كتّاب

ترسيم الحدود مع الحوثيين قبل فوات الأوان…


ترسيم الحدود مع الحوثيين قبل فوات الأوان
______________
مروان الغفوري
يونيو، 2014

بمقدور الشخص أن يخمن ماذا يريد الحوثي. لكن الحوثي غير قادر، حتى الساعة، على إدراك ماذا يريد بالضبط. أو على الأقل: على شرح حقيقة ما يريده.

يقود الحوثي جماعة دينية مسلّحة تستند إلى فكرة مركزية “الحوثي مجدد النبوّة”. قال نجل الراحل شرف الدين، الذي اغتاله تنظيم القاعدة في صنعاء بحسب وزارة الداخلية، إن لوالده الفضل في صياغة الفكرة على هذا النحو. أي فكرة تجديد النبوة. وأنه قرأ على موبايل والده الراحل مسجّات تخاطب الحوثي بهذا اللقب الإلهي.

هذه فكرة “سينتروفيوجال”، أي قوة طرد من المركز. سيتبقى الحوثي فقط، وعلى الدوام، في المركز. كما سيكون لك الحق في العيش، وفي الرفاه، ما دمت تعتبر المركز من اللامفكر فيه. يصعد الحوثي على المنصة، من وقت لآخر، ليتحدث عن التكفيرين والإقصائيين. أي أولئك الذين يطردون الناس من المركز. وينسى أن يقول إنه إنما يتحدث عن نفسه.

في محاولة منهكة كتب أحد أفراد الأوركيسترا الإعلامية الخاصة بالحوثي عن المرجعية الدينية للحوثي. قال إنه من السخف مناقشتها، مهما كانت تعقيداتها ومنطلقاتها. فما من سبيل لتغييرها. فضّل بدلاً عن ذلك: الخوض في نقاش المشروع السياسي.
ليس للحوثي مشروع سياسي. يكتفي بالمناورة الإعلامية عبر تأييد طرف سياسي أو آخر. أحياناً: مديح الدولة المدنية. أي تلك الدولة التي تتعارض قيمها الصلبة مع الفكرة المركزية التي يقوم عليها النظام الثقافي الحوثي، إجمالاً..

في المجمل، يتحرك الحوثي على هذا النحو: كتلة بشرية كبيرة بلا مشروع سياسي مدني. في القلب من هذه الكتلة هناك شمس كبيرة: المرجعية الدينية. وهي مرجعية مذهبية في الأساس، تشكل العقائد السياسية قرصها الصلب.

الحوثي نبيّ مقاتل. وإذا انتصر النبي سقطت نبوته، كما يقول الراحل القصيمي. فهو يتحول من البكّاء الذي ينحني على الضعفاء والمذنبين إلى الجبار، الذي يخضع الرقاب وينشر الخوف.

حين كان المؤسس لا يزال في مرّان كان يحدث مريديه عن العدل والتعايش. عندما اقترب من العاصمة قال إنه سيقاتل كل العالم. عندما كان في الجبل مع جماعة صغيرة من التلاميذ قال لهم إنه عندما يموت ستبقى كلماته. مات بعد ذلك، وامتلأ الجبل
بالبندقية، ولم تدوّن الكلمات.

منذ أشهر يحاصر الحوثي مدينة عمران، وهي مدينة صغيرة يتجاور فيها الفقراء والبورجوازيون اللصوص. تعرّف الجماعة السلمية، نظرياً، بكونها تلك الجماعة التي لا تسارع إلى خوض الحروب، بل تقضي وقتاً طويلاً في البحث عن الطرق الآمنة للتعايش. الخطاب الإعلامي للحوثي يتحدث عن حروب كبيرة خاضها لأن مسلحين أطلقوا النار على دورية حوثية “ما حدث في همدان، وأرحب، كمثال”.

الحوثي جماعة يمينية مخيفة، بلا عقل. مع مرور الأيام تكدس السلاح والأعداء، وتمتلئ بالكراهية. جاءت الجماعة من التاريخ، وتريد أن تكيف الحقل السياسي على مقاس التاريخ. لا يمكن الإحالة إلى خطاب حوثي، أو مفكر حوثي، استطاع أن يعالج المسألة الديموقراطية فكرياً. كما لا يوجد في أدبيات الحركة الحوثية أطروحات عميقة تدين الطبقية أو تناقش الرأسمالية، أو تشرح الشروط التي أنتجت المشهد اليمني الراهن. يكتفي الحوثي في كل خطاباته بالقول بأن سبب الانهيار التاريخي للأمة، إجمالاً، هو تجاهلها للولاية. أي لأنه لم يكن رئيساً منذ القدم. لا توجد أسباب أخرى، ولا شروح أكثر دقة من هذا. “راجع كل خطابات الحوثي”..

اختار الحوثي السلفية الخصم رقم واحد. أطاح بها. لقد واجهها في حرب مفتوحة. السلفية لا تجيد الحرب سوى عن طريق الخدعة، كالعمليات التفجيرية والاغتيالات “القاعدة مثالاً”. يدرك الحوثي أن مشروعه الديني سينمو في فراغ المشروعات الدينية الأخرى، المنهزمة. لم تتدخل القاعدة لإنقاذ أبناء العمومة، السلفية الحجورية، لعوائق استراتيجية فيما يبدو. عوضاً عن ذلك أدانت الجيش اليمني لأنه تخاذل عن نصرة أهل السنة. كالعادة ذهب تنظيم القاعدة إلى صنعاء ليغتال الحوثي الذي لا يحمل السلاح.

تدفقت الموجة الحوثية بشكل أفقي في النجوع والجرود والقرى. الإصلاح، الحزب
الديني، كان أكثر التشكيلات السياسية اليمنية توجسّاً من حركة الحوثي. من ناحية: يعلم الإصلاح جيداً ماذا يمكن للديانات أن تفعل! من ناحية أخرى: يعلم أن الحوثي، المتدين، قد يتسامح مع اللادينيين، لكنه لن يتسامح مع الحركات الدينية التي تنتج بضاعات منافسة.

يشعل الحوثي حرباً لن تنتج منتصرين. السمعة الخارجية لليمن وصلت حدوداً قصوى من السوداوية “عرضت قناة آر تي إل الألمانية تقريراً من صنعاء واصفة المدينة بأنها أخطر مكان في العالم”. الحوثي يشارك في عزل اليمن عالميا، عزلها عن الكوكب. أصبحت بلداً بلا سفارات أجنبية، بلا شركات أجنبية، بلا مستثمرين أجانب، بلا خبراء أجانب، وبلا سيّاح. إنها الآن، بالمعنى العملي، شبيهة بغابة تقع على تخوم الكوكب، غابة غير مكتشفة. كما عزل الحوثي أهله في مرّان في كهوف خارج التاريخ ها هو يشارك في عزل اليمن كلّياً عن الحضارة البشرية.

كسب الحوثي ما يكفي من الأتباع، ومن الأعداء. في كل يوم يكسب عدواً جديداً وتابعاً جديداً، للدرجة التي ستجعل هزيمته مستحيلة، وكذلك انتصاره. بالمعنى الرياضي: الحوثية هي معادل موضوعي لتلاشي الدولة اليمنية واضمحلالها.
الذين آمنوا بالحوثي، بصرف النظر عن مضامين دعوته وتاريخها الأحفوري، لهم الحق الكامل في العيش الآمن. الذين يخافون من دعوته ومن خيوله لهم الحق الكامل في الحياة الآمنة، الحق في أن لا يسمعوا أزيز رصاصة واحدة في حياتهم.

ككاتب، وكطبيب، وكمواطن .. عندما أتخيل حجم الكارثة التي يسوقها اليمين الأكثر تطرّفاً في اليمن ممثلاً في “النبي المقاتل”، عندما أتذكر الحقوق الوجودية للطرفين: التابع والعدو، أفكر بأمر واحد فقط:
ترسيم الحدود.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫31 تعليقات

  1. الحوثي عامل كذه زي واحد يلعب على النسوان..
    ركبهن على واحدة واحدة وكل واحدة تقول هذا صاحبي وحدي..
    ركب المؤتمر والاصلاح والجيش وعفاش..على واحدة واحدة..
    كيف عملهن ؟؟الله يعلم..

  2. ترسيم الحدود هذا الحل بإعتقادي هو ما تسعي له دول الخليج وهذا ليس بحل نهائي .

    سيفرجها الله والذي هو قادر على كل شيء .

  3. ترسيم الحدود
    هذا مقترح المناظل الكبيرمهندس ثورة 26سبتمبر 14اكتوبر عبدالرحمن البيضاني عندما رئا مكر هضبه الشر ونفاقها
    قال يجب ان نعزل هذة الهضبه عن بقيه اليمن حتى يتادبو ويعرفو ان الوطن للجميع
    ولاكن شوف كيف نهايته سحب جنسيه وتهام بانه عنصري ومناطقي ومعادي للهاشميه
    والمشكله ان اغلب الشعب مصدق

  4. ترسيم الحدود ليس حلا. ..لا للشمال ولا للجنوب …بل هو حل مؤقت للجنوب سرعان ما سيتحول إلى كارثة أعظم على كل اليمن. .. لن نفقد الأمل دكتور. ..ولن يحكم الحوثي اليمن أبدا. ..الحرب مستعرة في حجة وصعدة وكل يوم يفقد الحوثي جزء منها …صحيح المشوار طويل والفاتورة كبيرة لكنها الحل الوحيد لنا كشعب للحياة

  5. مع الحوثي تعود اليمن لمجد حضارتها
    انتم المسقفين و المتسيسين جعلتوا اليمن حضيرة خلفيه للصهاينة خلال نصف قرن من الزمان وانتم تمكنونا سقافه تحاولوا تقنعونا انكم النخبة من البشر والمنقذين للشعب بس الواقع يقول العكس تماما
    يعني كلامك الانشائي فارغ الهدف الذي يحلم به كل يمني حر ومن الرغي لا تنهض الشعوب للاعلي

  6. الحوثي مشروعة واضح وضوح الشمس لكن الي خارج البلد يصفصف شعره اكيد ما بيعرف ، الجماعة سقطوا العود خلال ٧٢ ساعة وفيها خمسة الويه للشرعية والان على مشارف الضالع ، مشروع ولا مش مشروع؟ اين مشروع الشرعية يا طبيب القلوب؟ بعض الاحيان تنطس عليك ههههههه

  7. وكالعاده وصلت لاعند كلمة سينتروفيوجال وبطلت اكمل نشتي كلام عربي لو سمحت ههه لازم تدخلك كلمه كلمتين من هذي في كل مقالاتك عشان تبدو مثقف وبليغ على غير العاده ههه

  8. كان ذلك ممنا عندما كان الحوثي مازال في الجغرافيا التي كنا نظنها حدوده القصوى..
    أما اليوم فقد أصبحنا جميعا ضمن حدوده باستثناء الصحارى التي يشكل هضم مساحاتها الشاسعة عليه تخمة زائدة عن شهيته

  9. لم توفق في مقارنه السنه بالقاعدة
    أهل السنه وأهل دماج وأهل حجور انظف واشرف منك ومن الحوثي
    اتمني ان تعطيني دليل واحد علي أهل دماج
    أنما كانو من دعاه السنه لله ولكتابه ولرسوله

  10. وصف مثالي
    ولكن هل الحوثي هو من يقود المعركة
    الاطراف التى يدعو الحوثي الموت لها بشعاراته هي وراء المعركة
    من غير المنطق ان تظهر بين الفينة والاخرى جبهة ويتم تجاهلها من قبل ما تسمى الشرعية
    وراء الحدود امور لا نفهمها ولا هادى والتحالف يريدون لنا ان نعرف

  11. حتى وإن تم ترسيم الحدود يوما ما فالحرب قد تذهب الى ماوراء الحدود لأن النبي المقاتل يؤمن ان الأرض كلها ملك له لاينازعها عليه الا خائن….

  12. للاسف لا زلت تتحدث عن الحوثي وكأنه وليد اليوم ونبت فجاءة وليس نتاج الف ومائتين سنة هاشمية او لم تجروء بعد حتى من الاقتراب منها ..تحذر من البعوض وتغفل المستنقع المنتج للبعوض وهو الهاشمية
    الى متى يتصلون تزييفون وعي الناس بمثل هذا الخطاب وتخفون الحقائق ؟!
    ام أنكم لم تفهموها بعد؟!
    شيء محير هذه الخيانة للشعب والقراء يا مثقفين

  13. Marwan Al-Ghafory
    #قطاف_خبر
    أنصار الله -بالنسبه لهم- لديهم فكر ومشروع وتوجهه (وبغض النظر) فالحوثي يتعامل هذا المشروع كالتاجر مع تجارته يضع الأهداف والوسائل ويرسم الخطط والخطوات والأساليب وهو فعلاً يسعى لفرضه وتحقيقه.
    #فمتى ماكان هناك مشروع وطني مدني حقيقي نابع عن حاجة الوطن والمواطن يمكن ان ينافس او يتصدر الموقف، ما لم فالمستقبل للحوثيين
    “هذا الواقع وذاك الحل”

  14. Marwan Al-Ghafory
    #قطاف_خبر
    أنصار الله -بالنسبه لهم- لديهم فكر ومشروع وتوجهه (وبغض النظر) فالحوثي يتعامل هذا المشروع كالتاجر مع تجارته يضع الأهداف والوسائل ويرسم الخطط والخطوات والأساليب وهو فعلاً يسعى لفرضه وتحقيقه.
    #فمتى ماكان هناك مشروع وطني مدني حقيقي نابع عن حاجة الوطن والمواطن يمكن ان ينافس او يتصدر الموقف، ما لم فالمستقبل للحوثيين
    “هذا الواقع وذاك الحل”

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى