توعية وتثقيف

الفن التشكيلى و الطبيعة…


الفن التشكيلى و الطبيعة

الفن التشكيلى هو فى جوهره نوع من التعبير عن الطبيعة. لكنه بالضرورة يحيد عنها إلى حد ما، (وهذا هو ما يميز بين الفنون التشكيلية من ناحية، و الوسائل الآلية للتصوير، مثل الفوتوغرافيا، من الناحية الأخرى.) من المفيد أن نتأمل فى طبيعة التباين بين الفن والطبيعة، و أن نحلل العوامل التى تؤدى إليه، وهذا ما سأحاول فعله فى هذه المقالة.

يمكننا التمييز بين ٤ طرق (modalities) يحيد فيها الفن التشكيلي عن محاكاة الواقع:
1. فى الحالة الأولى الفنان لا يقصد الإختلاف عن الواقع، بل هو يرسم أو ينحت ما يراه. و يرجع الاختلاف إلى أن ما يراه الفنان يختلف فعلاً عن ما يراه الآخرون. فهو قد يرى الألوان أزهى مما هي عليه فى الحقيقة، أو أبهت؛ أو هو قد يرى الأشكال أكثر حدة أو أقل؛ أو أكثر إستطالة أو إستدارة؛ أو هي تميل إلى الزرقة أو إلى الصفار …إلخ. ربما أفضل مثال لهذه الحالة هو الرسام ڤان جوخ – فكل الدلائل تشير إلى أنه كان يرسم ما يراه بالفعل، وإلى أن إختلاف أشكاله وألوانه عن الطبيعة يرجع كلياً إلى أن إستيعابه الشخصي للأشكال والألوان كان يختلف عن إستيعابنا نحن.
2. فى الحالة الثانية الفنان يقصد الحياد عن الواقع كوسيلة تعبيرية. فهو قد يرسم الناس كعرائس عديمة الملامح كتعبير عن فكرة لديه. و هو يرسمهم كذلك ليس لأنه غير قادر على تصويرهم على نحو واقعي، بل لأنه يقصد تصويرهم كعرائس عديمة الملامح. يمثل الرسام بوتيرو (Botero) والرسام ريڤيرا (Riviera) نموذجين لهذه الحالة.
3. فى الحالة الثالثة يريد الفنان أن يكون لأعماله طابع (style) يميزه عن غيره، حتى تكون لمنتجاته “ماركه” متميزة (brand). أي أنه يبتعد عن الواقعية كهدف فى حد ذاته، وليس لأن ذلك يضفى على المنتوجة الفنية معنى أو مغزى تعبيري مقصود. فى هذه الحالة يقول النقاد إن الفنان يعطى ‘الشكل’ أولوية أعلى من ‘المضمون’، أو أنه يبغى “الشكل من أجل الشكل.” وفى العادة لا يعتبر هذا شيئاً جيداً.
4. فى الحالة الرابعة، (وبعض الظن إثم،) يفتقد الرسام أو النحات المهارات اللازمة للتصوير الواقعي، و يتظاهر بأن فشله فى التصوير أو التشكيل هو طابع (style) متميز أو طراز مبتكر.

هذه هي الأسباب الرئيسية الأربعة (*) التى تؤدى إلى الحياد عن الواقع فى الفنون التشكيلية. أذكرهم هنا من باب التحليل والتقصى، وليس بهدف التقييم أو إصدار الأحكام.

من الصعب على النقاد، ناهيك عن جمهور المشاهدين، التمييز بين تلك الحالات. هل رسم پيكاسو (مثلاً) لوحاته التكعيبية لأنه يرى الطبيعة على هذا النحو؟ أم أنه إستعمل التشويه (distortion) كأداة تعبيرية لتوصيل فكرة معينة؟ (وما هي يا ترى تلك الفكره؟) أم أنه إختلق أسلوباً غريباً لغير ما سبب سوى الإختلاف عن غيره، (أي كحيلة تجارية)؟ ما يمكننا قوله بالتأكيد هو إنه لا ينتمى للحالة الرابعة، فهو قد أثبت تمكنه من تقنيات الرسم الخطي (drawing) والرسم بالدهانات (painting) قبل أن يبتكر أسلوبه التكعيبي (**).
_________________________
*) هناك حالة خامسة تنطبق فقط على الفنون التطبيقية حيث يحيد الفنان عن الواقع بسبب إمكانيات الوسط والخامات، أو طبيعة المنتوجة. على سبيل المثال – عندما يستوحى الفنان التطبيقي زهرة اللوتس فى تصميم أباجوره، فهو يغير شكل الزهرة ليناسب وظيفة و تركيب الأباچورة.
**) أتحدث عن پيكاسو فى هذه الفقرة على سبيل المثال فقط، وليس للتركيز عليه. وهو مثال جيد لأنه معروف على نطاق واسع.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫7 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى