كتّاب

الخس عال ومليجى.. هكذا كانت أخلاقهم:…


الخس عال ومليجى.. هكذا كانت أخلاقهم:
مليج قرية إلى الشمال من بلدنا الباجور منوفية بعدة كيلو مترات وإليها ينسب الفنان الكبير محمود المليجى، وهى مشهورة بزراعة الخس، والخس نبات من أقدم النباتات على سطح الأرض وله فى الميثولوجيا الفرعونية مكانة محترمة، وكنت أتصور أن تلك السمعة للخس المليجى مجرد لون من ألوان الفلكلور، ولكن يعلم الله أننى بعد أن طوفت فى شرق البلاد وغربها لم أذق خسا فى حلاوة خس “مليج” الذى كانت ستى تشترى منه كومة هائلة فهو مفيد ويطرى على القلب، ونأكل منه جميعا ومايتخلف مننا يعد وجبة شهية لعشرات الدواجن أيضا،
“الخااااااااااس عال ومليجى”.. كنت أسمع عم سعد المليجى ينادى على بضاعته بصوت رخيم وجميل وقوى لا يقل حلاوة عن صوت محمد الطوخى فى الإذاعة فى الستينيات، طويلا عريض المنكبين وسيما يعتم بعمامة ريفية، ساحبا خلفه حمارا عفيا وعليه حمل هائل من الخس، فتقول لى “ستى”: إنده علي سعد..فأمنى نفسي بالاستماع إلى حوار ثرى وصاخب.. وتنتظره على بسطة البيت، وبعد أن يحيي الرجل برفع يده اليمنى إلى رأسه وصدره مرات، ويطمئن على حامد أفندى والجدعان، وترد عليه “ستى” إزيك يا سعد، ثم تبادره هات “بخمسة ساغ”، .. حاضر ياست أم حامد.. ويروح الرجل يلف حول حمولة الخس ويتحسسها كمن يتحسس بضاعة ثمينة ويسحب خساية بعد أخرى حتى يكتمل عددها عشرة ويضيف عليها اثنتين صغيرتين من أعلى الحمل، ويضعهم بجوارها، فتبدأ ستى بالخسايتين الصغيرتين وتقول: غير المعصعصين دول، فيرد: ياست دول علي البيعة، فترد هى: ع البيعة ولا مش ع البيعة إنت حتستعبطنى يا سعد غيرهم وخلاص، فيغيرهم الرجل، وتروح ستى تفحص الخس واحدة واحدة وتطلب تغيير مالاتروق لها، وبعد أن تطمئن لشروة الخس ذات الخمسة قروش، تقول لعم سعد: هات كمان بخمسة ساغ، وتعود الكرة من جديد، ويستمر الحوار أكثر صخبا، وقد يتخلله دفع ستى لشروة الخس كلها بيدها قائلة: يللا يللا خد الخس بتاعك وروح من هنا، إنت مابقتش كويس، أبوك الله يرحمه كان أحسن منك، والرجل يرد مرة ويبتسم مرة ويطول باله مرة ثالثة، وتنتهى عملية البيع وترضى ستى وتخرج من سيالتها منديلا معقودا من وسطه على عدة قطع من النقود الفضية والورقية، تنظر فيها جيدا وتنقد الرجل ثمن ما اشترته من خس.. ثم تبتسم قائلة: بقولك إيه يا سعد: “أم صلاح” – أمى- عاملة النهارده محشي، ريح الحمار وحط له ياكل وعلى ما تشرب كوباية شاي.. اغرف لك طبق محشي ،
… يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى