مجتمع الميم

عن الرغبة وبناء عوالم خيالية – My Kali Magazine


English

بقلم: ندى مجدوب
العمل الفني: سارة بحبح
ترجمة: نوارة ب
هذا المقال من عدد عقدة الواوا

إن إنشاء فن يتفاعل مع مواضيع الحميمية هو عمل تشاركي، فهو يمكّن من تحويل الخطاب الحميم الداخلي إلى ناتج فكري خارجي كما يستخدم موضوع هذا الفكر كأساس للتواصل مع الآخرين وتشكيل تجربة جماعية، إن للمشاركة جوهريًا قدرة شفائية تشمل كيان الفرد والأشخاص المشاركين معه.

للبعد الشفائي في مشاركة الحميمية أهمية خاصة في أعمال الفنانة الأردنية الفلسطينية سارة بحبح، ويظهر ذلك في الصور الفوتوغرافية والأفلام التي تتم مشاركتها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتدل الصور التي تنتجها الفنانة على عمق عاطفي مضطرب ورغباتها المحجوبة في إنشاء رابطة قوية بينها وبين مجتمعها، فهي تخلق مساحة للاتصال الرقيق بالعاطفة والجمالية.

وُلدت ونشأت سارة في أستراليا في كنف أسرة فلسطينية محافظًة، وواجهت تحديات ترافق احتفاء المرء بنفسه بصدق في سن مبكرة وسط مفارقات وتناقضات ثقافية، سرعان ما توجهت للفن كوسيلة للتعبير عن ذاتها للعلن وعلى الأخص على انستغرام، أما صور سارة بحبح القديمة الزاهية والتي غالبًا ما تزينها عناوين ظريفة تصوّر رومانسيات لامثالية  وإعدادًا مسرحيًا شهوانيا فأصبحت علامتها التجارية وحظي أسلوبها المميز بالتقدير.

ترشدنا سارة بحبح في رحلتها الفنية المتداخلة مع رحلتها الشخصية من نشأتها إلى عبورها المتقلب من العشرينيات إلى الثلاثينيات من عمرها، إن إطلاق أول كتاب فني لها –إلى حياتي1– بمثابة المناسبة التي يمكن من خلالها إعادة زيارة أماكن الصدمة المهجورة والفن كوسيلة للنجاة، وتودي بها هذه الرحلة الشائكة والمليئة بالحب والحنان في آن واحد إلى موضع أكثر هدوءًا؛ تعمل فيه الممارسة الفنية النامية وكتابة السيرة على تشكيل مسار بحبح الجديد كفنانة وكامرأة.

العمل الفني: سارة بحبح

بصفتكِ فنانة متعددة التخصصات وتتنقلين بين هويات ومراجع متعددة، هل يمكنكِ إخبارنا قليلاً عن نفسكِ؟ من أي بلد أنتِ وأين تسكنين الآن؟
لقد وُلدت في استراليا حيث هاجر والداي إلى أستراليا من الأردن في الثمانينيات، لكن والديّ من فلسطين وأمي نصف أردنية، انتقلت في عام 2016 إلى لوس أنجلوس وكنت أنتقل بين لوس أنجلوس ونيويورك كثيرًا قبل أن أقرر الاستقرار في لوس أنجلوس.

كيف تؤثر هويتكِ الفلسطينية والعربية على عملك؟ وهل تأثرت هويتك من خلال نشأتك في أستراليا والعمل في الولايات المتحدة؟
نعم أعتقد أن جوهر عملي ينبع من هويتي كامرأة عربية، لقد نشأت في أسرة محافظة وصارمة مع أبوين عربيين تقليديين وكانا يراقباني ويحاولان إقناعي بالالتزام بالتقاليد عوضًا عن التأثر بالعالم الغربي كما تعلمون، ولكن نظرًا لنشأتنا في أستراليا شعرت بتضارب تجاه هويتي ففي المدرسة حول زملائي كانت الأمور غربية جدًا، أما في المنزل نشأت في سياق التقاليد والقيود الثقافية، لم أجد حقًا مكانًا أنتمي إليه.

كان فنّي على مدار العقد الماضي يدور حول محاولتي إنشاء عالم خاص بي حيث يمكنني أن أكون غربية وعربية معا، ويبرز هذا الموضوع كثيرًا لأنه يوازي رحلتي في العثور على شخصيتي بعيدًا عن عائلتي ريثما أحاول الحفاظ على هويتي وما أحبه في كوني عربية.

يتضمن إنتاجك الفني التصوير الفوتوغرافي والفيديو ومؤخرًا النشر، أرى أنكِ تتكيفين مع كل الوسائل التي تسمح لكِ بالتعبير عن نفسك بصدق، هل يمكنكِ التحدث عن بداية وتطور ممارستك الفنية؟ 
بدأت ممارستي الفنية في المدرسة الثانوية حيث اعتدت الرسم والتمثيل، ومنذها اكتشفت أني رغبتي بالتصوير بدلاً من الرسم، وتطور ذلك إلى فن كامل بمرور السنوات.

في مرحلة ما أدركت أن الأمر لا يتعلق بالضرورة بالوسيلة التي كنت أستخدمها بل كان الأمر يتعلق بالموضوع وهو سرد قصتي، لذا حاولت تحدي نفسي باستمرار لاستخدام صيغ جديدة للتعبير عنها، وهكذا بدأت الممارسة بالرسم والتمثيل وتحولت إلى التصوير الفوتوغرافي، ثم تحولت لاحقًا إلى الكتابة وربط الصور بالحوارات وبعد ذلك إلى السينما، بهذا تكون الممارسة الفنية ناتج فضول مستمر لتجربة الشيء التالي فأنا أحب تحدي نفسي لاستكشاف طرق جديدة لسرد القصص.

العمل الفني: سارة بحبح

في عملك تميلين إلى صنع عوالم تدور حول مواضيع الرغبة والحميمية، هل يمكنكِ أن تحدثينا عن إلهامك الجمالي والفني؟ كيف يؤثر هذا الإلهام على عملك الخاص؟
سلسلتي المعنونة مستوحاة من لقطات الشاشة لأفلام أجنبية مع هذا النوع من الترجمات، ففي بداية الألفينات كان هذا النمط منتشرًا بشكل واسع في منصة تمبلر، كان هدفي تحدي تجربة المشاهد من خلال تصوير لقطات تبدو وكأنها من فيلم لكنها في الواقع صور فوتوغرافية، وكانت الصيغة جديدة في ذاك الوقت كما شكلت تحديًا لكيفية فهم المستخدمين لمنصة انستغرام.

لقد كانت لغة الحوار المستخدمة في العناوين متنفسًا لي لإطلاق سراح أفكاري الداخلية والهوسية، فكتابة هذه الجمل المفردة سمحت لي بخلق مساحة لنفسي واختبار مشاعري، ولعدم الشعور بأي استياء قد يراودني بسبب عدم مقدرتي على الحديث من خلال الصورة.

كيف تجتمع هذه العناصر معًا عند إعداد سلسلة ما خاصةً عندما تحتاجين إلى العمل مع العديد من الأشخاص لإنتاج تلك الصور والتعبير عن المشاعر التي يصعب  إنتاجها والتعبير عنها غالبًا؟ ما هو منهجك قبل وأثناء الإنتاج؟
الشيء الذي يساعدني عندما أخوض غمار الحزن هو الاتكاء على نفسي ورعايتها، وأفعل ذلك عن طريق بناء مساحة آمنة في مخيلتي يمكنني التعبير عن نفسي فيها، أقوم بهذا دائمًا عبر إضفاء الطابع الجمالي الرومنسي على المكان وتجميله رغم معاناة بطل الرواية أي رغم معاناتي، إن كنت ستحزن فمن الأجدر بك أن تكون حزينًا في غرفة فندق جميلة مع خدمات كاملة وزجاجة من الشمبانيا الباردة وهذا مثال على ما يسهل وقع التجربة ويحسنها، ذلك ما أحاول تصويره في فني: أحاول أن أبني هذا الملعب الذي لم يكن بالضرورة موجودًا لي في الواقع ولكن كان موجودًا في ذهني وساعدني في تخطي المواقف.

أتخيل وأوجه كل شيء قبل وأثناء التصوير: كل قرار وكل قطعة وكل ما تراه وكل لون وكل قطعة ثياب، أنا متنمقة للغاية وعندما أعمل مع فريقي أحرص على العمل مع أفضل المبدعين الموجودين في قسم الفن، كما أحاول تجهيز كل شيء بالكامل قبل تعيين الطاقم حتى أتمكن من إعلامهم بما أريد، بعد ذلك نناقش الفكرة وأيًا من الخيارات المتاحة ويمضي سير العملية الفنية من هنا.

يلعب العارضون والممثلون دورًا مهمًا في إحياء هذه المشاهد، كيف تختارين من يناسب سلسلة معينة أو من قد يناسب العمل أكثر من غيره؟
عندما يتعلق الأمر باختيار العارضين فلا أبالغ بالتفكير أو التخطيط ويبقى الأمر عفوي، أحيانًا يتواصل العارضون معي أو أتذكرهم من عمل سابق وأحيانًا أجدهم على انستغرام وأقول “هذا الشخص رائع وأريد العمل معه” إلى حين استرجاع تلك الفكرة، فأنا أرى من يناسب القصة التي أحاول سردها ومن لديه الإمكانية المناسبة لسلسلة ما.

في سلسلة عيب! نرى أنك تشكلين حلقة الوصل بين التواجد خلف الكاميرا وداخل إطارها، هل يمكنك إخبارنا عن كمّ ما توظفينه من نفسك وتجربتك مع الحميمية في عملك؟ هل تحاولين الحفاظ على الحدود بين فهمك الشخصي والمهني للحميمية أم إن هذه المجالات تمتزج معًا؟
أعتقد أن فني جزء مقدس من تعبيري عن نفسي، فعندما أنشئ سلسلة معينة فهي نابعة من حزن حقيقي وألم ومعاناة، لذلك عندما أقدم فني للعالم أشعر أنني أقدم جزءًا كبيرًا من جوهري ووجودي، ولهذا السبب أنا حريصة جدًا على انتقاء من أدعوه إلى مساحتي.

رغم هذا لم يكن الأمر كذلك حتى بدأت مشروع كتابي [إلى حياتي (2022)] حيث تعمقت أخيرًا في ما تمثله كل سلسلة وكيف يتناول كل منها أعماق صدماتي وانكساراتي وتجاربي في لحظات متفاوتة من حياتي، كتبت في هذا الكتاب ملخصًا متعمقًا وكاشفًا لكل سلسلة، لم أفعل ذلك من قبل ولم أكشف القصة عمن كنت أتحدث عنه أو لماذا كنت أصنع السلسلة.

ذكرتِ سابقًا أن انستغرام يعد أحد المنصات الرئيسية التي تعرضين فيها أعمالك حيث يتعرف عليها العديد من الأشخاص هناك، كيف تغيرت علاقتك بالمنصة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام بمرور الوقت؟ ما نوع المساحة التي توفرها لك وسائل التواصل الاجتماعي شخصيًا ولممارستك الفنية؟
أعتقد أن علاقتي مع انستغرام تطورت بشكل كبير مع مرور السنين، طالما حاولت دائمًا تذكير نفسي أن انستغرام مجرد أداة لنشر عملي وأن لا أنغمس فيه كثيرًا بخلاف ذلك واعتدت على إنشاء سلسلة فنية واحدة فقط كل عام، كنت أرغب في تطوير عملية لإنتاج فن عالي الجودة يستغرق إنشاؤه عامًا بدلاً من الانغماس في إنشاء المزيد من المحتوى، منصة انستغرام كانت أداة لنشر عملي والمشاهدة فقط.

في الآونة الأخيرة تغيرت الخوارزميات وأصبحت أشياء مثل مقاطع انستقرام ريلز و تيك توك فيديوهات أكثر بروزًا من الصور الثابتة، للأسف أجبر ذلك الفنانين على تغيير كيفية استخدامهم للمنصة فإن أرادوا أن تتم مشاهدتهم وأن يكون لهم حضور عبر الإنترنت فعليهم نشر المحتوى باستمرار، في الوقت الحالي أحاول استكشاف ومعرفة كيفية التواجد والنشاط على الإنترنت دون صنع محتوى فارغ من أجل تحقيق ذلك فقط، لا أريد صنع المحتوى فحسب بل أريد التمسك برغبتي في إنتاج فن جيد، وأعاني حاليًا من الموازنة بين  الأمرين دون التخلي عن جزء من نفسي.

نعم الفنانون يضطرون إلى تحقيق هذا التوازن المثير للاهتمام ولا سيما عندما يعتمد قدر كبير من نجاحهم على الظهور عبر الإنترنت، هل يؤثر هذا المستوى من الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي على حياتك الخاصة بأي شكل من الأشكال؟
لا أشارك الكثير من حياتي الخاصة على انستغرام، أنظر إلى الأمر كما لو كنت أقوم بالتنسيق بناءً على الموضوعات فعلى سبيل المثال سأشارك صورًا لي ولشريكي في إجازة لكن لن أكشف أبدًا عن هوية شريكي ولن أكشف مكاني حتى وقت لاحق، إن لم أبقى حاضرةً في الوقت الحالي أو في حياتي الشخصية فسأكون منشغلة بمحاولة إثبات شيء ما للمشاهدين أو سأفرط في المشاركة وإن عشت هكذا لن أمتلك حياة مستقرة، بالنسبة لي من المهم فصل العالم الرقمي عن الحياة الواقعية، لذا فإن ما أحاول القيام به هو تقديم لمحات عن حياتي دون سرد القصة بأكملها.

العمل الفني: سارة بحبح

ينقل الكثير من عملك ديناميات الحب والجنس والخيال وكذلك الألم أيضًا، ما الدروس التي علمتك إياها ممارستك الفنية خلال مسيرتك المهنية فيما يتعلق بهذه المواضيع؟
في الحقيقة جعلتني أشعر ببعض الجنون وعدم الاستقرار [بدأت تضحك]، لوقت طويل بدا الأمر كما لو كنت أميل لا شعوريًا إلى مشاعر الحسرة والألم لمواصلة صنع الفن، لم أدرك حقًا أنني كنت أفعل ذلك وأنني كنت أُلحق الضرر بنفسي عن قصد لأن الألم والفوضى كانا مألوفين للغاية، كنت أواعد نفس النوع من الأشخاص وأميل إلى العادات السيئة وأعرض قلبي للانفطار بطريقة ما، بصفتي شخصًا عانى من الفصام وفقدان الشعور لفترة طويلة، عندما أتلقى موجة من المشاعر – سواء كانت اكتئابًا أو نشوة – وأجد طريقة للوصول إليها فأني لا أريد لها أن تنتهي، بصفتي فنانة وشخصًا لا يتمتع برفاهية الشعور مثل معظم الناس، كنت أحاول تجربة الشعور بكل الطرق دون إدراك مني وهذا الشي يتخلل كل أعمالي الفنية.

كتابك إلى حياتي الذي تم نشره هذا العام منشور فني وسيرة ذاتية تظهر حياة سارة التي تتكشف أحداثها على مدار 10 سنوات، هل لكِ أن تخبرينا المزيد عن كتابك؟ كيف نشأ المشروع وما الذي يجعله مميزًا جدًا بالنسبة لك؟
كما قلت إنه عقد من الفن وكل عشرينياتي في مكان واحد، أردت إطلاق هذا الكتاب للاحتفال بالحياة التي عشتها حتى الآن والأشياء التي تغلبت عليها، أردت مشاركة الناس القصة الأصلية لكيفية وصولي إلى ما أنا عليه الآن، إن من كنت في أوائل العشرينات من عمري ومن أكون الآن في أوائل الثلاثينيات من عمري شخصان مختلفان تمامًا، لقد نجوت من الكثير وكنت وحدي لفترة طويلة جدًا، ما يفعله هذا الكتاب هو أخذ القراء والمشاهدين على متن رحلة لاكتشاف الذات، أتحدث في النهاية عن كيفية استخدامي لفني للتغلب على ألمي وصدماتي وأعتقد أن مشاركة كيفية فعلي ذلك قد يمنح الآخرين الأدوات اللازمة للقيام بذلك بأنفسهم.

هل تريدين إعلامنا بالمزيد عن مشاريعك القادمة وربما الأشياء التي تتحمسين لفعلها في المستقبل القريب؟
أنا في الغالب متحمسة لمشروع إلى حياتي وهو أكبر مشروع في الوقت الحالي، لقد قضيت سنة كاملة في العمل عليه وكنت أعمل كل يوم لمدة تتراوح من 12 إلى 16 ساعة طوال العام.. أنا متحمسة حقًا لتجربة الجميع للمشروع وإمساكهم الكتاب بأيديهم وتعرفهم على منظور جديد بخصوص فني والسلاسل التي شاركوها وأحبوها.

https://dear-love-book.com/ كتاب سارة إلى حياتي متاح رسميًا للشراء اعتبارًا من عيد الحب 2023



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى