كتّاب

” موعظة الجبل وما فيها !! “…


” موعظة الجبل وما فيها !! ”
بـقـلـم أبانـوب فـوزي:

– أتت هذه الموعظة السامية في بشارة مُعلمنا متى الرسول، وأعطاها إهتمامًا كبيرًا ؛ فـكتبها في ثلاث إصحاحات من بشارته، من الاصحاح الخامس إلي السابع، بعد أن تكلم في بداية إنجيله عن المسيح الملك مُستشهدًا ومُقتبسًا من نبوات العهد القديم ما يُثبت ويؤكد ذلك، فأراد بالروح القدس أن يسرد لنا ليُعرفنا أكثر ويكشف لنا عن دستور هذا الملك الجديد، فكان الدستور الإلهي هو (موعظة الجبل) التي أسموها الآباء “بـدستور المسيحية”
فلا يُمكن أن يكون أحد مسيحيًا إلا وطبقها وعاش بها.

– لم يأتي مسيحنا القدوس من أجل خلاصنا فقط ؛ بل من أجل تعليمنا أيضًا، مُبتدءً بنفسه كـقدوة ومثال لنا،
فأتى ليُكمّل كُل بر – ولكي يأخذنا معه نحو طريق الكمال – وليُكمّل نقائصنا وما عجزنا بضعفنا في تنفيذه أو استيعابه – أتى ليرتقي ويسمو بالبشرية – فكانت تعاليمه غريبة عن الآذان ولم تُسمع من قبل، فمن كان يقدر مثلًا أن يستوعب أن يُحب عدوه بل يغفر ويُصلي له؟!

– هذه الموعظة لم تكن مُجرد كلمات نقرأها وننبهر بها فقط ونستعرض بها على من يفتقدونها ؛ بل هي حياة فعلية يعيشها كل إنسان مسيحي تنعكس وتظهر في تعاملاته وسلوكه مع نفسه ومع الآخرين في تقديم المحبة لهم، فـكُل مسيحي يعلم جيدًا بالمسؤولية التي كلفنا بها السيد المسيح له المجد حينما قال لنا: “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. و”أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وأيضًا حينما قال: “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” فإننا سُفراء لمسيحنا يرى العالم ما نفعله فنُخبر به فيعرفوه أكثر، ونُقدم أعظم خدمة وكرازة صامتة دون أن نشعر.

– من أراد أن يعرف المسيحية فليقرأ وليبدء بالموعظة على الجبل، فإن ما جاء بها من تعاليم لا يُمكن أن تقترن بغيرها، لأن لا يوجد تعاليم تُماثلها على وجه الأرض، ولم تأتي تعاليم أسمى من تلك الموعظة حتى أؤمن بها وأتبعها، فهي منهج راقي يصلح إستخدامه والنهج به في كل الأزمان ولكل الأجيال، فـكُل الكتاب صالح ونافع العمل به في كُل زمان ومكان، فالـمسيحي الذي كان في القرن الأول هو ذاته المسيحي الذي يعيش في القرن الحادي والعشرين لم ولن يتغير أبدًا مهما حدث.

– سِلم المسيحيين وحُسن أخلاقهم وأمانتهم ومحبتهم لجميع الناس وكل ما فيهم من قيم وصفات طيبة ونبيلة نادرة الوجود، سبب كل هذا يعود إلي الموعظة على الجبل التي من المُمكن أن يراها البعض عادية ولا تحتاج لكل هذا التضخيم، ولكن بالحقيقة كل من قرأها وعاش بها أصبح إنسان سوي لا يضُر ولا يؤذي غيره بكلمة أو بفعل، فمن يُحب لا يعرف الشر أبدًا، فكل العالم بحاجة إلي تلك التعاليم، والعالم كله يفتقد هذا المنهج والدستور الذي يجعل المسيحيين يعيشون بكل هذا السِلم والهدوء والسلام برغم ما يُقابلهم من ظلم أو إضطهاد وقسوة عبر كل العصور والأزمنة.

– نفتخر دومًا بتعاليم مُخلصنا ومُعلمنا الصالح، فـبسلطانه الإلهي أضاف على الشريعة وسمى بالجموع من وصية
“تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ.” إلي وصية “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ.”
وهي أعلى وأعظم درجات الحب، فأي إنسان يقدر أن يُحب عدوه؟! ، في قانون من نتبعه (الأقوى هو الذي يغفر ويُحب)
عكس قانون هذا العالم الذي دمر حياة كثيرين وأفقدهم إنسانيتهم ومحبتهم من أجل الصراع والقوة والأنا.

– محبة أعدائنا ليس شيء مُستحيل وغريب علينا كـمسيحيـين، لا أرجع إلي التاريخ القديم ربما لا يُصدقه الجميع، فأرجع إلي تاريخ عصرنا الحديث هذا، فجميعنا رأينا أُسر الكثير من الشهداء وهُم يغفرون لمن قتلوا أولادهم وأزواجهم ويشكرونهم على أنهم صيروهم ” شهداء ”
وكل هذا مُسجل وموجود في جميع وسائل الميديا والإعلام، فنحن لا نُزايد ولا نُضخم الأمور؛ بل هذه هي حقيقة إيماننا، إيماننا الذي علمنا أن نُحب ونُسامح ونُصلي لمن يضطهدنا ويسبنا ونبارك من يلعنا ويشتمنا، وجعلنا كما نحن لم نتغير مُنذ ألفي عام وإلي يومنا هذا وإلي أخر الدهور.

– تعاليم موعظة الجبل لا يحتقرها ويُقلِل منها ويراها عادية إلا جاهل لم يعرفها بالحق ولم يملئ قلبه ويعرف إلا الشر والسوء، فتعاليم مسيحيتنا هي أرقى تعاليم عرفناها وعشنا بها، فلم تجعل منا قاتلين وفاسدين وسارقين وزناه وأشرار ومجرمين ومدمرين ؛ بل مُحبين مُسالمين مُتسامحين.

– موعظة الجبل وما فيها، منهج يصلُح لإصلاح جميع البشرية ولإرجاع إنسانيتنا التي فُقدِت وتلوثت بتعاليم هذا العالم، هي رسالة ودعوة للمحبة والسلام مع جميع الناس، ورسائل مُفرحِة ومُطمئنة لقلوب الحزانى، ومصدر تعزية وراحة لنفوس المُتضايقين، ودستور أخلاقي ومثالي للإنسانية يُمكن لأي دولة أن تستعين به وتلجأ إليه لأنه صالح لكل زمان ومكان، كنز للفضائل والصفات التي كادت أن تكون مُنعدمة تمامًا من العالم كله، تعاليم تُدرس في حقوق الإنسان وإحترامه، دليل لوجود أسمى وأصعب درجات الحب والمحبة في إنجيلنا، تعاليم للكمال والصلاح على الأرض، تعاليم بالحقيقة لا يوجد مثيل لها، والكلام عنها يطول ويصعب جدًا ولن يُوفي ويُكفي حقها، ويتضائل أمامها كُل لغات التعبير.

– لولا وجود المسيحيين في العالم وإظهار نورهم بأعمالهم الصالحة لكان العالم كله فسد وأنطفئ وبقي في ظلام حالك يسوده وفي إحتياج لهذا النور الذي يُضيء الظلمات ويلمس القلوب المُتحجِرة فـتلين، هذا النور هو نور مسيحنا الذي ينعكس ويظهر علينا نحن الغير مُستحقين.

– وأعظم ما قدمته هذه الموعظة لخدمة المجتمعات والأوطان أنها لم تُخرِج مسيحي إرهابي يُدمر ويُخرب باسمها.

– جميع الناس يرون تلك التعاليم السامية حينما يتعاملون معنا ويرون أننا صورة حقيقية للمسيح الذي أتانا وعلمنا بهذه التعاليم، فـنحن نُمجد الله من خلال كل تصرف نفعله وكل كلمة نتفوه بها، وكثيرون عرفوا وآمنوا بالمسيح مُخلصنا من خلال تنفيذنا ” لموعظة الجبل” التي يقفون أمامها بذهول وإنبهار من عظمتها ورُقيها .. هذا وكفا!

#أبانوب_فوزي


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Abanoub Fawzy ابانوب فوزي

شاعر ـ كاتب قبطي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى