كتّابمفكرون

“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” 4…


“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” 4
الإنقسام في صفوف رجال الأزهر
————————————-
لقد أدي تطوير الأزهر, وتوسع اداراته ومنشآته التعليمية, التي لم تعد تقتصر علي العلوم الدينية, الي خلخلة طبيعة الأزهر, وهويته الدينية الخالصة, ومع بزوغ الحركات الإسلامية المستقلة والمنافسة, وفي مرحلة انفتاح (السوق الدينية), وحالة السيولة للإسلام السياسي والتنافس مع علماء دين آخرين تواجدوا علي الساحة بشكل قوي, حدث تحول راديكالي متنوع الهوية السياسية لعلمائه, تجسدت بشكل أكثر وضوحا في حقبة الثمانينات والتسعينات, وتفرق رجال الأزهر البارزين الي فئات ثلاث:

الفئة الأولي (فئة الموظفين)

هي الفئة التي اتخذت طاعة شيخ الأزهر ومن ثم طاعة النظام السياسي الحاكم طريقا آمنا للحفاظ علي الوظيفة أو المنصب, وهم الذين اعتمد عليهم الأزهر في ممارسة الدعوة الرسمية داخل الأزهر وخارجه والمطابقة للتوجهات السياسية للنظام, وهم من يمكن أن نطلق عليهم فئة الموظفين.

مع بزوغ العنف على الساحة المصرية في النصف الثاني من الثمانينيات استعاد معظم العلماء الرسميين (الموظفون) وظائفهم كوسطاء وسماسرة سياسيين, واعتمد عليهم النظام في مجابهة جماعات الإسلام السياسي ذات التوجهات المتشددة والعنيفة, سواء من خلال الوعظ في المساجد والتجمعات, أو من خلال الظهور والكتابة في وسائل الإعلام الرسمية, وكذلك من خلال الخروج في قوافل للحوار مع الإسلامويين الشباب, واعتمد عليهم أيضا في اجراء المراجعات الدينية للمتطرفين في السجون, وأخيرا في مجابهة العلماء من غير الأزهر, المنتشرون في القنوات التليفزيونية الخاصة, والمسيطرون علي أعداد كبيرة من المساجد, يبثون فكرا متشددا, ولا يحترمون الأزهر.

الفئة الثانية (فئة المتميزين)

هي الفئة التي ابتعدت عن تبني السلوك الرسمي للأزهر حرفيا, وفضلت الاستقلال النسبي, ومن خلال ممارسة الدعوة وعبر الوعظ, أدخلوا أفكارا تعبر عنهم أكثر من تعبيرها عن الأزهر, تحمل توجهاتهم الاسلامية السياسية, وهي تختلف أحيانا عن توجهات المؤسسة الرسمية, وقد حظوا بشعبية جيدة, وكانت لهم كلمة مسموعة, ولكنهم استمروا تحت سقف الأزهر, أمثال الشيخين الغزالي والشعراوي, وهم من يمكن أن نطلق عليهم فئة المتميزين.

عملت فئة المتميزين بشكل مستقل, واسع النطاق علي وسائل الأعلام والندوات والتجمعات, واحتلوا مكانة دينية عالية, وتركز اهتمامهم علي تبسيط التفسير الديني, وشرح الفلسفات الإسلامية, بما يدعم نقد ومحاربة العلمانية, ومحاولات التنوير المنادية بفصل الدين عن السياسة, وكانت شروحهم تهدف في الأساس الي الدفاع عن التراث الفقهي محل الجدل وتأكيد صحته, كما تجسد موقفهم السياسي في رفض الأعمال العنيفة للجماعات المسلحة, ولكن رفضوا أيضاً قمع النظام لهم, وطالبوا الحكومة بالإفراج عن السجناء الإسلامويين والتفاوض مع الجماعات الإسلاموية, وعرضوا أن يكونوا الوسطاء في تلك المفاوضات السياسية, لقد قدّموا أنفسهم كـ (طرف ثالث) بين الجماعات الإسلاموية الراديكالية وبين النظام ورفض نظام مبارك ذلك.

الفئة الثالثة (فئة المستقلين)

هي الفئة التي رفضت السير في ركب الأزهر, لقد تلقوا تعليمهم في الأزهر, ولم يكن لهم مناصب ولا يتلقون مرتبات من الحكومة, ولكنهم كانوا وعّاظ ومعلمين بارعين, في المساجد الخاصة والجمعيات الإسلامية ولهم توجهاتهم السياسية الخاصة التي قد تناهض النظام, مع احتفاظهم بهويتهم الأزهرية, أمثال الشيوخ كشك والمحلاوي وصلاح أبو إسماعيل, وهم من يمكن أن نطلق عليهم فئة المستقلين.

لقد خرجوا عن سيطرة الدولة منذ السبعينيات, وتطورت مساراتهم المهنية خارج الأزهر, وأدخلوا أفكارا إسلاموية (الإسلام السياسي) مختلفة عن الأزهر, وبالرغم من هويتهم الأزهرية إلا أن الجمهور أكسبهم مكانة عالية ولم ينظر إليهم أبدا كمساندين للعلماء الرسميين الخاضعين للنظام في قمة الهرم الأزهري, وتركزت أفكارهم في تطبيق الشريعة الإسلامية, ومعارضة القمع الذي يمارسه النظام ضد المتطرفين الإسلامويين, وكان لبعضهم دور بارز في العمل بالإفتاء للجماعات المتطرفة ومن الأمثلة الأكثر وضوحا لذلك, (الشيخ عمر عبد الرحمن) الزعيم الروحي للإسلامويين في جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية.
وللحديث بقية ….
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى