كتّاب

التطوع بالتعليم.. والمعلم الذى أصبح مجرد ” نفر “:…


التطوع بالتعليم.. والمعلم الذى أصبح مجرد ” نفر “:
يعرف معالى الوزير الذى عمل وتعلم فى أمريكا كيف يمكن أن تختار المدارس معلميها؟: فهناك درجات للمؤهل الأصلى، ودرجة لأى مؤهل يعلو المؤهل الأصلى، ودرجة للخبرات السابقة، ودرجة لنتائج تلاميذه الذى سبق له التدريس لهم، ودرجة لملف خدمته وما يضمه من جزاءات وتحقيقات وشهادات تقدير، ودرجة للعمل الاجتماعى والأهلى الذى قام به، ودرجة للحملات الإنسانية التى شارك فيها، ودرجة للمقالات والأبحاث التى كتبها، ودرجة لشهادات التذكية التى كتبها عنه الخبراء المعروفين، وتتوج الدرجات بدرس تجريبى يؤديه المعلم أمام مجلس الأمناء والآباء، ويأت أخيرا دور التعاقد الذى يوازن بين تلك الإمكانيات والواجبات التى على المعلم أن يؤديها، طبعا قد لا تكون الأمور بهذا القدر من المثالية، ولكن هذه هى المهنة والمهنية0
يعرف هذا جيدا وزير التعليم وعاشه فى أمريكا سنوات طوال، ويعرفه الكثير من الناس، ومع هذا فهو عندما يمارس مسؤليته الوطنية إزاء تعليم أولادنا، فهو يلقى كل ماسبق خلف ظهره ولا يعيره اهتماما، ويكتفى بأن يعلم أولادنا: معلمين بنظام ” الأنفار”.. فمن هم هؤلاء الأنفار؟؟
الأنفار هم ناس بسطاء لا يملكوا سوى قوة بدنية وبعض الأدوات البسيطة، يتخذون أماكن معروفة – ميدان أو كوبرى – بالقرب من أحياء الطبقة الوسطى، يجلسون على الأرصفة تقطر من وجوههم علامات البؤس والفقر، وأمامهم حزمة من الأجنات وشاكوش من نوع “المرزبة”، فى انتظار أن يشير له أحدهم فيتبعه لأنه لديه فى البيت “مّرمة”، تلك المرمة التى قد تكون مجرد أكوام من “الرابش” نتيجة أعمال سابقة فى الشقة وعلى هذا النفر أن يحملها ويرميها فى الخارج، أو حائط تريد بنتى أن ترجع على الطوب الأحمر لمشروع فى رأسها، أو عمل فتحة فى الجدار تسمح بوضع شباك التكييف، أو نقلة رمل وعليه أن يحملها إلى الشقة، وينتهى عمله وتضع يدك فى جيبك وتعطيه ماتجود به نفسك، وقد ينظر إلى الورقة ذات المئة جنيه بأسي قائلا: والله ماينفع يا بيه دانا بقالى يومين ماجبتش ولا قرش، فتضع يدك ثانية فى جيبك وترضيه.
هذا “النفر” لا يعنيك طبعا إن كان ماهرا أو دقيقا، ولا صاحب خبرة، فالعمل الذى ينجزه لا يحتاج مهارة ولا مهنية، ولن تسأل عن أخلاقه فهى لن تعنيك فى شئ، ولن تطلب منه فيش وتشبيه، فكل مايعنيك أن الرجل عمل المرمة ومضى
هكذا تنظر الحكومة إلى مدارس الفقراء وتلاميذها ومعلميها
أرجو ألا تتذكر يا صديقى أنه كان لدينا شاعر عظيم يسمى: “شوقى: وأنه كتب:
قم للمعلم وفه التبجيلا … كاد المعلم أن يكون رسولا
وأرجو ألا تتذكر أنه كان لدينا مفكر عظيم يسمى طه حسين: وأنه كتب: مطالبا بكادر خاص للمعلمين أسوة بالقضاة
، لأنه لو كانت الدولة ترى ضرورة وجود كادر خاص للقضاة لأنهم يحكمون فى قضايا الأفراد، فمن باب أولى كادر خاص للمعلمين لأنهم يحكمون فى قضايا الوطن والمستقبل
فغالبا كان هذان من الكائنات الفضائية التى عادت إلى السماء قرفا وهلعا مما عرفوا أنه سيأتى فى قادم السنين
…………………………..
ملاحظة أخيرة: أرجو ألا يلومنى أصدقائى على وصفى للمعلمين بالأنفار، فأنا لم أعتز فى حياتى قدر اعتزازى بأبى معلم العربى والدين، وعملى مدرس ثانوى للتاريخ لعشر سنوات، ويقينى بأن التعليم لن ينصلح حاله قبل أن ينصلح حال المعلم ويحصل على حقوقه كاملة… فأنا فقط أحاول أن أحافظ على مابقى من تعليم يوشك أن يتلاشى

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى