كتّاب

في الأيام الماضية قلت لنفسي: لا بد من تجربة روحية عميقة….


في الأيام الماضية قلت لنفسي: لا بد من تجربة روحية عميقة.
اتصال شفاف وعميق مع الذات العليا. قرأت، بحثت، فتحت عشرات الكتب. الكتب! وما بمقدور الكتب أن تفعل؟ ليكن يوتيوب، سأعطي نفسي وقتاً كافياً. السلفيون يقصون عن ملك الموت، عن رجال في غابر الأزمان ماتوا على مشارف غناهم. أمر مفزع، قصص للناشئة، رجل يلتقيه ملك الموت ويتحاوران. ربما سيقول المتصوفة شيئاً آخر. قصص مسلية، رجال يمشون على الماء، أقطاب ينقلون الجبال من مطرح إلى آخر، عارفٌ يحبسه الله بين السماوات، ما كان يمسح قاع ميزانه وهو يبيع للناس. هذا الرعب خليق بشيء آخر، ليس مدخلاً لتجربة روحية عميقة. قال الشيعة أموراً أخرى، ثمّة ليس بمقدورك أن تكون سوى شيء واحد: غلاماً للإمام. ما من طريق آخر إلى الذات العليا. استمعت إلى المرشدين المسيحيين. فعل المسيح أمورا رائعة، كلها مختلقة وتتعلق به وحده. ربما سيعلمني اليهود، سيدلونني. تتعقد الامور عندهم، لا يبدون معنيين بالذات العليا سوى بالمعنى السياسي. أخبرني الدروز أمراً مشابها: وجدنا الله، قال إنه يحبنا وما من داعي لأي طقوس.
أفكر بتجربة روحية عميقة. قال ٧٠% من اليابنيين إنهم يؤمنون بذات عليا تحكم الكون، لم تشغلهم ماهيتها. وقال 90% من الحاصلين على نوبل في العلوم إن قوة كلية القدرة تدبر شأن الكون، مقابل 70% من أدباء نوبل.

هل بمقدور المرء احتمال هذا الكون دون أحد الطقسين: الكتابة أو العبادة؟ ما العبادة إن لم تكن حالة حب عاصفة ومستدامة، يقول فيها العابد للمعبود: أريد أن أنام فاشكر نفسك نيابة عني. دخلت تجربة كتابية عميقة، أسميتها “خمس منازل لله”، أسكنتني ثلاث سنوات. سرعان ما تصير الكتابة إلى جفاف، إلى آلة.

كيف تقف أمام الليل ومرض الأصدقاء وأنت فرد أعزل، يكدح وينام. رجال كل الأديان فقدوا اتصالهم بالمعنى، لم يعودوا قادرين على الإلهام. الكتب السماوية صارمة، تعليمية، تهدف إلى خلق امتثال إجباري، وتصبوا إلى فرض رؤيتها للأخلاق. ماذا عن التجربة الروحية، عن عشق بين الذات الخفيضة والعليا؟ أن تمضي في العالم لا تملك شيئاً ولا يملكك شيء، كما كان سمنون المحب يقول؟

ازدحم العالم، عج بالصراع الدارويني، تراكمت فيه كل عناصر اللذة والفناء. المواليد لا يكفون عن الوصول إلى العالم، والدنيا تتسع وتضيق، ومن وقت لآخر تضرب كارثة وتمضي. العالم الفوقي، العالم الغائب، لا يبدو منخرطاً في الأمر.
تجربة روحية عميقة داخل كل هذا الضوء والضجيج تبدو أبعد ما تكون، وأجمل ما يكون.

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫27 تعليقات

  1. استغرب سرد جمل في مقال مقدمته لابد من تجربه روحيه عميقه حيث ذكرت استماعك للمرشدين المسيحيين والحاصلين على نوبل والى تدليل اليهود وغير ذلك مماقمت بسرده ولم تذكر بان كل تساؤلاتك وحيرتك وشكوكك قد حصلت عليها في القرآن الكريم وتحمد الله على نعمة الاسلام. اسال الله لي ولك الاستقامه والثبات على دين الاسلام.

  2. ستكون التجربة ابعد واعمق من ما تتوقع . القوة والزمن في تضاد. والقوة هي الأساس. والقوة هنا اما قوة الجسد او الارادة.
    بداية العلم والفهم في ماهية الذات العليا والفصل بينها والسفلى والاستقرار في العدل يكون من العهد القديم المبين في الاية 170 سورة الاعراف

  3. الارتقاء الروحي والارتباط مع السماء لم يكن يوما ولن يكون عبر قصصا مفزعة قارعة من حساب وعقاب ولا عبر ترغيب مجرد وجنة وارفة.
    الارتقاء ان ترتقي روحك بحب الاله الواحد الذي خلق هذه السماوات والأرض بالحب واقامها به فتعيش سلاما روحيا تدرك معه انك من اهل السماء وان روحك اكبر من ان يحويها جسد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى