قضايا المرأة

كان في جزء مخصص دايما في حكايات ستي ليا عن الأرض، كأي فلاحة…


كان في جزء مخصص دايما في حكايات ستي ليا عن الأرض، كأي فلاحة أصيلة كلامها كان طالع بشغف، كان عندها اعتزاز وفخر كبير ان أرضنا كانت بتتزرع قطن، كانت بتحكي عن لوزة القطن بغرام، وفي طفولتي كلامها عن تنويع المحاصيل في نفس الأرض المزروعة قطن وارتباط مواعيد الزواج أو أي مناسبة تانية بالحصاد وبيع المحصول كان مدهش في نظري، وغالبا كانت بتختم حكاوي الفلاحة بامتعاض من فلاحين “اليومين دول”، وبسؤالها عن السبب كانت تقول لي: “أصلهم خايبين بقوا بهوات ومبقوش يزرعوا قطن”، وأنا وقتها كنت مقتنعة برأيها ان الفلاحين بقوا بهوات فعلا 😂

المهم يعني اني من يومين قعدت ساعة مغربية مع بابا في الغيط، وقعد يحكي لي عن جزء من طفولته اللي قضاها في غيطان القطن يجمع “اللطع”، وبعد استفسار عن معنى اللطع طلع المقصود بيها الورقة اللي عليها بيض دودة القطن، كنت فاكرة الأول انه كان بيجمعها مع أخواته وجدي وستي من أرضنا، بس اتضح ان الدولة كانت بتخصص نزل محدد من زمام الأرض الزراعية في القرية لمحصول القطن، وعلى حسب المساحة اللي تخص كل أسرة كانت الدولة تبعت لهم عشان يسجلوا طفل/ طفلة أو ٢ أو ٣ عشان ينضموا لفريق “مقاومة الدودة”، وجدي الله يرحمه كان بيسجل اسم والدي وابن أخته كممثلين عن أسرته.

لما يجي وقت مقاومة الدودة الوحدة الزراعية كانت تلم الأطفال اللي اتسجلوا، عشان تعرفهم الفرق ما بين لطع دودة القطن وبين دودة تانية كانوا بيقولوا عليها “الزرار”، والعلامة الفاصلة ما بين الدودتين ان “الزرار” دي شكلها سداسي ومفيدة للمحصول، لأنها بتتغذى على دودة القطن، يعني صديقة للفلاح، وبعد انتهاء التدريب الخولي يأخدهم ويطلع على نزل القطن من بداية اليوم، يفضلوا يجمعوا في لطع لغاية الضهر وبعدين يأخدوا فترة راحة ساعة أو ٢، والعيال تروح تشوف شجرة ولا حته ضل يقعدوا فيها، اللي يستريح يستريح واللي جايب أكل معاه من داره يقعد يأكل، وبعدين يرجعوا يشتغلوا تاني، وعلى مدار اليوم الخولي كان بيمشي وراهم عشان يتأكد انهم شغالين صح، وللأسف اللي كان بيلاقيه مفوت لطعه كان بيضربه بالخرزانة، وفي نهاية اليوم كل طفل يأخد اللطع يوريها للخولي، عشان يأكد له انه اشتغل فعلا، والخولي يدي التمام للمشرف بتاع الوحدة الزراعية والمشرف يتمم مع المهندس الزراعي.

طول الفترة اللي الأطفال كانوا بيشتغلوا فيها كان لهم أجر، قروش بسيطة طبعا، والخولي لما كان يجي يقبضهم كان بيخصم جزء منها لنفسه، وبعد ما الحكومة تستلم القطن البنك كان يقبض الفلاحين تمن المحصول، وكان بيتخصم منه حوالي ٢ جنية بدل أجور تم دفعها نظير خدمات مقاومة الدودة، وفضل الحال على كدا لبعد ما فارق والدي سن الطفولة بزمن، واستمر الأطفال في مهمة مقاومة الدودة لغاية ما تم استبدالهم بأفراد الأسر الفقيرة اللي مفيش عندهم ملكية أرض، عشان تبقى مصدر دخل لهم طبعا، ثم بدأ الأجراء (الأنفار) في الظهور وكانوا بيتجمعوا قدام جامع الأربعين، في انتظار عمل في غيط فلان أو علان، ثم ظهر مقاول الأنفار وبقى يتولى مهمة توفيرهم، واستمر الحال على كدا لغاية ما الدولة وقفت زراعة القطن في القرية عندي (في السبعينيات أو نصها تقريبا) وخصصت القرية بالكامل لإنتاج الخضروات عشان إنتاجها كويس فيها، وبكدا حكاوي بابا طلعت فلاحين قريتي براءة (عكس حكاوي ستي).

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

آيات عبد الدايم (AyAt Hassan)

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى