كتّابمفكرون

“عودة لأزمة الأطباء والتعليم الجامعي المجاني”…


“عودة لأزمة الأطباء والتعليم الجامعي المجاني”

بعد كتابة المنشور السابق “عن أزمة الأطباء”، والحديث عن مجانية التعليم الطبي في الجامعات المصرية الحكومية، ثار واستنكر الكثير، مقترح الزام خريجي هذا التعليم المجاني، بالعمل في مستشفيات وزارة الصحة لمدة 20 عاما (مثلا)، واعتبره البعض (سخرة) وتجاوز بعض فاقدي المنطق الذين يعوضون جهلهم وضعفهم بالتطاول، وبعضهم نوه عن مقارنات لا محل لها، عموما أنا لا أنزعج من ذلك فمعظم الأصدقاء علي الصفحة مهذبون ذوي عقل وفكر يحترم، وهي فرصة بالنسبة لي لحزف من يعلن عن سوء أخلاقه لإحلاله بالمحترمين.

أعود لفكرة مجانية التعليم عموما في المستوي الجامعي، كان أول من طبّقه هو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1961، هادفا الي نشر التعليم العالي بين فئات الشعب المختلفة، من منطلق تكافؤ الفرص، وتخريج الكوادر القادرة علي دعم قيام النهضة الشاملة التي كان ينشدها، وأنشأ معها مكتب التنسيق الذي يحقق العدل في توزيع الطلاب طبقا لمستواهم ورغباتهم.

لم يكن في مصر حينها سوي ثلاث جامعات (القاهرة والإسكندرية وعين شمس) فأضاف لهم جامعة أسيوط وجامعة الأزهر وتوسع في إنشاء الكليات ونشرها، ثم تتالي إنشاء الجامعات بعده الي أن وصلنا الآن الي أكثر من 30 جامعة وأكاديمية حكومية غير الكليات العسكرية، وكلها مجانية.

صواب الفكرة في حينها لا يعني استمرار صلاحيتها خلال 60 عاما مضت، بل لا ينكر أحد منّا مدي التدهور الحاد الذي حدث للتعليم الجامعي الحكومي ومدي الفساد الذي استشري في كافة أرجائه، والذي انعكس علي فساد التعليم الثانوي وتحول الطلاب الي ماكينات لحفظ المواد التعليمية، وتدهور مستويات المعلمين، وانتشار الدروس الخصوصية …. الخ، وهو ما أسفر عن منتج (خريج) ضعيف المستوي، غالبا لن يجد عملا أو قد يعمل في أي مهنة لا علاقة لها بالشهادة التي يحملها، وأصبح سوق العمل يبحث عن الخريجين المتميزين سواء من التعليم الخاص، أو من حصل علي مهارات إضافية خارج نطاق التعليم الجامعي المجاني.

علينا أن نعترف بفشل منظومة التعليم الجامعي المجاني، وما ترتب علي ذلك، وأنه يتحتم الآن إصلاحها من كافة النواحي لنحصل علي منتج (نحتاجه) بالفعل، وليس هذا بأمر جديد، فآلاف الدراسات والإقتراحات قد قدمت في هذا المجال، ولم تنظر لها الحكومة لغرض سياسي واحد، هو تجنب إثارة الناس بعد أن اعتادوا المجانية (البعد الإجتماعي)، وهي مجانية لا تميز بين مستحق وغير مستحق، وهي غير ذات معني اذا كان الهدف هو تأهيل الكوادر القادرة علي العمل الجاد لنهضة هذه البلد وتطورها، والتي يكوّن التعليم الفني عمادها الأساسي والذي طاله الإهمال الشديد نتيجة مجانية التعليم الجامعي رغم إلحاح الحاجة له، وأذكر أن عبد الناصر كان يرسل عمّال المصانع للتدرب في ألمانيا الشرقية.

مجانية التعليم الجامعي يجب أن تمنح فقط للمتفوقين والمحافظين علي تفوقهم بدرجات ومستويات متدرجة، وأعداد المقبولين تكون بما يسد احتياجات سوق العمل (عام وخاص) فقط، مع إلغاء مكتب التنسيق واستبداله بإختبارات قبول في الكليات التي يرغب الطالب في الإنضمام إليها، علي أن يتاح تكليف خريجي المجانية بالعمل في المنشآت الحكومية، لمدد زمنية بمرتبات مقبولة شرطا لهذه المجانية.

هكذا يكون التخطيط، والعمل طبقا لأهداف محددة، للحصول علي نتائج ذات جدوي.

قد يحتج البعض بالفساد الذي قد يشوب هذا المقترح، وهو ليس مبررا لإستمرار الفشل، بل القضاء علي الفساد هو أحد أهم دعائم النهضة والرقي.

هذا رأيي، وأهلا بآرائكم الموضوعية، دون التحذير بحذف المتجاوزين فهو أمر طبيعي.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى