كتّاب

الغديوة: عبقرية مصرية تختفى…


الغديوة: عبقرية مصرية تختفى
شجعوا أولادكم على استعادتها
“وحياة العيش والملح” واحد من أكبر الإيمانات المغلظة لدى المصريين، ويقابلها من أكبر الآثام “خيانة العيش والملح”، وقد أعطى المصريون تلك القيمة الثمينة للعيش والملح باعتبارهما طعامان أساسيين من المحتم وجودهما مع طعام كل الوجبات وكل الناس من ناحية، وللتعظيم من قيمة المشاركة فى الطعام مهما كان بخسا ورخيصا، ومن أغلظ الأيمان أيضا أن يقطع الرجل رغيفا دلالة على البدء بالأكل ويضعه فوق عينه ويقسم: “وحياة النعمة دى” ورفقة الطعام ينبغى أن تصان مهما كانت الظروف، وكانت رفقة الطعام تسمى “الخشداشية” فى زمن المماليك، أو “رفقة القروانة” لدى المجندين المصريين حتى الآن.
ومن هنا كانت “الغديوة” التى كنا نتفق عليها وعلى مكانها عندما نلتقى بعد أن يرن جرس نهاية اليوم الدراسى ونحن تلاميذ منذ سنوات المدرسة الابتدائية، تساهم فى تمتين علاقاتنا وتعزيز إخوتنا ودعم أواصر الود بين أسرنا على اختلاف المهنة والثقافة والدين، فضلا عن إضفاء جو من المرح والسرور على غداءنا، فكانت أمهاتنا تشجعنا عليها على كل حال.
ولكن كانت لهذه “الغديوة” عبقرية لم أفطن لها إلا بعد أن تقدم بىً الزمن، وهى أنها كانت الوسيلة الفعالة لمواجهة ظروف الفقر وسوء التغذية، فقد كانت غالبية الفلاحين وسكان القرى من الفقراء الذين كانت تفتقر موائدهم أو بالأحرى طبلياتهم للتنوع والتعدد فى أنواع الطعام، ولم يكن يقدم عليها إلا نوع وحيد من الطعام قد يرتبط بمهنة الأسرة أو صناعة أو بضاعة تعمل بالتجارة فيها أو علاقات ذات طبيعة خاصة، فالأسرة التى تملك – لا مؤاخذة – جاموسة سيجد ابنائها دائما على طبليتهم الجبن القريش والجبن الروبة واللبن الرايب أو اللبن الخض، والأسرة التى تزرع قراريطها عدسا لن يجد ابنائها على طبليتهم إلا فتة العدس أو العدس بالأرز أو العدس كشرى، وقد تأكل الأسرة الخضار مع اللحم يوما وتستمر على تناول بقية ذلك الخضار “قرديحى” بدون لحم لأيام عديدة.
ولاشك أن استمرار مثل هذا الحال كان يهدد الأولاد بأشكال من سوء التغذية، وفقر الدم.. ومن هنا كانت الغديوة حلا عبقريا للانعتاق من هذا المصير، ولك أن تتخيل طبلية ثرية عليها: طبق قرنبيط وطبق جبن وطبق خضار وطبق عدس وطبق سردين وطبق بصارة. وطبق عسل أسود، وخبزا من البتاو وعيش القمح والعيش الشمسى والمقبقب وغيره…
ألم تكن عبقرية مصرية؟؟
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى