المتواضع المكيفة…. ، التكييف كان كجرعة إسعافية بالنسبة لي . كانت كأي غرفة جلوس عادية في البيوت الشعبية باليمن ، لا شيء ملفت بها لدرجة أنني نسيت تفاصيلها .

    تم واجب الضيافة كما يجب من قبل سيدة البيت صديقتي صفاء .
    لكن و عند الانتهاء من وجبة الغذاء دخلت علينا فتاة شديدة السمار هزيلة و طويلة القامة ، و أخذت اواني الطعام و غادرت المكان بسرعة .

    المتوقع من ذوي البشرة شديدة السمرة هو شعر قاسي و قوي و منفوش ، هذا ما يميزهم ، لكن شعر هذه الفتاة ناعم جدا .
    قالت لي صديقتي صفاء : أنت منشغلة بشدة ؟
    رددت : نعم .
    اقتربت مني و قالت : لماذا لا تأخذي لك فتاة من العبيد لتعمل لديك كعاملة منزلية ، لن تكلفك الكثير !
    قلت لها بدهشة مصتنعة: العبيد ؟!

    كان لدي معلومات وفيرة حول هذه المديرية و حول العبيد ، لذا لم يكن الموضوع مفاجئ جدا بالنسبة لي .

    ثريا يسر

    يتبع

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى