كتّاب

رمضان ومشاوير البهجة…


رمضان ومشاوير البهجة
بدائع الجوامع
المسجد شعار الإسلام وعلامته المميزة، وقد ورد في الحديث “إن من بني لله مسجدًا، ولو كمفحص قطاة، بني الله له قصرا في الجنة”، ومن هنا فقد تنافس الأثرياء والحكام في بناء المساجد، وليس كل مسجد جامع،
فالمسجد هو كل مكان تقام فيه أي من الصلوات الخمس، ويسجد فيه المسلمين، كبيرًا كان أو صغيرًا، أما الجامع فهو المسجد الرئيسي في المدينة – أو المصر بلغة مسلمي العصور الوسطي- وهو المكان الوحيد الذي تقام فيه صلاة الجماعة يوم الجمعة، ويسمي جامع الخطبة، ويصلي فيه الحاكم واليا كان أو خليفة أو سلطان ويدعي له في الخطبة، أي أنه جامع الدولة الرسمي، وبالتالي كان من الطبيعي أن تتعدد المساجد في المدينة الواحدة، ويظل فيها جامع واحد
وظل الأمر كذلك حتي أغلق صلاح الدين الأيوبي”السنى” الجامع الأزهر، بعد زوال الخلافة الفاطمية “الشيعية” واستصدر فتوي بجواز إقامة الجمعة في جامعين في مدينة واحدة ، حتى لم يعد الناس يميزون بين كلمتى مسجد وجامع، خاصة بعد أن أصبح عدد سكان القاهرة يعادل عدد المسلمين كلهم في نهاية القرن الأول لهجرة الرسول”ص”
ولقد أهتم سلاطين المماليك فى مصر (1250-1517) ببناء الجوامع اهتماما كبيرا، تخليدا لذكرهم، ربما تعويضا لهم عن أصولهم المجهولة ولأنهم ليسوا من ابناء البلد ولاينتموا لقبائل كبيرة وشهيرة، وتكون مثلى لأجسادهم بعد الموت، بل وأهتم أمراؤهم أيضا ببناء الجوامع الباذخة، ولتعدد الجوامع وانتقال الجمعة من جامع لآخر مع استمرار الدور التعليمى لها فقد غلبت عليها وظيفتها كمدرسة، وكثيرا ما يتحدث الجبرتى وغيره عن مدرسة برقوق ومدرسة السلطان حسن وهكذا
المهم أنه رغم الدور السياسي والتعليمى و«التعبدي» للجوامع، فإنها لم تحرمنا من الكثير من بدائعها وطرائفها،
فهناك جامع “عمرو بن العاص” بناه سنة 642، والذي يعتقد المصلين المسلمين أنه سوف يطير بهم إلي الجنة في إحدي الجمع، التي علمها عند ربي.
وهناك جامع “السلطان حسن” بدأ بنائه سنة 1356، الذي اعتمد السلطان في بنائه علي سلب الكثير من أبواب ورخام بعض الأبنية والمساجد الأخري، فأطلق عليه الناس وقتها “المسجد الحرام”.
وهناك مسجد الأمير المملوكي “عبدالغني الفخري” من أمراء السلطان المؤيد شيخ، بناه سنة 1418، على ضفاف الخليج المصرى شارع بورسعيد الآن، والذي دفن بصحنه المكشوف بناته العذراوات السبع بعد أن قضين نحبهن فى وباء، فاستقر في ضمير العامة أنهن قد اخترن ليكن زوجات لمن اختارهم الله في سمائه، ومن هنا فقد راحت كل راغبة في الزواج تحرص علي زيارته يوم الجمعة وتمر من بين السجود، لتلقي فى صحنه المكشوف ورقة فيها اسمها، حتي غلب عليه اسم “جامع البنات”
وعندما قال أحمد بن طولون سنة 877، لمهندسيه: أريد جامعا، إذا احترقت مصر بقي، وإن غرقت مصر بقي، فأشار عليه المهندسون بالطوب الأحمر، ويقال إنه عندما ضبط وهو يلف شريطاً من الورق علي أصبعه، ولم يكن يعبث أبدًا، قال لهم: أريد مئذنة كتلك الورقة، فكانت مئذنته الفريدة “الملوية”
وهناك جامع الناصر محمد بن قلاوون بدأ بنائه 1296، الذى يعد عهده العهد الذهبى لدولة المماليك وتولى السلطنة بعد أخيه الأشرف خليل ولكنه لصغر سنة (9 سنوات) خلعه العادل كتبغا وتولى السلطنة وراح يؤسس لجامعه بجوار جامع المنصور قلاوون، ولكن المنصور لاجين خلعه ونفاه وسرعان ماقتل وعاد الناصر محمد من منفاه ليستولى على حوائط جامع لاجين ويستكملها باسمه ويبنى فيها أول مأذنة فى الجوامع، ويستولى على الباب الذى سبق وانتزعه أخوه الأشرف خليل من كنيسة “القديس أندرياس” التى بناها الصليبيين بعد فتحه عكا، ليكون بابا قوطيا لكنيسة كاثوليكية من عكا مدخلا فريدا لجامع مملوكى بالقاهرة
أما جامع الفكهاني، بمدخل “خوش قدم” بالغورية والذي بناه الخليفة الفاطمي الظافر، سنة 1149،فإنه قد تخرب وتهدم، واتخذ الباعة من جوانبه حوانيت لبضائعهم، ويقال إن صوفيا ذهب إلي بعض هؤلاء وكان بائعا للفاكهة،واشتري منه قنطارا من الفاكهة، وطلب إليه أن يوزع منها لكل من يطلب وفاء لنذر نذره، وراح الرجل يوزع الفاكهة للغادين والرائحين طيلة النهار، وفي آخره جاءه الصوفي يطلب ما تبقي من قنطاره، فوزنه الفكهانى فوجده قنطارا كاملا لم ينقص “خردلة”،فقال الصوفي له: وكذلك يكون مالك إن قمت بتعمير هذا المسجد لن ينقص منه درهما، ففعل الرجل وقام بتعمير الجامع الذي أصبح معروفا “بجامع الفكهاني”
وفي منتصف العصر المملوكي وبعد وفاة السلطان برقوق سنة 1399، حدثت فتنة الأمير “منطاش” التي أدت إلي سجن المملوك الفذ “شيخ المحمودي” في أحد السجون المملوكية الرهيبة والذي يلاصق سور القاهرة الجنوبي بجوار باب زويلة والمعروف “بخزانة شمايل”، وفي ظلمات السجن ومصائره المجهولة، يقسم “شيخ” أنه لو مكنه الله وفرج كربته ليجعل من هذا السجن جامعا فريدا، وقد كانت أبواب السماء مفتوحة،
فخرج “شيخ” ليصبح السلطان المؤيد شيخ المحمودي، ويحيل السجن الكريه سنة 1413، إلي جامع عامر يتيه علي الزمان، وتتخذ محافظة القاهرة من مئذنتيه علي برجي باب زويلة شعارا لها، ويتفنن الرجل في بناء جامعه، فيغرس الأشجار المثمرة في صحنه المكشوف،
ويطلق فيها الطيور الملونة، ويملأ فسقيته بماء الزهر والسكر لسقيا المصلين، وهنا إذا أديت صلاة العصر، وتلوت بعدها ما تيسر من سورة مريم، وأخذتك سنة من النعاس وبين جفونك الزهور والثمار والطيور المغردة، فلن يساورك شك في صدق وعد الله لعباده المتقين “بجنات قطوفها دانية”
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى