توعية وتثقيف

الطائفية (Sectarianism) – ١…


الطائفية (Sectarianism) – ١

التمييز بين الناس بأي معيار غير صفاتهم و قدراتهم الفردية هو فعل سيئ فى أفضل الأحوال، و شرير فى أغلب الأحوال. من حقك أن تحب أو تكره شخصاً لصفاته أو ملكاته الشخصيه – ربما لطباعه، أو فكره، أو قدراته، أو حتى مظهره؛ كذلك من حقك أن تكره شخصاً ما لتصرفاته أو أعماله؛ أما أن تكره شخصاً لمجرد أنه ينتمى إلى جنس أو عرق أو دين أو طائفة معينة، فهذا يشير إلى دونية الكاره وليس المكروه.

سيقول قائل: “كيف هذا؟ أليس من حقى أن أحب من أشاء و أكره من أشاء؟ أن أصادق من أشاء و أتزوج من أشاء؟” نعم! هذا من حقك طالما تلك أفعال تخصك وحدك ولا تؤثر على الغير؛ أما إذا ترجمت مشاعرك إلى فعل يحيق ضرراً بأحدهم لمجرد أنه ينتمى إلى “نوع” تكرهه، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون فى المجتمعات المتحضرة.

قد لا يكون فهم هذا سهلاً، فلننظر إلى مثال – إفترض أنك تكره ذوى البشرة السوداء عموماً، “من الباب للطاق،” وبدون سبب. أنت شخص لا أريد معرفته، لكن ذلك من حقك. من حقك أن تتجنب عِشرة السود أو مصادقتهم أو الزواج منهم. أما إذا رفضتَ تعيين أحدهم فى وظيفة (مثلاً) لغير ما سبب سوى أنه أسود، فقد عبرت الخط الذى يفصل بين الكراهية و الإضطهاد: الكراهية هي مجرد شعور لا يؤذى إلا صاحبه؛ أما الإضطهاد فهو فعل يحيق ضرراً بالغير. و هذا هو ما يعاقب عليه القانون فى المجتمعات المتحضرة.

و ما يسرى على السود يسرى على الأقباط والمسلمين و اليهود و الهنود و المكسيكيين … و كل نوع من البشر ينتمى إليه الشخص بالمولد أو بالطبيعة و ليس بالإختيار الحر.

معاملة الناس على أساس إنتمائهم لمجموعات بشرية وُلدوا فيها و لم يختاروها لأنفسهم يسمى ‘التمييز (discrimination).’ التمييز الإيجابي، (تفضيل الشقراوات مثلاً،) هو أمر شخصي لا يضير أحداً و ليس هو ما يعنيه الناس عندما يتحدثون عن التمييز. ما يعنينا فى هذا التعليق هو التمييز السلبي الذى يتجسد فى الكراهية والتعصب و الإقصائية. و فيما يلى تصنيف لأنواعه المختلفة –

* التمييز العنصري (racial discrimination) – هو كراهية شخص ما لمجرد أنه ينتمى إلى الجنس الأسود أو الأبيض أو الأصفر … إلخ.
* التمييز العرقي (ethnic discrimination) – هو كراهية شخص ما لمجرد أنه ينتمى إلى قومية بعينها، مثل العرب أو اليهود أو الأوربيين أو الصينيين … إلخ.
* التمييز الجنسي (gender discrimination) – هو إفتراض أن الإناث، كجنس، أقل ذكاءاً أو أقل قدرة أو أقل إستحقاقاً من الرجال.
* التمييز الديني (religious) – هو كراهية شخص لا لسبب سوى إنتمائه إلى هذا الدين أو ذاك.
* التمييز الطائفي (sectarian discrimination) – هو كراهية شخص لا تعرف عنه شيئاً سوى إنتمائه لطائفة معينة، قد تكون ديناً أو طائفة داخل نفس الدين.
* التمييز على أساس الميول الجنسية (sexual orientation) – هو كراهية من لديهم ميول جنسية تخالف الأغلبية، (المثليين مثلاً.)

لاحظ أن كراهية اللصوص، مثلاً، لا تعتبر تمييزاً. و ذلك لسببين – أولهما أن اللصوص ليسوا “نوعا” من البشر مثل السود أو الصينيين أو الإناث. و السبب الثانى هو أن الدافع وراء كراهية اللصوص هو أفعالهم التى يقترفوها بإرادتهم و ترمى إلى إيذاء الآخرين. أما العنصرية و الطائفية و الذكورية … إلخ، فهي إنحياز ضد أشخاص لم يقترفوا شيئاً، و بسبب خواص لديهم لم يختاروها ولا تؤذى أحداً.

لا بد أن القارئ الفطين قد لاحظ أن هذا موضوع معقد، و أن هناك حالات قد يصعب فيها الجزم بما إذا كان الشخص مكروهاً لإنتمائه إلى نوع من البشر تتوجب حمايته (مثل السود،) أو نوع تتوجب الحماية منه (مثل اللصوص.) لذلك تسعى المجتمعات الراقية إلى سن قوانين واضحة و مفصلة فى هذا الشأن.

فى هذه المقالة حاولت تعريف المصطلحات و إرساء قواعد النقاش. لكن الحديث قد طال، و سنلتقط خيوطه فى تعليق قادم بإذن الله.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫9 تعليقات

  1. منهج حضرتك فى طرح الأفكار وأسلوب مناقشتها هو درس مهم لكل قارئ، ناهيك عن نوعية الأفكار ذاتها. شكرا جزيلا لثراء ما تطرحه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى