عن الأبطال الأسطوريين،
عن لاعبي المنتخب.
ــــ
مروان الغفوري
سبتمبر، ٢٠٠٤
ـــــــ
دعن أغنّ و أستلهم الرجل المقاتل
حفيد الأمتين
بريطانيا و رومـا ،
المبارك .. آرثر .
بهذا المدخل بدأ فيلم ” كنج آرثر ” للمنتج الشهير : أنتون فوكا ، و بطولة ” كليف أوين ” ليحكي قصة أطفال صغارٍ أخذتهم الدولة الرومانية بعد أن توسّعت حتى وصلت حدود بريطانيا الشمالية ـ منذ ألف و خمسمائة سنة، و كيف كان على هؤلاء الصبية – الذين لم يتجاوز سنّ أكبرهم الثاني عشرة – أن يحموا حدود الدولة الرومانيّة الشماليّة ضد الغزاة المتربّصين بها من القبائل الساكسونيّة المتوحّشة . استطاع هؤلااء الصبية الصغار الذين لا ينتمون بأجمعهم إلى الدولة الرومانية الحقيقيّة – أن يتكيّفوا مع طقوس مناطق الشمال المثلجة ، و أن يحرسوا الحدود طيلة 15 عامٍ ، حتى جاءهم قرار التسريح و العفو . في تلك المناطق النائية كان على هؤلاء الفرسان المحاربين أن يقضوا النهار ما بين السيف والدرع ، بينما يحضرون لصد هجوم في اليوم التالي من ثغرة ٍهنا ومضيق جبلي هناك ، حتى روت عنهم الأساطيرُ ما يشبه ” بدائع الزهور” . فهذا المحارب ” آرثر ” يقتل في وقت واحدٍ 996 ساكسونيّاً بيد واحدة .. و يفعل رفاقه الكثير مما لا تفعله الجيوش المنظمّة .
و بعد 15 سنة من القتال عند مستوى الأسطورة البحتة ، يأتيهم قرار التسريح و فيه شهادة كبيرة من الحكومة المركزية في روما أنّ هؤلاء الفرسان هم خيرة أجناد هذه الدولة . و ما إن يتسلّم الفرسان قرار العفو حتى تأتيهم الأخبار أنّ جيش ” الساكسونيين ” قد احتشد على مدخل جبل ” بادون ” بكل عنفوانه و ترسانته . و هنا يقف المحاربون في وضع اختبار للأهلية الأخلاقية و النبلويّة ، فهم بحكم القانون قد أصبحوا خارج الخدمة ، و ليس عليهم أن يضحوا بحياتهم لأجل أيّ أحد . غير أنّ العيون التي حدّقت فيهم طويلاً ، و القلوب التي ارتجفت بين أيديهم ، و مشهد النيران في المناطق التي تجاوزها الساكسونيون أثارت نبلهم و خاصيتهم الواحدية .. و بعد مشهد درامي ساحر أجاده لدرجة البراعة العبقري ” أنتون ” يجتمع هؤلاء الفرسان على قلبٍ و احد و يقودون المعركة الأخيرة مع الساكسونيين، في واحدةٍ من أشهر معارك التأريخ الأروبي الشمالي badon hill battle …يتوّج على إثرها المحارب الأسطوري ” آرثر” ملكاً لمناطق الشمال ، لنبله العسكري و خاصيته الروحية المسيحيّة الصافية ، و لالتفاف جماهيري خرافي حوله ..
هل كان على هؤلاء الصبية الصغار ، الذين خرجوا من مناطق الشمال و الوسط و الجنوب اليمني ، أن يحملوا معبد الشمس على ظهورِهم و حزن الشارع اليمني ، و القيمة الحضارية التأريخية اليمنيّة .. و يقسموا بها على النصر في جزر شرق آسيا ، لكي نقتنع فعلاً أنّ خاصيتنا الابداعية ما زالت بخير،و أن الانسان اليمني قادرٌ على ممارسة اللعب النظيف و المهاري و من خلفه نحنُ بهتافنا الرسمي الخاص و المستورد ..؟
نحنُ ولدنا في قارعة الطريق ، حيثُ يمرّ علينا الأغنياء و المترفون و عاملو البلديات . تحسسنا جيوبنا فإذا هي ثقوبٌ كقلوبنا ، و ما بين المجاعة و المطر الموسمي نقطعُ الوقت بحكاية أسطوريّة عن ” أسعد الكامل ” و ملك ” يمنت ” ، و اليمانين الذين اجتاوزا النهر الكبير في مصر و أسسوا حضارةً أخرى في الشمال الأفريقي . و في كل يومٍ تطلعُ علينا قوائم الذين ماتوا قبل الوصول إلى الطرف الآخر للحدود الشائكة مع دول الجوار ، ربما تلبيةً للنداء الساخر الذي أطلقته الحاجة اليمنية ” غربة غربة و لو تهريب ” .. و حيال هذه المسغبة/ المأساة لا نجد إلا أوراقاً من الفليّن نضعها على جباهنا المتصبّبة ألماً ، و نتوسد الريح ما بين عيوننا . فهل سننجبُ أبطالاً أسطورين من هذه الأرصفة الخاوية ؟..
منذ عهد قريبٍ فرحنا بـ فريق الأمل ، الذي جاءَ في لحظةٍ كنّا فيها أحوجَ ما نكون لمن يعيد فينا الثقة بأنفسنا ، لمن يستطيع أن يحشد قلوباً تهتف معه : اليمن . أبصرنا علم اليمن يرتفع و عليه تلك الابتسامة الكسيرة ، و القيد الخفي كأنه وجعٌ يسيلُ من على جوانبه ومفاصله. مع كل ” هدفٍ ” يدخلُ في مرمى خصومنا الكرويين كنّا نكبّرُ كما لو أنّ نصراً أسطوريّاً صنعناه . نقفزُ في أجواء غرفنا المغلقة ، نحضنُ بضعنا .. تتواصل رسائل الجوالات ، و يتوّج الاعلام فرحنا الموسمي بأغنيّة لـُكناها كثيراً حتى تقيّأتـنا بكل مرار : أنتِ يا يمن . ذلك لأنه علينا نحن الفقراء أن نردد هذه الأغنية بمفردنا ، وليس على الآخرين حرجٌ فيما طعموا و اكتسوا .. ما داموا من رعاة ” الغنم ” سابقاً !
هل كان فريقُنا هو ” الأمل ” فعلاً ؟..
لا أزعمُ أني ناقدٌ رياضي و لا يهمني النقد الرياضي في شيء . لكنّي أعترف أنّنا فقدنا – مع آخر ريالٍ سقط من جيوبنا سهواً – ثقتنا بأنفسنا ، و إيماننا بقدرتنا على المنافسة الحضارية . تعاظمت لدى رؤيتنا عوالمُ ” الأشياء ” فأبصرنا بوناً شاسعاً يفصلنا عن الحضارة المعاصرة بشكل واقعي عام . و من هنا ، تكوّنت لدينـا انحرافات رؤية ، و ثقوب تصوّر ، و أكثر من ذلـك ، فقد تحوّلنا إلى آلات مستقبلة على كل الأصعدة ، حتى في مجال حراسة المرمى ! وما أنْ رأينا فريقنا اليمني الفتي يقفزُ بدرجاتٍ غير متوقّعة ، حتى قفزنا نحنُ من على أرصفتنا المشمسة و هتفنا لهؤلاء الأبطال الأسطوريين ، لكي يخلصونا من عقدة الساكسونيين الذين استولوا على كل شيء .. أو ليقولوا للعالم الآخر أنّنا لسنا إلا سفراء الانسان اليمني المنسي هنالك في ركن الجزيرة ، لكنه قادرٌعلى أن ينفض التراب عن عينيه ، و يديه .. و أن يعود إلى الصفوف الأولى من جديد . هل هذا ، بالفعل، هو ما كنا نضمره في أنفسنا و نحنُ نسمّر أعيننا أمام شاشات التلفزيون ، و تسيل عبراتنا فرحاً و ألماً لفوزهم و خسارتهم ، لذا أسميناهم ” فريق الأمل ” .. أم أنّنا قدمناهم كمنتجٍ ” أملي ” أحادي ، لا نملك غيره ، معتمدين على حقيقة أن ” الكرة ” مهارات و ليست تكنلوجيا أو تنمية علمية .. في حين تشير كل العوامل المشاهدة إلى أنّ كرة القدم تمثّل عملية تنموية رهيبة و لاعباً صعباً في معدلات الانتاج القومي . ؟
لعب فريقنا اليمني في مباريات كأس العالم للناشئين U17 و خسر ، لكنه خرج بتجربة جميلة ، تخدمه على الطراز الشخصي ، و تخدمنا على المستوى العاطفي ، و حسب . و لعب في كأس آسيا للشباب ، و ها هو يغادر البطولة مبكّراً ، فماذا حدث ؟ لا شيء إلا أنّ فريقنا لعب كرة قدم و خسر . هذا كل ما يمكن أن يقال عن فريقٍ لعب و خسر . فهل كان إحباطًُنا إلا لأننا نراهم ، و إن أنكرنا ، المنتج اليمني الوحيد الذي يجوزُ تصدير خصوصيته ، و لا تسألوا عن شيء بعده ؟ .. هل خسرنا ورقتنا الأخيرة في بورصة المضاربات الاعلاميّة على تجميل الصورة اليمنية الخارجية و الداخلية حين أخفقت وزارة التلفزيون و مكتب الراديو و دكّان الصحيفة أن يختنوا بكارتها كما ينبغي ؟..
لن يكونوا أبطالنا الأسطوريين الذين يحمون مملكتنا الثيّب من عدوان الساكسونيين الداخليين و الخارجيين ، و وحشية الحضارة و العولمة، ورهاب المعلوماتية ، ليس لأنهم غير جديرين بذلك و إنّما لأنهم عنصرٌ جمالي فقط في عملية الانتخاب الحضاري و حقيقيّة ” البقاء للأصلح ” .. دعونا نشاهد مبارياتهم و نفرح و نحزن .. دعونا نعتبرهم رموزاً فنيّة تدعو للتصفيق ، لنشجعهم و لنلبس فانيلاتهم كما يحلو لنـا ، و لنحرق أسماء و قمصان من يتسبب في دخول هدف في مرمى فريقنا الأخضر .. سنلقبُ بعضنا بأسماء من نحب منهم ، و سنكسرُ قوارير البيبسي عندما تضيع ضربة جزاء لصالحنا ، و سنعلن تأييدنا لصدام حسين عندما يخطئ حكم كويتي في احتساب هدفٍ لصالحنا .. و سيحلفُ الحكوميون منّا أنّ الكارد الأحمر الذي رفع على ” السرحي ” غير صحيح ، بينما سنلزم الحياد في قضية بطاقة حمراء ترفع ضد لاعب كوري – جنوبي ، لأنّ السباق على بطاقة التأهّل لا يعني بالضرورة أن نتحلّى بأخلاق صلاح الدين و موقفه من ريتشارد قلب الأسد … دعونا نعتبر دوري كرة القدم موسماً للفرح و الحديث الجانبي . ثم دعونا من هذا كلّه ، و تعالوا هنا .
هنا فريقُ الأمّل .. في المجلس اليمني . يقترب عدد الأعضاء المنضمين تحت هذه المظلّة الساحرة من الـ 11 ألف عضواً ، بينما يتجاوز عدد الذين يتصفحون هذا المجلس في اللحظة الواحدة معظم مواقع الأنترنت الحوارية بما في ذلك أشدّها كثافةً و إقبالاً مثل جسد الثقافة و الساخر . نحنُ الآن في مرحلة إعادة تشكيل لمفردات الصراع الحضاري مع الآخرين ، و في هذه المرحلة بدأنا ندركُ بوعي غير محسوس أن قضية ” بناء مجتمع معرفي ” هي المحور الأول في عملية النهوض .. ربما كان هذا الهاجس هو الذي يجعلنا نتحسس موضع أقدامنا .. ننشر مقالاتنا و أعمالنا الخاصة ، نتابع كتابات أصدقائنا ، نتحمّسُ كثيراً لتقديم قراءات في كل شيء .. نختلف و نتفق .. نتحاور و نتناحر في مستوى الثقافة و الأدب . هذا ما أراه هنا في المجلس اليمني ، و يملؤني فرحاً أسطوريّاً ، بل يصِل بي الحد لدرجة الهذيان و أنا ألمحُ معالم هذا المجتمع اليمني الوليد الساكن هنا في طيّات القلب ، المجلس اليمني ، و هو يغوصُ في كل شيء ، لا يخشى الرقابة و لا يعاني من عقدة النقص .. أعداد المداخلات و المواضيع المنشورة هنا يصيبني بالدهشة و البهجة في آن واحد . عشرات الآلاف . أقفزُ أحياناً لأزور منتديات كثيرة على هذه الشبكة ، أفتح صفحة المتصفّحين حاليّاً لأقارنها بالموتواجدين في هذا المجلس .. أجد الفارق كبيراً لصالح هذا المجتمع اليمني الفتي الذي يتخطى الحواجز و العوائق و الأتربة من مؤخرات الصفوف ، لأنه يرى مكانه هناك ، لاعباً على ناصية الحضارة بعد أنّ ملّ دور المتلقي و الكمبارس و الكورال ..
ــــ
سبتمبر، ٢٠٠٤
يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات
ساحر من زمان يا دوك
صح لسانك
طوييييله جدا بس رهيبه
المقال يشتي له تخزينة
احسنت
أكذب عليك لو قلت إني قرأت هذا المقال الطويل؟؟؟؟
بس ممتع لأنة يخص المنتخب الوطني
نحنُ ولدنا في قارعة الطريق ، حيثُ يمرّ علينا الأغنياء و المترفون و عاملو البلديات . تحسسنا جيوبنا فإذا هي ثقوبٌ كقلوبنا ، و ما بين المجاعة و المطر الموسمي نقطعُ الوقت بحكاية أسطوريّة عن ” أسعد الكامل ” و ملك ” يمنت ” ، و اليمانين الذين اجتاوزا النهر الكبير في مصر و أسسوا حضارةً أخرى في الشمال الأفريقي . و في كل يومٍ تطلعُ علينا قوائم الذين ماتوا قبل الوصول إلى الطرف الآخر للحدود الشائكة مع دول الجوار ، ربما تلبيةً للنداء الساخر الذي أطلقته الحاجة اليمنية ” غربة غربة و لو تهريب ” .. و حيال هذه المسغبة/ المأساة لا نجد إلا أوراقاً من الفليّن نضعها على جباهنا المتصبّبة ألماً ، و نتوسد الريح ما بين عيوننا . فهل سننجبُ أبطالاً أسطورين من هذه الأرصفة الخاوية ؟..