كتّاب

علي البخيتي | الجنة والنار مفهومان مجازيان؛ لا وجود حقيقي لهما؛ ولن يعذب

علي البخيتي:

الجنة والنار مفهومان مجازيان؛ لا وجود حقيقي لهما؛ ولن يعذب الله أحد أو يجازيه في حياة أخرى؛ اُستُخدم المفهومان للترغيب والترهيب؛ لعدم قدرة الدولة أو أنظمة الحكم البدائية بذلك الزمان من ضبط الناس ودفعهم لعمل الشيء الذي يراه النظام انه في مصلحته؛ فوضِعت تلك المفاهيم لترغيبهم وترهيبهم من مخالفة القواعد ليتفرغ رجال الدين والسلطة في حينه للاستمتاع والاستئثار بالحياة وملذاتها؛ فيما البسطاء ينتظرون حظهم في تلك الأوهام والخرافات.

هناك جنة ونار حقيقيتان؛ لكنهما موجودتان على الأرض؛ فالدول التي آمنت برسالة الله الحقيقية؛ ألا وهي "العقل" وما نتج عنه من منطق ومعرفة وعلوم تجريبية؛ وتخلصت مما في كتب وأساطير وخرافات "النقل"؛ وصلت لمرحلة تمكنت فيها من توفير رغد العيش والأمن والحرية والمواطنة المتساوية والحياة الكريمة لمواطنيها؛ وبشكل أفضل بكثير مما يتم وصفه عن الجنة المزعومة؛ والتي تم وصفها في ذلك الزمن من بدو في صحراء قاحلة؛ كان اللبن والعنب عندهم ثروات قيمة بحد ذاتها؛ لذلك كان وصفهم لها محدود الخيال؛ وعندما يزور أحدكم مدينة بترسبورغ في روسيا مثلاً -والكثير من مدن أوروبا- ويشاهد طبيعتها وقصورها التي تجري من تحتها الأنهار يصاب بالذهول اكثر مما لو رأى الجنة التي وصفها سكان الصحاري قبل ١٤٠٠ عام؛ والذي كان همهم النساء واللبن والعسل والنبيذ فقط؛ ولم يفكروا في متع غيرها.

وبزيارة واحدة لمدينة ديزني لاند او جولة للمنتجعات والمدن السياحية والترفيهية في العالم الحديث ستصبح الجنة التي وصفتها كتبنا "المقدسة" مجرد قرية بدائية بسيطة؛ لن يتمناها أحد ممن زار مدن الترفيه الغربية الحديثة والمنتجعات المائية ومدن الألعاب العملاقة التي تشعرك بالذهول ويتضائل أمامها كل وصف للجنة في كتب عرب الصحراء العاشقون لبياض النساء وبالأخص صغار السن ذوات الكعوب "النهود" البادية في الظهور والكؤوس المملوئة بالخمر (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34).

كما أن الدول التي لا تزال غارقة في الخرافة والموروث الديني القديم وكتبها المقدسة تعيش في نار حقيقية؛ وتعصف بها الفتن والحروب الطائفية والمذهبية؛ ويذبح أبنائها كل منهم الآخر؛ وتتشرد شعوبهم في بقاع الأرض؛ ويموتون في بحارها غرقاً وهم يسعون للفرار الى دول "الكفار" بحسب وصف رجال الدين لها؛ وهذه هي النار بشحمها ولحمها؛ وحتى الدول الغنية منها تقهر مواطنيها وتمنعهم من حريتهم في ابداء رأيهم ويعيشون مسحوقين مقموعين من أجهزة المخابرات؛ وتصبح ملايين بل ومليارات الدولارات التي يملكونها غير ذات جدوى وتتضائل قيمتها عندما يعتقل ويهان أحدهم في بلده؛ ويتمنى حينها لو انه مجرد مواطن عادي في دولة من الدول التي قدست الحرية والديمقراطية والعقل والمنطق والعلم والمعرفة؛ لذا نجد ان الأثرياء العرب من الدول الغنية يسارعون للحصول على جنسيات تلك الدول التي تمثل لهم الجنة الحقيقية.

إن مفهوم الجنة استخدم للضحك على البسطاء والسيطرة على الجموع ليتمكن رجال الدين والسياسة من الاستئثار بحظهم من متع الحياة وإيهامهم ان حقهم محفوظ في الحياة الأخرى؛ فيما رجال الدين والسياسية الذين يبيعون لهم تلك الخرافات يأخذون حقهم في الحياة الحالية؛ لأنهم أكثر من يدرك حقيقية الخرافات التي يبيعونها للعامة والمغفلين؛ ولو كانوا مصدقين لها لكانوا أول من عاش حياة بسيطة وذهبوا لجبهات الحرب ليقاتلوا ليكونوا "شهداء" ويدخلوا الجنة المزعومة؛ لكنهم يرسلون غيرهم من العوام والفقراء والأغبياء والسذج ليموتوا فيما هم وأولادهم يعيشون رغد الحياة وجنتها الحقيقية في الدول الغربية وتركيا؛ ويكتنزون ما يمكنهم واولادهم من بعدهم لمئة عام من العيش ملوكاً؛ ويدرسون ابنائهم في أفضل جامعات العالم فيما يرسلون ابناء غيرهم ليكونوا وقوداً لحروب وصراعات وفتن مختلفة.

تخلصت الكنيسة المسيحية الكاثوليكية من تلك الخرفات مبكراً؛ لكن أوضح تصريح صدر من البابا بنديكتوس السادس عشر مع مطلع عام (2014) حول جهنم باعتبارها مكان تعذيب وانتقام الله من الكافرين وممن عصاه؛ قائلاً أن (الكنيسة لم تعد تعتقد في الجحيم حيث يعاني الناس)؛ وقد خلقت تصريحاته نقاشاً وجدلاً كبيراً لدى كل من اطلع عليها أو سمعها؛ ذلك أن التصريح ليس تصريح رجل عادي؛ وإنما هو تصريح رئيس الهيئة العليا لإدارة الكنيسة الكاثوليكية ومن رئيس الكرسي الرسولي شخصياً ورأس دولة الفاتيكان؛ والذي قال فيه أيضاً: (إننا من خلال التواضع والبحث الروحي والتأمل والصلاة؛ اكتسبنا فهماً جديداً لبعض العقائد التي كنا نؤمن بها؛ والكنيسة اليوم لم تعد تعتقد في الجحيم "النار" حيث يعاني الناس؛ هذا المذهب يتعارض مع الحب اللّامتناهي للإله؛ الله ليس قاضياً ولكنه صديق ومحب للإنسانية؛ الله لا يسعى إلى الإدانة؛ وإنما فقط إلى الاحتضان؛ ونحن ننظر إلى الجحيم (النار) كتقنية أدبية مجازية؛ كما في قصة آدم وحواء).

تخلصت المسيحية من الخرفات التي في أناجيلها المقدسة؛ واعترفت بشكل غير مباشر ان عيسى لم يكن رسول من الله وان أقواله ليست وحياً؛ وأنها كانت استعارات أدبية من "مصلح اجتماعي" لدفع الناس لعمل ما هو مطلوب منهم وما يعتقد أنه صواب في ذلك الزمن.

واكبت الكنيسة المسيحية تطور المجتمع البشري فيما مؤسساتنا الدينية لا تزال غارقة في وحل عميق من الأساطير والخرافات والدجل والعقائد البائدة والمتخلفة؛ ولا تزال جامعاتنا تمنح شهادات عليا في قضايا مضحكة وتفاصيل ساذجة وابحاث تقلب في كتب مضى عليها أكثر من الف عام وتعيد إنتاجها بأشكال جديدة؛ ولذا سنبقى في ذيل القائمة في كل المجالات طالما تمسكنا بـ "النقل" من كتب وآراء من ماتوا قبل مئات السنين؛ ولم نؤمن بعد أن رسول الله الوحيد لبني البشر هو "العقل" لا سواه؛ وكتابه المقدس الوحيد هو "البحث العلمي".
#صحيح_البخيتي
????| علي البخيتي| ٤ نوفمبر ٢٠١٩

علي البخيتي | ناشط سياسي اجتماعي | على السوشل ميديا
[elementor-template id=”190″]

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى