توعية وتثقيف

جولة فى تاريخ البشرية (٢)…


جولة فى تاريخ البشرية (٢)

فى تعليق سابق (١) تحدثنا عن مسيرة تطور البشرية من المنظور الإجتماعي/الإقتصادي. وفى هذا التعليق سنتحدث عن نفس الموضوع من المنظور التكنولوچى/الحضارى. فى التعليق السابق أشرنا إلى ٣ مراحل إقتصادية: مرحلة الصيد وجمع الثمار، ومرحلة الزراعة والإستقرار، ثم المرحلة الصناعية التى نعيش فيها الآن. وتزامن مع ذلك تطور المجتمع من عائلات إلى عشائر إلى قبائل إلى دول. أما من وجهة النظر التكنولوچية/الحضارية فينقسم تاريخ البشرية إلى ٣ ‘عصور’: العصر الحجرى، والعصر البرونزي، والعصر الحديدى.

يتميز الانسان عن سائر الكائنات بقدرته عل صنع وإستخدام الأدوات (مثل الفأس والسكين والمطرقة وغيرها.) طوال مرحلة الصيد وجمع الثمار كانت المادة الوحيدة المتاحة له لصنع الأدوات هي الحجر، (لذلك سميت تلك المرحلة بالعصر الحجري.) إكتشف الناس أن أنواعاً من الحجر إذا فلقتها فى إتجاه معين تحصل على حافة حادة. وبهذه الطريقة أنتجوا سكاكين حجرية لسلخ الحيوانات ورؤوس للحراب والسهام وسواطير للقتال ومطارق لتشكيل حجارة البناء. إستمر العصر الحجرى طوال مرحلة الصيد وجمع الثمار وجزءاً طويلاً من المرحلة الزراعية.

لم يخرج الإنسان من العصر الحجري إلا بعد أن تمكن من ترويض النار. لكنه لم يكتشف أو يخترع النار، فهي كانت موجودة قبله بمليارات السنين فى صورة حرائق ناتجة عن العواصف والبراكين. ما إكتشفه الإنسان هو ترويض النار، أي القدرة على إشعالها وإطفائها بإرادته. فى البداية كانت العشيرة تحتفظ بشعلة دائمة حصلوا عليها من حريق فى الغابة أو إنفجار بركاني. إلى أن فطن شخص عبقري إلى طريقة إنتاج الحرارة بالإحتكاك. وقد أثّر ترويض النار على حياة الناس تأثيراً جذرياً: أولاً فى مجال التغذية، وثانياً فى مجال الصناعة. قبل ترويض النار كان الناس لا يأكلون إلا ما يمكن أكله نيئاً. وبعده أصبحوا قادرين على إضافة أطعمة يصعب أكلها نيئة لكنها تصبح قابلة للأكل بعد طبخها.

أما فى مجال الصناعة فقد كان أول إستخدام للنار هو صنع الفخار فى أفران عالية الحرارة. وبعد ذلك إستخدم الصناع نفس التقنية لانتاج كميات صغيرة من النحاس والذهب للزينه، إلى أن إكتشفوا سبيكة البرونز (نحاس+زنك) التى تتميز بصلابة أعلى من النحاس، وتسمح بإستخدامها فى أدوات البناء والزراعة والقتال . وكانت هذه بداية العصر البرونزى. لكن إنتاج البرونز ظل محدوداً وغاليا. وإستمر ذلك إلى أن إكتشف الناس طريقة لاستخراج وتشكيل الحديد وهو معدن أكثر وفرة وصلابة وأرخص ثمناً، لكنه يحتاج إلى درجة حرارة أعلى. وهكذا بدأ العصر الحديدى فى جنوب غرب آسيا ثم إنتشر إلى مصر وغيرها.

حدثت النقلة من العصر الحجرى للعصر البرونزى ثم العصر الحديدى بعد إستقرار البشر فى مجتمعات زراعية، وربما نتيجة له. فكما ذكرنا فى النبذة السابقة، أتاحت الطفرة الزراعية تفرغ البعض لأعمال غير إنتاج الغذاء. الراجح أن العصر البرونزى فى مصر بدأ قبل ظهور نارمر والدولة المصرية بقليل (حوالى ٣١٠٠ ق.م.) أما العصر الحديدى فبدأ حوالى سنة ٥٠٠ ق.م. أي فى زمن حملة قمبيز الفارسى تقريباً.

قصة تاريخ البشرية مركبة ومتعددة الوجوه. وما زلنا لم نتحدث عن تطور المعلومات ونقلها وتسجيلها. كما لم نتحدث عن تطور المعتقدات والديانات. وتلك أحاديث شيقة.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫5 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى