كتّاب

أنا وعبد الناصر وجيفارا…


أنا وعبد الناصر وجيفارا
كان اسمه يتردد فى بيتنا بكل الفخر والإكبار حين يتحدث أبى مع أصدقاءه وأقاربه، وهم يقرأون أخبار السد العالى أو يتابعون حفلات وأغانى عيد الثورة عبر راديو بيتنا المعلق فوق الرؤوس، رغم حبه الهائل للنحاس وسعد زغلول، وشاهدته لأول مرة فى تليفزيون الجمعية الزراعية، التليفزيون الوحيد فى البلدة التى لم تكن قد عرفت الكهرباء بعد، نذهب إليها صيفا لعلنا نشاهد فيلما لفريد شوقى أو شكرى سرحان، نقضى معه الهزيع الأول من الليل، أما الهزيع الأخير فندخره لمغامرات يشيب لهولها الولدان
لم أكن أعرف أنه ستربطنى به علاقة خاصة، إلا وأنا فى الصف الخامس الابتدائى، 1964 إذ وقف سكرتير المدرسة على باب الفصل ينادى على اسماء بعضنا من أوراق معه، غالبا إنذار بالفصل أو فصل فعلا أو استدعاء لولى الأمر، ثم قرأ الرجل اسمى، ولم يكن هذا غريبا علي فالمصائب والبلاوى التى أتسبب فيها كثيرا ما كانت تقضى استدعاء أبى أو عقابى عند الناظر أو فى الطابور، وسلمنى الرجل مظروفا أبيض عليه شعار النسر، فتحته لأجده خطاب من عبد الناصر، بداخله ورقة تركواز صغيرة وصورة عبد الناصر، يقول فى خطابه: ولدنا العزيز كمال حامد مغيث: أسعدنا خطابكم الذى تؤكد فيه رغبتكم فى تكون جنديا من جنود الوطن فى سبيل الحرية والاشتراكية والوحدة، وأنكم تتمنون خدمة وطنكم فى أى موقع …. و … ولكن لا بد أن أن يكون معروفا لكم أن اجتهادكم فى دروسكم ونجاحكم هو أول الطريق لتحقيق أمانيكم الوطنية.. ثم توقيعه المعروف “طازة” – أى بخط يده – وصورته الرسمية “بروفايل” فى حجم كارت البوستال وفى أسفلها توقيعه الطازة أيضا.. وفى خلال دقائق انقلب نظام المدرسة وأصبحت أنا نجم المدرسة كلها، التى انحشر معظم تلاميذها فى فصلى حشرا، يرجوننى أن أكتب لهم خطابا لعبد الناصر مقابل منحى –عن طيب خاطر والله- نصيبهم من التغذية المدرسية، قطعة من الجبن “الفلمنك”، يومها رجعت بيتنا أحمل حقيبة من القماش مملوءة بهذا الجبن “الفلمنك” الفاخر
وبعدها بعام أعلن عن مرور عبد الناصر ببلدتنا – الباجور منوفية – لافتتاح مصنع النسيج بشبين الكوم، بصحبة المناضل الأسطورة “جيفارا”، ورحنا نتابع استعداد البلد بإقامة أقواس النصر على طول الطريق، ولا فتات الترحيب الهائلة، ويومها خرجت المدارس كلها تصطف على جانبى الطريق، وآلاف الموظفين والناس العاديين، ودفعنى الصخب الشديد حولى ومخافة أن أسقط فى الزحام أن أمشى وأتجاوز مدرستى وما بعدها، مئات الأمتار حتى أصبحت وحيدا، وحيدا بالفعل، حتى وجدت كوم “رتش” على الطريق مباشرة جلست عليه، حتى سمعت الصراخ والهتاف يعلو ولاحت سيارة عبد الناصر المكشوفة من بعيد فوقفت ورحت أجرى بأقصى سرعة بجوار السيارة التى يقف فيها ناصر وجيفارا وأنا أصرخ: ناصر .. ناصر ..ولم يساورنى شك بأنه نظر إلى وابتسم.. وعندما عدت لبيتنا كانت أمى ورفيقاتها يتساءلن عن هذا الرجل “السنى” الذى يقف بجوار ناصر؟ وأنا أحدثهن عن ما قرأته عن الثائر العظيم جيفارا
… يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى