توعية وتثقيف

المصداقية (Credibility)…


المصداقية (Credibility)

المعتقدات بطبيعتها تتطلب الإستسلام الفكري غير المشروط، و تردع المؤمن عن الشك و التساؤل. لذلك فهي بطبيعتها تربة خصبة للخرافات بشتى أنواعها. أغلب تلك الخرافات تجافى العقل و المنطق بوضوح كافى، (حتى لمن لم تمنّ عليه الطبيعة إلا بقدر متواضع من الذكاء،) لكن التركيبة الإجتماعية تتولى تشكيل العقول منذ نعومة الأظافر، حتى إذا ما بلغ الإنسان سن الرشد أصبحت تلك الخرافات جزءاً لا يتجزأ من كيانه مثل لغة الأم و الفول المدمس و الرز باللبن.

لذلك يتطلب التملص من الخرافات الموروثة قدراً من الذكاء و المعرفة و الشجاعة نادراً ما يتوفرون معاً فى شخص واحد. الشخص الذى لديه الذكاء قد تنقصه الشجاعة، و من لديه الشجاعة قد ينقصه الذكاء، و من لديه الإثنان قد يكبله الجهل. و هذا يفسر ندرة المتمردين على الخرافة فى كل زمان و فى كل مكان.

هذا المتمرد النادر، إذا كان أصيلاً، يرفض الخرافة أينما وجدها، سواء فى معتقدات الآخرين أو فى معتقدات ملته. لكننا نجد نوعاً من “المثقفين” يكرس نفسه لتفنيد خرافات الطائفة الأخرى و يغمض عينيه تماماً عن خرافات طائفته. هؤلاء هم موضوع هذه المقالة.

ها هو أحدهم يتهكم على الحصان الذى طار و لا يتعجب على الحمارة التى تكلمت، (أو العكس)؛ أو هو يسخر من العلاج ببول البعير بينما لا يجد غرابة فى العلاج بالزيت المقدس (أو العكس)؛ أو هو لا يصدق أن عرش الإله قد إهتز عند موت سعد بن معاذ، بينما لا يرى غضاضة فى أن كاهناً نقل جبل المقطم من مكانه … و هكذا.

إذا كان هذا “المستنير” يخاطب طائفته، فهو فى ذلك مثله مثل “الكاهن الذى يعظ للشمامسة” – هم فى صفه أصلاً و لا يحتاجون لمواعظه، (اللهم إلا لدغدغة حواسهم و التلذذ بإهانة خصومهم.) أما إذا كان يخاطب الطائفة الأخرى، فهم لا يرون فيه سوى شخص متعصب لدينه يحاول تقويض عقيدتهم لصالح عقيدته. أي أن مصداقيته عندهم تساوى صفر (*).

خلاصة القول – إذا لم تكن لديك الأمانة و الجرأة على إنتقاد الخرافات أينما وجدتَها، بما فى ذلك، (و بالأخص،) الخرافات التي نشأت عليها، لا تتعب نفسك فى إنتقاد خرافات الآخرين! فهم لن يقرأوا ما تكتبه و لن يسمعوا ما تقوله، و سيكون سعيك كسعي من ينفخ فى قِربة مقطوعة.

فى هذه الأمور المصداقية هي كل شيئ، و من ينتقى من الخرافات ما يعجبه وما لا يعجبه ليست لديه مصداقية.
__________________________
*) و ربما أقل من الصفر … لأن صراع المعتقدات عند المتدينين هو صراع صفري المحصلة، و كل من ينتقد معتقداتهم يبدو لهم أنه يفعل ذلك لنصرة دينه هو، و ليس لنصرة العقلانية.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫24 تعليقات

  1. على الاقل ليكن لك الامانة والجراءة على طرح سوال عقلانى ضد الخرافات ..او ان تكون محايدا …وتحترم حق غيرك فى امتلاك الخرافة ….

    حتى هذه صعبة على البعض

  2. للأصدقاء الذين وجدوا أجزاءً من هذا البوست جارحة لمشاعرهم، أنصحهم بقراءة موعظة الجبل (متى ٧)، لا سيما النص الآتى: «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا ٢ لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. ٣ وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ ٤ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ. ٥ يَا مُرَائِي أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!

  3. انا لي رأي اتخذته عندما تقدمت في السن وتعبت من بذل المجهود هباءا..
    لم اعد حتي احاول نقاش من يعتقد ان الحصان طار او ان الحمار تكلم والجبل تحرك…والي اخره
    انتهت بي التجربه انني لن اغير فكر من تذهب الي الدجالين ليعود اليها من تركها
    وان اعيد صواب من اعتقد ان جارتها حسدتها
    ولا بد ان اعترف ان قراري هذا جلب لي راحه وهدوء نفسي

  4. تمام خالي العزيز أتفق معك تماما.لكن بماذا نؤمن؟ هل نتفق علي ألا نتفق ونعيش في سلام أو نظل طول العمر نبحث عن ما يجب أن نؤمن به. جوهر جميع الأديان به خرافه أو معجزه لاتنتمي إلي عالمنا المادي الذي نحياه. وحول هذه المعجزه أو الخرافه مجموعه من التفسيرات والتحليلات التي يتكون منها معظم الدين أو المعتقد.

  5. من المستحيل ان تقنع بالمنطق، من يؤمن ايمانا مطلقا بغير أى منطق، و من هنا فإن من فى عينه (خشبة) يُحَفِّل على القذى الذى فى عين أخيه، و من هنا جاء القول الساخر: “انزع الخشبة من عينك أولا، حينئذ تبصر جيدا لكى تنزع القذى من عين أخيك”

  6. لا اتفق مع ماجاء به لسبب بسيط هو ان مخرجات العقائد اونتائجها او تاثيرها علي افرادها هي التي يجب ان تكون المعيار الاول لاصحابها وليس بالمحتوي.ثمر الشجرة هو كينونتها وليس ورقها او ظلها..

  7. توضيح لتجنب إساءة فهمي. عندما احترمت الإيمان بالخالق كاعتقاد وجداني (غير معرفي). لم اصنف الاعتقاد فيما عدا في الخالق ضمن الإيمان ولم اعتبره جديرا بالاحترام. الاعتقاد في الخرافة لا يأتي من تجربة وجدانية/صوفية mystical ولكن من التقليد والتلقين. لهذا اعتقد الفلاسفة حتى القرن ١٩ (بإستثناء هيوم) في وجود خالق وسخروا من الخرافات ولم يعتقد اي منهم في ديانة تقليدية. د. فريد يعرف رأيي هذا لكن بعض القراء قد لا يعرفوه وهذا التوضيح موجه لهم.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى