.. ولكن عمّ اعتذر القرني؟…

.. ولكن عمّ اعتذر القرني؟
ــــ
سببت “الأخبار” التي تحدثت عن اعتذار عائض القرني عن ماضيه الحركي “الصحوي” جدلاً واسعاً. على مستوى الإنتلجنسيا السعودية قال مثقفون إنه اعتذار غير كاف، وردد آخرون: خطوة جيدة متأخرة. مثقفون وفنانون كتبوا متسائلين: ما جدوى ذلك بعد أن فعلت فعلتك؟

ولكن عمّ اعتذر القرني، في الأساس؟
من خلال البرنامج الحواري “الليوان” تلقى القرني أسئلة ذات طبيعة استخبارية. بدا مرتبكاً بعض الشيء. في الجزء الأول دافع عن “الصحوة”، التي كان أحد نجومها ال “٢٥”، إلى حد ما. استمر اللقاء ٨٠ دقيقة. خلال ذلك الوقت الممتد اعتذر الرجل عن هذه الأشياء:
١. عن الروح الثورية [هكذا جاء في اللقاء] التي ميزت شباب الصحوة، والتي دفعت كثيرين منهم إلى تبني مواقف تخريبية مثل الربيع العربي.

٢. عن سعي شباب الصحوة إلى الخوض في شؤون الدولة. قال إن “جيل الصحوة” كانوا يعترضون على بعض تصرفات الدولة ويبالغون في نقد أخطائها. كرر القرني هذا الاعتراض قائلاً إن السعودية بلد إسلامي، وأن خيار المرء في البلد الإسلامي “الطاعة في المنشط والمكره”. أنكر أي حديث عن الحق السياسي للمواطن، وقال إن الملك عبد العزيز صنع دولة من قبائل مشتتة، وأن له بيعة على عنق كل مسلم سعودي.

٣. قال إن الصحوة كانت ساقية صبّت فيها تيارات إسلامية كثيرة منها الإخوان المسلمين. أفرد للإخوان المسلمين مساحة خاصة بالنقد. في تقديره تكمن معضلة الإخوان المسلمين في كونهم يذهبون إلى البرلمانات ويتركون القبور والشركيات. قال إنه زار ٤٠ بلداً في العالم ووجد فيها الإخوان المسلمين ساهين عن حرب العقيدة، منهمكين في السياسة والانتخابات. كان حاسماً في نقده للإخوان المسلمين، إذ تكمن واحدة من مشاكلهم المنهجية [كما قال] في مخالفتهم لابن باز. ذلك ما جعلهم مجموعة خطِرة على كل البلدان.

٤. اعتذر عن تجاوز شباب الصحوة لكبار العلماء، واعتدادهم بأنفسهم وثقافتهم كونهم [فقهاء واقع] كما أطلقوا على أنفسهم. معضلة جسيمة، يقول القرني، أن لا يخضع الشباب المتدين لفتاوى كبار العلماء.

٥. اعتذر عن المرحلة التي لم يكن فيها ملتزماً كل الإلتزام بتعاليم “شيخ الإسلام المجدد” محمد بن عبد الوهاب، وعن كونه لم يكن وهابياً كما يجب.

٦. اعتذر عن الأموال التي أخذها من قطر، والمديح الذي كاله لأردوغان، وقصائده الأفغانية التي أداها خدمة لسياسة الملك.

٧. كما اعتذر لإنه في فترة من الفترات أخذه حماس الشباب (بحسب كلماته) وذهب بعيدا ولم يعط الشركيات والقبور حقها من الجهاد.

٨. اعتذر عن موقفه من تواجد القوات الأميركية في الخليج، أعاد هذا الاعتذار أكثر من مرة.

وقبل أن ينتهي الحوار قال مبتسما وهو يرفع يده:
من الآن وصاعدا أنا سيف بيد الدولة.

من الملاحظ إن اعتذار القرني صب في ساقية واحدة: الامتثال الإجباري للحاكم. وهو بهذا يتراجع عن السلفية الصحوية [الحركية، السياسية] إلى السلفية الولائية، أي عن السلفية التي تعترف بالسياسة إلى تلك التي تعتبرها خيانة عظمى. لقد اعتذر الرجل عن “تطوره”، وحسب.

لفت انتباهي أن مثقفين سعوديين معروفين امتدحوا تلك الأوبة ، أوبة السلفي عن أفكاره السياسية، وأشادوا بذهابه إلى بيت الحاكم ليقدم ولاءه غير المشروط.

ثمة مشكلة مركبة فيما أقرأه كل يوم، أعترف بعجزي التام عن فهمها.

كما قلت سابقا،
يمثل الإخوان المسلمون واحدة من المشاكل العويصة، وهم مسؤولون بشكل مباشر عن انهيار الربيع العربي. غير أن القول إن مشكلتهم تكمن في انخراطهم في السياسة أو في عدم امتثالهم للتعليم الوهابي.. هو مقاربة انتحارية في سخافتها.

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات