كتّاب

علي البخيتي | اقرأي المقالة هذه يا توجان وستجدي الإجابة على سؤالك

علي البخيتي:


اقرأي المقالة هذه يا توجان وستجدي الإجابة على سؤالك
????????
العدالة الإلهية وصناعة الأديان
——-
????| علي البخيتي

مفهوم أو فرضية (العدل الإلهي) وما نتج عنه من أديان وأنبياء وموروث ديني أنتجته الثقافة البشرية خلال مراحل تطور الانسان وسعيه لتفسير وجوده ووجود الكون ليجيب على التساؤلات التي بدأت تلح عليه منذ أن اكتمل تكوين عقله ووصل الى مرحلة من التطور ميزته كثيراً عن أسلافه من الحيوانات.

(العدل الإلهي) فرضية صنعتها الثقافة البشرية لتبرير وجود الرسل والأديان لاحقاً؛ وبعد صناعة الفرضية بنوا عليها منطق سرعان ما يتهاوى عندما يفكر أحدنا بتجرد عن ذلك الموروث الجاهز والقوالب التي تم تلقينها لنا منذ الولادة؛ سنبحر معاً في هذه السطور التي ستكون بمثابة دعوة للتفكير خارج الصندوق؛ لنعيد اكتشاف أنفسنا؛ كما سعى أسلافنا لاكتشاف العالم وماهيته وبدأوا رحلة التفكير واستخدموا عقولهم ما ميزهم عن أشقائهم من الحيوانات؛ فتعريف الانسان لدى علماء الأحياء لا يزال الى اليوم كما هو "حيوان ناطق"؛ وهذه ليست إهانة للإنسان بل تعريف علمي له.

من المهم ان ندرك ان هذه النسخة من سلالة البشر الموجودين على الأرض لم تكن الوحيدة؛ كان هناك سلالات بشرية غيرنا لكنها انقرضت بفعل عوامل مختلفة؛ وهناك من تزاوج منها مع الانسان الحالي؛ فقد أثبتت الأبحاث العلمية مثلاً ان سكان هضبة التيبت لديهم خصائص نادرة اكتسبوها من تزاوج اسلافهم مع يسمى بـ (إنسان دينيسوفان)؛ ما مكن اجسادهم من العيش في ارتفاعات هائلة والتكيف مع قلة الأكسجين فيها بطريقة مذهلة يتميزون بها عن باقي البشر الحاليين.

وهناك الكثير من الأبحاث التي أكدت أن هناك عدة سلالات بشرية؛ منقرضة؛ ويحمل بعض البشر الى الان جينات وراثية منها بفعل تزاوج قديم معها؛ وأكدت الأبحاث العلمية الكثير من الفرضيات السابقة المتعلقة بتطور الانسان وأنه لم يخلق على هيئته الحالية كما زعمت الأديان؛ بعد سلسلة اختبارات للحمض النووي (DNA) تم إجراءها على بقايا بشرية أكتشفت في مختلف دول العالم؛ والحديث يطول حول تفاصيل تلك السلالات وتطورها الممتد خلال عشرات ومئات الآلاف من السنوات.

وبالعودة الى مفهوم أو فرضية (العدل الإلهي)؛ فإن أصحابها افترضوا ان الله خلق الانسان على هيئته الحالية؛ عبر سردية أو قصة آدم وحواء المعروفة وكيف خرجوا من الجنة؛ وبنوا منطقهم وحججهم في فرضية (العدل الإلهي) على هذه القصة باعتبارها حقيقة مطلقة؛ مفترضين بعدها أن الأديان ضرورة؛ وان الله لا يمكن ان يترك آدم وحواء بعد أن أخرجهم من الجنة وذريتهم من بعدهم دون هداية؛ فذلك يتناقض مع فرضية (أن الله عادل)؛ وفسروا العدل هنا بحسب تصوراتهم البشرية الضيقة والبدائية والساذجة في أحيان كثيرة؛ وسنوضح بعضاً منها لاحقاً في هذه السطور.

فالأبحاث العلمية الحديثة وبما لا يدع مجالاً للشك أكدت على صحة الفرضيات والنظريات العلمية لتطور البشر والتي كان رائدها عالم التاريخ الطبيعي والجيولوجيا والأحياء البريطاني العظيم (تشارلز روبرت داروين) المتوفي في ١٩ إبريل عام ١٨٨٢م؛ وضمنها في كتابه (أصل الأنواع)؛ والتي تعارض نظرية الأديان حول خلق الإنسان الاول؛ والجديد ان العلم الحديث حول تلك النظريات الداروينية الى حقائق علمية غير قابلة للجدل؛ وأصبحت أشبه بالرياضيات؛ ما أسقط القصة التي ابتدعتها الأديان عن خلق الانسان الأول المتمثلة بقصة آدم وحواء وخروجهما من الجنة؛ وبالتالي أسقط وبالضربة القاضية كل الافتراضات التي بنيت على تلك القصة؛ ومنها فرضية ضرورة وجود الأنبياء والأديان؛ والتي ولدت من رحم فرضية أخرى هي (العدل الإلهي)؛ والمولدة بالأساس من سردية أو فرضية قصة آدم وحواء وخروجهما من الجنة؛ وجعل العلم الحديث تلك القصة عن الخلق وما بني عليها مجرد خرافات وأساطير قديمة كغيرها من الأساطير التي أسقطتها العلوم الحديثة؛ ومنها مثلاً ان الأرض محور الكون وأن الشمس تدور حولها؛ والتي كانت ضمن الكتب المقدسة للكثير من الأديان؛ بما فيها المسيحية؛ لذلك اعدمت الكنيسة الكثير من العلماء الذين تحدثوا عن أن الأرض ليست مركز الكون وأنها هي من تدور حول الشمس وليس العكس؛ وحاربت الكنيسة تلك العلوم لعدة قرون وأعدم الكثير بتهمة الهرطقة والزندقة؛ وهي نفس التهم التي توجه اليوم في المجتمعات المتخلفة لكل من يقول شيء جديد بالنسبة لها؛ أو يتحدث خارج ما هو مألوف ولو مستنداً الى حقائق علمية واكتشافات جديدة بعد التطورات المذهلة في الأبحاث المرتبطة بالـ (DNA)؛ وبالأخص إذا تعارضت مع نصوص مقدسة في الاـ///ــلام او المسيحية او غيرها من الأديان؛ إلا أن غالبية الدول والشعوب المسيحية وديانات أخرى كثيرة تجاوزت تلك الإشكالية منذ مدة طويلة وأصبحت تؤمن بالعقل والأبحاث العلمية؛ ورمت منذ مدة طويلة كتب التراث الديني وراء ظهرها؛ وباتت تتعامل معها باعتبارها تاريخ وثقافة بشرية قديمة عفى عليها الزمن لا دين ومقدسات صالحة بشكلها القديم وبكل ما فيها من تفاصيل لتتحكم بنا الى اليوم؛ وهذا هو سبب تطور تلك المجتمعات بعكس الدول والشعوب التي لا تزال تؤمن بالخرافات والموروث الديني وتقدمها على العلم والمعرفة؛ وتمجد "النقل" وتسخر من "العقل" إذا تعارض معه.

اثبتت الأبحاث العلمية أن الانسان مر بمراحل تطور الى ان وصل الى نسخته الحالية؛ وأنه كان قبلها جزء من عالم الحيوان بكل تفاصيله وتوحشه؛ وحتى بعد ان تطور الانسان لنسخته الحالية ضل متوحشاً لعشرات الآلاف من السنين ويأكل بعضه ويقتل ويفعل كل ما بات ممنوعاً أو مجرماً في وقت لاحق عندما تطور الانسان فكرياً وأخلاقياً وتراكمت معارفه؛ ولا ندري أين كان (العدل الإلهي) المفترض خلال تلك المرحلة؟؛ ولماذا لم يرسل الله احد للبشرية؟؛ وكيف قبل بكل تلك المآسي لعشرات ومئات الآلاف من السنوات؟؛ وقبلها لملايين من السنوات قبل ان يصل الانسان لشكله الحالي.

ثم ان فرضية الأديان (أن الله عادل) تتناقض مع فطرة الخلق نفسها في عالم الحيوان والذي نحن جزء منه؛ إذ ان خلق الحيوانات ونظامها الغذائي وبقائها قائم بالأساس على اعتماد كل منها على افتراس الأخرى لتعيش؛ فالسمكة الكبيرة تعتمد في غذائها على السمكة الصغيرة؛ واذا انقرضت الأسماك الصغيرة من مكان انقرضت بعدها الأسماك الكبيرة؛ وانقراض الكثير من المخلوقات كان بسبب انقراض مخلوقات أخرى كانت تعتمل عليها في غذائها؛ والتي خلقت بهذا الشكل؛ ووفقاً لهذا التسلسل الطبيعي للخلق الذي لا يعترف بفرضية (العدل الإلهي) التي صنعتها الثقافة البشرية معتمدة على قصة آدم وحواء؛ فالأسد يأكل الحيوانات الأضعف منه؛ وكل الحيوانات المفترسة كذلك؛ والأمثلة لا تعد ولا تحصى؛ ومشاهد افتراس أسد لجاموس صغير او ثور بري والثور يقوم بالدفاع عن طفله ويقاتل الأسد أحياناً حتى يموت دون وجود تدخل إلهي ولا رسول من الله لهذه الحيوانات لتترك افتراس بعضها بحكم انها تحس وتتألم كماً يحس ويتألم البشر وان كان تفكيرها محدود مقارنة به؛ لكنها تشعر بالظلم من افتراس الأكبر لها؛ ويفترض ان كان هناك عدل إلهي ان يشملها بالأنبياء وبالثوابت والعقاب؛ بحيث يتم ادخال الأسود والمفترسات الأخرى لاحقاً الى النار لتحقيق العدالة المفترضة.

ذلك التوحش ساد بين البشر مثلهم مثل باقي أشقائهم من الحيوانات لملايين السنيين؛ ولم يكن هناك عدالة إلهية؛ ولا رسل ولا أنبياء؛ حتى تطورت المجتمعات البشرية واختلقت تلك الفرضيات ووضعت الله في قوالب خاصة بها تلبي احتياجاتها؛ وحتى تدفع أفرادها للإلتزام بالقواعد التي تنظم مجتمعاتهم البدائية؛ لكن تلك النظريات التي وجدت قبل آلاف قليلة من السنين لم تجب على الكثير من الأسئلة عما كان سائد عن ملايين السنين من حياة الجنس البشري ولا كيف غاب مفهوم العدالة الإلهية في تلك المراحل الطويلة جداً جداً مقارنة بالفترة القريبة التي تم اختراعه فيها.

تلك الفرضيات الدينية تم صناعتها بناء على فرضية ان الله اخرج ادم وحواء من الجنة؛ وبهم بدأ وجود جنس البشر على الأرض؛ وبدأ الأنبياء في النزول لهدايتهم؛ لكن بسقوط تلك القصة لحساب نظرية التطور سقطت معها كل الفرضيات التي ارتبطت بها ومن ضمنها (العدل الإلهي)؛ والجنة والنار؛ والثواب والعقاب؛ وبقية المفاهيم؛ ولم يعد لها أي منطق.

فالإنسان جزء من عالم الحيوان؛ تطور الى أشكال مختلفة؛ انقرضت كلها كما انقرضت الديناصورات؛ وبقي الانسان الحالي؛ وهذا الانسان وخلال مراحل تطوره انتج خرافة اخراج الله لآدم وحواء ومن ثم صنع الأديان وكل الأساطير والمفاهيم المرتبطة بها ومنها فرضية العدل الإلهي الذي لا وجود له؛ فالله اكبر وأبعد من أن يدركه البشر ويضعون له قوانين هي بالأساس من بنات افكارهم ونتاج لتطورهم.

فلو كان هناك عدل الهي كماً صورته الأديان لكان شمل كل الحشرات والأسماك وكل عالم الحيوانات وليس الإنسان لوحده؛ وبالأخص أن الانسان جزء من عالم الحيوان؛ وكلها تشترك في الإحساس والألم والخوف والقلق والتفكير والرغبة في البقاء وابتكار الحيل المذهلة للبقاء؛ ومن يتابع قناة ناشيونال جيوغرافيك سيذهل من ذكاء الكثير من الحيوانات؛ بعكس النباتات التي لا تشعر بكل تلك الأحاسيس التي بررت وجود عدل الهي لدى اصحاب تلك الفرضيات.

كما أن نظرية العدل الإلهي لا تصمد حتى على الجنس البشري على فرض صحة القصة الخرافية المتعلقة بآدم وحواء؛ فثمة حلقات كثيرة مفقودة في تلك النظرية؛ فهناك شعوب بشرية عاشت لآلاف السنوات معزولة عن التجمعات البشرية التي ظهرت فيها خرافة الأديان الإلهية؛ فلماذا لم يرسل الله رسول الى الهنود الحمر في أمريكا يعلمهم أمور دينهم ويلقي عليهم الحجة وكل تلك الخرافات؟؛ الم يكن يستحق البشر هناك نبي واحد من الخمسة والعشرين ألف نبي الذي ارسلهم في جزء محدود من العالم؟؛ وهو الشرق الأوسط؛ ولماذا لم يظهر أنبياء حتى في أوربا القديمة والحديثة والتي حضارة بعضها أقدم وأكثر تطور من حضارات الشرق الأوسط كلها بمراحل؟؛ ومع ذلك لا يوجد في ارث تلك الحضارات الأوربية أي موروث لأديان أو أنبياء بُعثوا فيها؛ الا للذين ظهر منهم في الشرق الأوسط؛ ومنهم موسى وعيسى ومحمد؛ فهل من العدل الإلهي ترك تلك الشعوب لآلاف السنين السابقة تلك دون أنبياء وهداية؟.

كما أن فرضية العدل الإلهي وما تبعها من فرضيات صنعت الأديان وكل ذلك الموروث تتداعى حتى بعد ظهور الأنبياء وايمان الكثير بهم؛ فقد تسبب الزعيم الألماني هتلر مثلاً في قتل أكثر من ستين مليون إنسان وأضعافهم جرحى ومنكوبين ومكلومين؛ وتسبب في دمار هائل للكثير من الدول ومآسي تحتاج لمجلدات للحديث عنها؛ ثم تقول فرضية العدل الإلهي ان الله سيدخله النار بسبب ذلك؛ وإدخاله النار هو تجسيد لعدل الله؛ بينما المنطق والعقل يقول انه لو كان الله يتدخل بشكلٍ مباشر في حياة البشر وإنه عادل وفقاً لتصورهم للعدل؛ لكان لم يخلق هتلر من الأساس؛ أو خلقه ومنع وصوله الى زعامة ألمانيا؛ أو سمح بوصوله لكنه سمح بنجاح واحدة من عشرات المحاولات الانقلابية عليه؛ فإدخال شخص واحد للنار بسبب مقتل عشرات الملايين من البشر فيما كان بإمكان الله منعه من القتل بعدة وسائل وهو القادر على كل شيء ليس عدل أبداً حتى بمقياس عدل الانسان؛ فالقانون الذي وضعه الانسان حتى في البلدان العربية يجرم اي انسان كان في قدرته منع وقوع ضرر على غيره لكنه امتنع عن وقف ذاك الضرر؛ وكان في مقدوره ذلك دون ان يتضرر هو أو يخشى على نفسه.

فلو كان هناك مجرم حمل رشاشاً وأطلق النار على الناس بشكل عشوائي ولحقهم الى أحد الأسواق وقتل فيه المئات فيما كان في قدرة الأمن إغلاق بوابة السوق بضغطة زر ؛لكنهم شاهدوا الجريمة ولم يحركوا ساكناً؛ مع عدم وجود ضرر عليهم لو اغلقوا البوابات اذا انها بوابات إلكترونية تغلق بضغطة زر من مكان محصن لا يصله المجرم ولا يمكنه تهديدهم؛ هنا يعاقب القانون رجال الامن ويعتبرهم شركاء في الجريمة وتوجه لهم تهمة (قتل غير مباشر) بسبب الإهمال الجسيم؛ وحتى لو لم يكونوا مكلفين بحراسة السوق؛ وكان يوجد مثلاً بعض الأشخاص لديهم قدرة في منع المجرم من القتل دون ان يطالهم ضرر ومع ذلك تفرجوا عليه وهى يقتل الآخرين بدم بارد فان القانون سيعاقبهم؛ هذا وهم بشر؛ يفترض عليهم ان لا يقفوا متفرجين؛ متحججين ان الشرطة ستلقي القبض على القاتل لاحقاً ويتم محاكمته وإعدامه؛ فسيقول لهم القاضي: كان بامكانكم منعه ممن قتل اخرين؛ وإعدامه لن يعيد حياتهم؛ فاذا كانت تلك العدالة المفترض ان يتحلى بها البشر اليوم كيف يفترض ان تكون العدالة الإلهية لخالق البشر؛ وصاحب القدرة في منع وفعل اي شيء دون ان يخاف او يخشى الضرر؛ فلماذا لم يمنع هتلر من التسبب في قتل أكثر من ٦٠ مليون من البشر بسبب جنونه وعنصريته؟؛ ولماذا لم يمنع الكثير من المجازر المروعة خلال حياة البشرية والتي تسبب بها معاتيه أفراد كان يمكن لله وقفهم ببساطة؟؛ لان إدخالهم النار ليس عدلاً كونه لن يعيد الملايين الذين قتلهم؛ ولان الله سيبدوا حينها كحراس السوق الذين لم يقوموا بواجبهم في منع القاتل من الدخول مع انهم شاهدوه عبر كامرات المراقبة وهو يهم بالدخول؛ والله لم يشاهد هتلر فحسب؛ بل كان مطلع على نواياه قبلها؛ ومع ذلك تركه يفعل ما فعل.

والخلاصة انه لا وجود لفرضية العدل الإلهي؛ ولا لكل الفرضيات التي أنتجتها الثقافة البشرية كمبرر لصناعة الأديان والأنبياء والرسل باعتبارهم من الله لالقاء الحجة على البشر لتعذيب من لم يلتزم لاحقاً؛ وإدخالهم النار؛ وبالأخص أن الأديان نفسها والتعصب لها هو المسؤول عن أغلب الجرائم والمجازر والإبادات الجماعية التي ارتكبت في الألفي عام الماضية.

قد يقول احدهم وهو يقرأ هذا السطور: هل تريد ان تقول لنا أن الله ظالم؛ وأنه ترك هتلر وغيره من كبار المجرمين يفعلوا ذلك بنا؟؛ وللرد على هؤلاء أقول:
عليكم اولاً التفكير خارج صندوق الموروث الديني وكل الثقافة البشرية القديمة الغير مرتبطة بالعلم والمعرفة الحديثة؛ فهي مجرد خرافات وأساطير ورثناها دون بحث أو تمحيص أو تفكير وليس لها بالتالي حجة حتى يتم إثبات أي منها بشكل قطعي.
وبعد ان تتجردوا من كل ذلك -ولو لدقائق تسمح لكم بالتفكير العلمي والمنطقي والموضوعي- ستدركون ان تلك المفاهيم والفرضيات لا أدلة عليها؛ وانها محور آراء فلسفية قابلة للنقاش؛ وان العلم الحديث دحض اغلبها وبشكل لا يدع مجال للشك.

ان مفهوم العدل والظلم وبقية المفاهيم ثقافة بشرية نسبية؛ تتغير مع مرور الزمن؛ وليست ثابته؛ وما كان عدلاً في زمن لم يعد عدلاً اليوم؛ فلا وجود لعدل مطلق نهائياً؛ وإلا لطالبنا من ٣٠٠ مليون أمريكي مغادرة أمريكا وإعادتها لسكانها الأصليين لآلاف السنين وهم الهنود الحمر؛ والذين تعرضوا لإبادة بشعة قبل مئات السنين فقط مع وجود الأديان وزعم وجود العدل الإلهي؛ ولطلبنا من الإنجليز مغادرة بريطانيا والعودة الى ألمانيا وشمال أوروبا التي أتوا منها قبل مئات من السنين فقط بعد حروب وجرائم مروعة؛ تم انتاج مسلسلات وافلام مثيرة عنها (حروب الفايكينغ).

وبما أنه لا وجود لعدل مطلق؛ وبما انه حدثت الكثير من الجرائم التي كان في قدرة الله منعها دون ان يتضرر؛ وبما أن الحجج التي ساقتها صناعة الأديان لسكوت الله عن تلك الجرائم المروعة واهية وغير مقنعة ولا نقبلها من الانسان العادي والتي بررت سكوته باعتبار انه سيعاقب فاعلها لاحقاً؛ فيما البشرية اليوم تجرم ذلك النوع من التواطؤ او القبول والسكوت عن جريمة مع إمكانية منعها؛ فلا يمكن ان يكون الله عادل وفقاً لتلك السرديات والوقائع التي تلتها؛ لأن الله لا يقبل إلا الكمال في كل صفاته؛ فإن كان عادل فهو صاحب العدل المطلق الذي لا يقبل معه أي جريمة يمكنه منعها؛ وفي نفس الوقت لا يمكن ان يكون الله ظالم؛ فما هو الحل إذاً لتلك المعضلة وما هي الإجابة لتلك الأسئلة؟!!.

الإجابة ببساطة هي أن مفاهيم العدل والظلم وحقوق الانسان وحقوق الحيوان وكل تلك المفاهيم هي نتاج لثقافة بشرية تطورت عبر العصور؛ ولا تزال تتطور؛ وأخذت في كل عصر أشكال مختلفة؛ بدأت كقواعد اجتماعية؛ وتطورت الى اديان لتكون اكثر إلزامية ولتبرر معاقبة من ينتهكها في الآخرة إذا عجز المجتمع عن معاقبته في الأرض؛ ثم تطورت الى مواثيق ومعاهدات لحقوق الانسان تسعى لمعاقبة المجرم على الأرض بل ومنعه من ارتكاب الجريمة ان أمكن ذلك؛ أو وقفه عند حد معين عند التمكن منه؛ وكل تلك التطورات لتلك المفاهيم لا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيقها على الخالق العظيم؛ فثقافة البشر وقواعدهم وقوانينهم محدودة بهم ولا يمكن إطلاق تلك المفاهيم على الله أو إلزامه بها؛ فالحقيقة التي أمام أعيننا تثبت ان الله خلق هذا الكون الفسيح ووضع له قواعد وقوانين ونواميس خاصة نجهل اغلبها الى اليوم؛ وتركها تتفاعل مع بعضها وتتطور وتتغير وترتقي؛ وهي في تطورها ورقيها لا تُلزم الرب بشيء ولا يحق لها لمخلوق سؤاله عن شيء؛ لأنه خارج سيطرة مخلوقاته ووعيها المحدود جداً جداً؛ ولو قرأ احدكم لساعة واحدة فقط عن الكون واتساعه لاستحى ان يقيد الخالق العظيم وفقاً لقواعد بشرية هي نفسها غير ثابته وتتطور يوم بعد يوم بما في ذلك مفهوم (العدل) نفسه.

وختامه نقول: علينا ان نبني دولنا ومجتمعاتنا وفقاً للعلوم الحديثة ونتبنى ما ينتجه "العقل" ونغادر مربع "النقل" والتخلف والجهل والعصبيات الدينية والمذهبية والخرافات الحاكمة لها والتي كانت السبب الرئيس لكل مآسينا خلال العقود الماضية؛ علينا ان نتبع خطوات الأمم والحضارات والدول التي سبقتنا ونجحت في توفير رفاهية لشعوبها مع حرية وديمقراطية؛ بتبني النظام العلماني؛ مع إحترام حق المؤمنين بالأديان بالإيمان بما شاؤوا؛ شرط ان لا يفرضوا إيمانهم على غيرهم؛ ولا يمكن ذلك الا بحياد الدولة ومؤسساتها بتبني العلمانية كنظام حكم.
#صحيح_البخيتي
????| علي البخيتي
مقالة صناعة الأديان ومفهوم العدالة الإلهية منشورة في ١١ نوفمير ٢٠١٩ علي هذا الرابط:
https://www.facebook.com/115666139865266/posts/122052342559979/?d=n

علي البخيتي | ناشط سياسي اجتماعي | على السوشل ميديا
[elementor-template id=”190″]

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى