مجتمع الميم

تصاعد الهجمات على المبادرات الكويرية والأفراد الكويريين/ات في الأردن في عام 2023 – My Kali Magazine


ِEnglish

إلى من يهمه الأمر،

نحن مجموعة من الأفراد الكويريين/ات والمبادرات الكويرية تكتب هذا البيان لشرح مخاوفنا المتعلقة بالبيئة الاجتماعية السياسية التي نواجهها الآن في الأردن.

كانت هناك زيادة مقلقة، منذ نهاية العام الماضي، في الهجمات التي تتعرض لها الساحات، والمبادرات، وصفحات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الكويرية والأفراد الكويريين/ات في الأردن، وفي حين ربط البعض ذلك بتنامي الأنشطة والخطابات المُعادية لمجتمع الميم عين+ التي ظهرت إبان كأس العالم الذي أُقيم في قطر في العام نفسه، فإن هذه الهجمات جزء من حملة أقدم من ذلك كثيرًا ضد الحركات الكويرية (بل وبعض الحركات المعارضة والنسوية) في البلاد، وتبدو هذه الهجمات التي تحدث في الساحات الإلكترونية والشخصية على حد سواء جزءًا من جهد منسق تبذله الكيانات الحكومية، والمؤسسات الإعلامية، والسياسيون المحافظون، والقادة، والأفراد من خلال تصرفاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي التعاملات اليومية.

يبدو أن الحملة القمعية الحالية تستهدف الناشطين/ات، والفنانين/ات، والكتاب الكويريين/ات والمنصات الكويرية، ويبدو أنها تعتمد إلى حد بعيد على تكتيكات التخويف بدلاً من استهداف السلامة الجسدية بالتهديدات، ومع هذا، نعتقد أن الأهداف طويلة المدى لهذه الحملات تتمثل في زيادة التضييق على الساحات المدنية، وتنفيذ قوانين مُعادية للأفراد الكويريين/ات والأنشطة الكويرية في المطلق، وزيادة تدخل الدولة في الساحات الخاصة، والعامة، والرقمية، كما أننا نخشى أن تزيد هذه الهجمات من ترسيخ مكانة “الأخلاق العامة” للسلوكيات، أو الممارسات، أو الأيدولوجيات غير المتوافقة مع الأعراف أو القواعد السائدة باعتبارها موضوعًا يستحق المناقشة في السياسة والمجتمع الأردنيين، وهو ما قد يكون له آثار مضاعفة من فرض للرقابة الانتقامية على الساحات العامة والأجساد، لا سيما الأنثوية والكويرية.

الأحداث الأخيرة

شهد عام 2023 العديد من العواصف الإعلامية حول الأفراد الكويريين/ات والأنشطة الكويرية، وكذلك الإغلاق غير المعلن للمنصات والمبادرات الكويرية، ونوضح أدناه بعض الأحداث الأخيرة التي نوردها بترتيب زمني عكسي لتسليط الضوء على الحالة الطارئة التي نواجهها الآن.

في حين أننا نتطرق في الغالب إلى الحركات الكويرية في هذا البيان، إلا أننا نريد تسليط الضوء أيضًا على الجهود الحكومية، والإعلامية، والفردية المُعادية للكويريين/ات التي غالبًا ما تصور المجموعات والمنصات النسوية، والكويرية، والناقدة على أنها دخيلة ومصدر تهديد للأخلاق العامة والإسلام، فضلًا عن استهدافها لهذه الحركات عبر تكتيكات مماثلة لتخويفها، وبث الخوف فيها، وإجبارها على الإغلاق.

تموز/يوليو 27 2023: البرلمان يمرر تعديل قانون الجرائم الإلكترونية

عُرِض تعديل لقانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 على البرلمان في 16 تموز/يوليو 2023 من شأنه أن يضيق الخناق على حرية الإنترنت المقيدة بالفعل في الأردن، وقد طُرِح هذا التعديل على الجمهور ونُوقش في البرلمان في 16 تموز/يوليو حيث تم التصويت عليه في 27 تموز/يوليو، ويستهدف هذا التعديل – على الرغم من  شموليته لاستخدامه لغة مبهمة يسهل التلاعب بها – جميع الساحات المدنية ويعاقب جميع المخالفين/ات بغرامات كبيرة وبالحبس.

نسلط الضوء على ثلاث من مواد التعديل فحسب وإن كانت جميعها مدعاة للقلق، حيث تعاقب المادة (13) جميع المشاركين/ت في إنتاج أو توزيع أو حفظ أو طبع أو بيع أي أنشطة أو محتوى يُعتبَر “إباحيا”، وهذا شيء مبهم وغير محدد، بالحبس بمدة لا تقل عن  ستة أشهر أو غرامة تتراوح من 3,000 إلى 6,000 دينار أردني (4,250 – 8,500 دولار أمريكي)، وهذا يمكن أن يعرض أي شخص ينتج محتوى عن قضايا كويرية أو نسوية للخطر، ويمكن استخدام المادة (14) لاستهداف المثلية الجنسية بصورة مباشرة أكثر؛ حيث تجرم مالكي/ات المواقع والحسابات الإلكترونية الذين/اللاتي ينتجون/ينتجن محتوى “يروّج للدعارة”، أو يغوي شخصًا آخر، أو يسيء إلى الأخلاق العامة ويعاقبهم/ن بالحبس بمدة لا تقل عن ستة أشهر أو غرامة تتراوح من 9,000 إلى 15,000 دينار أردني (12,700 – 21,000 دولار أمريكي)، وتجرم المادة (12) التي تمنع استخدام أي أداة لتغيير بروتوكول الإنترنت (IP) أي شخص يحاول الوصول إلى محتوى مثلي وتخريبي باستخدام أحد برامج الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN)، وهي البرامج الضرورية للوصول إلى عدد متزايد من المواقع السياسية البديلة، أو الكويرية، أو كليهما المحظورة في البلاد، وتعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن ستة أشهر أو غرامة تتراوح من 2,500 إلى 25,000 دينار أردني (3,500 – 35,000 دولار أمريكي).

تضر هذه القوانين أيضًا بإمكانية ممارسة النشاط النضالي أو التعامل مع القضايا الكويرية من خلال تجريم التمويل الجماعي (أداة تمويل مهمة للكثيرين) وتهديد المنصات التي يستخدمها الكثيرون لبناء مجتمعاتهم ودوائرهم (أي، إنستغرام، وتويتر، وفيسبوك)، كما أنها ستجبر المنصات/التطبيقات التي يتجاوز عدد مستخدميها في الأردن 100 ألف مستخدم (مثل: فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام) على فتح مكتب في البلاد والامتثال لطلبات إزالة المحتوى أو تسليم البيانات، وإلا ستتعرض للحظر أو الحد من الوصول إليها، وأخيرًا، هناك إمكانية لاستخدام هذه التعديلات للمقاضاة بأثر رجعي، مما يعني أنه يمكن استخدامها للمقاضاة فيما يتعلق بالشكاوى التي تم تقديمها في السنوات السابقة.

في حين أن هذه القوانين لم تدخل حيز السريان بعد – ويجب أن يمررها البرلمان ويوقع عليها الملك – فإنها تمثل خطوة رئيسية باتجاه استهداف الساحة المدنية، والرقمية، والمادية، وفي المناقشات التي جرت في 27 تموز/يوليو بشأن التعديلات، أوضح أعضاء مجلس النواب أن هناك ضرورة لاستهداف المحتوى والأنشطة الكويرية على الإنترنت وأن هذه القوانين تفعل ذلك بفعالية.

تموز/يوليو 12 2023: #فطرة

أصبحت الحسابات والصفحات الكويرية والنسوية على مواقع التواصل الاجتماعي في مرمى نيران غضب وسائل الإعلام والسياسيين عندما اجتمعت لإظهار التضامن مع المستهدفين/ات بالحملة القمعية المستمرة ضد الساحات الكويرية والأفراد الكويريين/ات، والكشف عن السياسيين الذين يقفون ورائها، وتوليد الضغط لمواجهة هذه الحملة، وفي يوم الأربعاء الموافق 12 من تموز/يوليو، وصل الأمر ذروته بأن أصدرت جبهة العمل الإسلامي بيانًا أدانت فيه ما اعتبرته “تحريضًا” شيطانيًا تمارسه المجموعات الكويرية ضد عضو مكتبها التنفيذي والنائبة السابقة (ديمة طهبوب)، موضحةً أنها (طهبوب) تقوم بواجبها القانوني والوطني للدفاع عن القيم الأردنية والهوية الإسلامية ضد “الشذوذ” ومطالبةً السلطات بمحاكمة من يقفون خلف هذه الحملات لمعاقبتهم قانونيًا واجتماعيًا.

تلقت النائبة السابقة، تأكيدًا لكونها ضحية “حملة شيطنة”، دعمًا اجتماعيًا حدا بها إلى إعادة إشعال حملة #فطرة، وتدعو هذه الحملة، التي اُستخدمت إقليميًا في عام 2022 لقمع الأشخاص الكويريين/ات والحركات الكويرية، إلى تجريم المثلية الجنسية باسم الأخلاق والمنظومة الأسرية “الطبيعية” (أي، الغيرية الجنسية)، وفي الأسبوع الذي تلا إطلاق هذه الحملة التي تدعو إلى تجريم المثلية، تواصل معنا أكثر من 12 فردًا للإفادة بتعرضهم/ن للعنف على يد أسرهم/ن وفي الشارع.

#فطرة

حزيران/يونيو 19 2023: إيقاف عرض فيلم كويري

أُثير جدل إعلامي في 19 حزيران/يونيو عندما أوقف مكتب محافظ عمّان (ياسر العدوان) عرضًا خاصًا لفيلم كويري كانت ستقيمه إحدى المبادرات في مقهى محلي وساحة ثقافية بعد أن سارع المحافظ إلى التصرف في أعقاب انتشار معلومات عن الفعالية الخاصة شاركها لأول مرة مدير مكتب كتلة الإصلاح النيابية (خالد الجهني) ثم منصة “إذاعة حسنى“، وفي أعقاب قرار المحافظ بمنع إقامة الفعالية، صعّدت مواقع إعلامية وشخصيات عامة القضية إلى مستوى وطني بالتعبير عن “امتنانهم” لهذا التعاون بين الحكومة والأفراد المهتمين بالأمر؛ فقد توجهت (ديمة طهبوب) بالشكر إلى المحافظ مباشرةً على حمايته للعامة، بينما توجه (الجهني) بالشكر إلى (طهبوب) والنائب (ينال فريحات) على تواصلهما مع المسؤولين لمنع هذا “النشاط غير القانوني”، وشارك كلاهما تغريدة منصة “إذاعة حسنى”.

توجّه اهتمام وسائل الإعلام والأفراد أيضًا إلى كاتب كويري كانت له صلة بالفعالية أيضًا؛ فقد استهدفته منشورات تويتر ووسائل الإعلام التقليدية متهمةً إياه بالترويج للمثلية، مع نشر صورة له والإشارة إلى وضعه بصفته مهاجرًا، وقد حاول هذا الخطاب المُعادي للمثليين/ات والأجانب تصويره على أنه التهديد الأقوى الذي يواجه الساحة المدنية في الأردن، فضلًا عن إشعال نيران حملة مُعادية له في قسم التعليقات طالبت الحكومة بترحيله، أو معاقبته، أو القبض عليه، أو إحراقه.

حزيران/يونيو 16 2023: الهجوم على منصة نسوية على مواقع التواصل الاجتماعي

أصبحنا نتوقع حدوث هجمات على المبادرات النسوية والكويرية خلال شهر حزيران/يونيو كرد فعل على الخطابات الدولية حول حقوق مجتمع الميم عين الذي يتوافق مع “شهر الفخر”، وبدأت هذه الهجمات باستهداف محامية حقوقية تحظى باحترام كبير كانت ستقدم تدريبًا على مبادئ النسوية، وكان اسمها مقترنًا بالخطابات “الإسلامية” قبل إقامة الفعالية؛ فقد ربطت هذه الخطابات بينها وبين المثلية للإضرار بسمعتها علنًا وتكفيرها، ما أدى إلى حملة تشهير ودعوات للعنف ضدها.

بعد فترة وجيزة من هذا الهجوم، وفي 16 حزيران/يونيو، أصبحت إحدى المنصات النسوية على مواقع التواصل الاجتماعي هدفًا لموجة أخرى من الكراهية؛ فقد نشرت صفحة مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي قبل وقت قليل من الحادث صورة متلاعب بها لرسم كاريكاتيري سياسي نُشر في الأصل في أيلول/سبتمبر 2022 تضامناً مع حركة ” المرأة، الحياة، الحرية” في إيران يصور امرأة تزيح إمامًا شيعيًا من فوق ظهرها، بينما عُدّل الرسم الكاريكاتيري الجديد ليبدو وكأنه يدعو إلى خلع الحجاب، وقد نشرت (ديمة طهبوب) لقطة شاشة مفبركة على حسابها على منصة تويتر ونسبتها زورًا إلى الصفحة الأصلية على الرغم من التعليقات التي نفت صحة الصورة وإسنادها، مطالبةً السلطات بالعثور على من هم/ن خلف هذه المنصة النسوية والقبض عليهم/ن، كما حرضت متابعيها ووسائل الإعلام المحلية ضدهم/ن.

(ملحوظة: ظلت الصفحة المزيفة نشطة لأقل من أسبوع قبل حذفها)

في حين أن هذه الهجمات كانت موجهة ضد منظمات نسوية وليست كويرية، فإن لها أهميتها لأنها تُظهر كيف أن السلطات تستخدم الكويرية لشيطنة النسوية، كما أنها هيأت وسائل الإعلام والجمهور للأحداث التي تلتها.

سابقة

ليست هذه الأحداث بحالات منعزلة، بل هي مجرد تكرار آخر لتاريخ طويل من السياسات المُعادية للكويريين/ات والنسوية التي أصبحت سمة مميزة للممارسة السياسية الحديثة في بلدان ما بعد الاستعمار منذ تسعينيات القرن الماضي، كما أنها جزء من حملة منسقة وطويلة ومستمرة يميزها وسائل الإعلام الداعمة للغيرية الجنسية، وبلغت الحملة ذروتها عندما تسببت في منع فرقة “مشروع ليلى” من الغناء في عام 2016 ثم في عام 2017، وكذلك الحجب غير المعلن لمجلة ماي كالي في عام 2016 والدعاية اللاحقة المحيطة بهذا الأمر في عام 2017، وحدث تصعيد آخر قبل كأس العالم في صيف 2021 تسبب في حالة من النفور والذعر إزاء قوس قزح اُفترض فيها أن قوس قزح رمز يقتصر على مجتمع الميم عين+ فقط وأعادت إشعال مخاوف كامنة بشأن الكويرية في الأردن، ويكشف فهم هذه الأحداث الأخيرة في ضوء حملة متصاعدة الطبيعة النمطية لهذه الهجمات وكيف يمكن أن تتقاطع مع عوامل سياسية واقتصادية أخرى وتطور التكتيكات مع توفر تكنولوجيا جديدة.

هجوم ممنهج

دور الدولة

بالإضافة إلى الدور الذي لعبته القوات الحكومية والمخابراتية في هذه القضايا العامة والتعديلات المنتظرة لقانون الجرائم الإلكترونية التي ستضيق الخناق أكثر على الساحات الرقمية والمدنية، فقد تدخلت في المبادرات واستهدفت الأفراد أيضًا بزعم الارتباط بأنشطة وأيديولوجيات كويرية؛ فقد تأثرت خمس مبادرات مختلفة بذلك في الفترة من تشرين الأول/أكتوبر 2022 حتى حزيران/يونيو 2023 وواجهت معًا تحقيقات المخابرات والمحافظ، وتجميد الحسابات البنكية، وطلبات تسليم السجلات الخاصة، والاحتجاز الإداري، وقمع النشطاء، والإنهاء الاضطراري لعملياتها، والتخويف المستمر، والمراقبة الموجهة، وعلاوة على ذلك، عملت الحكومة على حظر مواقع إعلامية بديلة، بل وأصدرت أوامر اعتقال اُستخدمت لمداهمة الحفلات واحتجاز الأفراد الذين/اللاتي قررت أنهم/ن “بدوا/بدون مثليين/ات”.

كانت الأدلة في هذه الحالات قليلة، إن لم تكن معدومة، وفي بعض الأحيان، أُضفيت عليها الشرعية من خلال القوانين المتعلقة بغسيل الأموال أو قانون الجمعيات (للمنظمات والمؤسسات غير الربحية)، وفي حالات أخرى، لم يكن هناك أي مبرر قانوني على الإطلاق بخلاف كونها تندرج تحت المظلة الغامضة “لقانون منع الجرائم” الذي يسمح للمحافظ بتوقيف أي شخص يعتقد أنه على وشك ارتكاب جريمة أو يشكل “خطرًا على الناس”، ويشيع استخدام الاحتجاز الإداري “للالتفاف حول الحقوق التي يكفلها قانون الإجراءات الجزائية الأردني العادي، التي يمنحها للموقوفين، والالتزامات التي يفرضها القانون على السلطات القائمة بالتوقيف”، وهو يضر بمبادئ الإجراءات القانونية الواجبة.

أكدت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها لعام 2023 على أن الأطراف التابعة للدولة غالبًا ما تستخدم هذه الإجراءات لتقويض “حق مجتمع الميم في الخصوصية من خلال الاستهداف الرقمي” من خلال التصيّد، والمضايقات على الإنترنت، والابتزاز، والتهديد بفضح الهوية الجندرية والتوجه الجنسي للأشخاص، ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، و”الاعتماد على أدلة رقمية تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة في الملاحقات القضائية”، وتضيف بأن الدولة تقوم باعتقالات واحتجازات تعسفية بحق أفراد مجتمع الميم “بناء على أدلة رقمية موجودة على أجهزتهم الشخصية”، وتفرض رقابة على المحتوى على الإنترنت، وتخوّف النشطاء، وتُستخدَم هذه الإجراءات على الرغم من عدم وجود قانون صريح يجرّم الممارسات الجنسية المثلية.

غالبًا ما يتردد الأفراد، والمبادرات، والمنظمون/ات الكويريون/ات الذين/اللاتي تعرضوا/تعرضن لهذه الهجمات الحكومية في التحدث علنًا أو سرًا عن هذه المسائل، ربما بسبب الخوف مما سيحدث إذا فعلوا/فعلن ذلك، وهذا الخوف له أساس؛ فحتى وإن كان للأفراد والمنظمات التي تتعرض لهذه الهجمات رد فعل، فغالبًا ما لا يكون هناك دعم قانوني لأن قلة فحسب، إن وُجدت، مستعدون/ات لتولي هذه القضايا ودعمها دعمًا يتجاوز الدور الاستشاري بسبب الخوف من الانتقام أو إدراجهم/ن في القائمة السوداء.

دور صناعة الإعلام

تلعب المؤسسات الإعلامية دورًا رئيسيًا في دعم هذه الانتهاكات، وشرعنتها، والتحريض عليها في المجالين العام والخاص من خلال مناقشات للمجالات والسياسات الاجتماعية والدينية، وقد زاد هذا التوجّه منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 عندما نشر موقع “رؤيا الإخباري” – الذي يزعم تقديم “تغطية بطريقة مستقلة وموضوعية” للأخبار المحلية الأردنية والأخبار الدولية – حلقة  مدتها 45 دقيقة استضاف فيه (محمد الخالدي) ثلاثة “خبراء” لمناقشة انحراف المثليين/ات بعد كأس العالم 2022 والطريقة التي انتقد بها الغرب دولة قطر لحمايتها لتقاليدها، وقد غذّى المتحدثون الخطابات المُعادية للكويريين/ات والمنحازة جنسيًا للغيرية المتعلقة بهذه القضية على الرغم من أن النقاش كان مليئًا بالتناقضات؛ فحينًا ينتقدون الغرب لفرضه أيديولوجياته المتعلقة بالجنسانية على الإسلام والتقاليد الأردنية وحينًا يثنون على البريطانيين لكونهم متقدمين للغاية لدرجة أنهم جرّموا المثلية عندما استعمروا المنطقة، وعلى الرغم من هذا المنطق الملتوي، فإن هذا المقطع يوضح القوة التي يتمتع بها الإعلام للترويج لهذه الخطابات من خلال “شهادة الخبراء” وحجب واقع القضية نفسها والأدلة.

 استمرت تغطية موقع “رؤيا الإخباري” المعادية للمثليين/ات بصورة مطردة، لا سيما في محتواه باللغة العربية، فنشرت تقريرًا عن إلغاء المحافظ لعرض الفيلم بعد تسريب منصة “إذاعة حسنى” أخبارًا عن ذلك، وهو ما أدى إلى انتشار القصة على نطاق واسع، ثم نشرت رسمًا كاريكاتيريًا سياسيًا للرسام (لطيف فتياني) يصور علم الرينبو (قوس قزح) ملقى في حاوية للقمامة وعبارة تقول “الأردن يمنع فعالية تروج للمثليين”، كما نشرت مجموعة من المنصات الإعلامية الأردنية الأخرى تقارير عن القضية، ناسخةً ما نشرته السابقة تقريبًا.

رؤيا الإخباري، 21 حزيران/يونيو 2023

كانت التعليقات الصادرة خلال هذه المناقشات حول المجتمع و”الأحداث الحالية” مدعومة بتغطية للتعديلات القانونية والتشريعات التي يمكنها أن توفر المزيد من “الحماية” للمجتمع الأردني، والإسلام، والساحة المدنية؛ ففي الثاني من تموز/يوليو 2023، نشر موقع “التاج الإخباري” تقريرًا عن أن لديه مجموعة من الصحفيين الاستقصائيين الذين يعملون من خلال حسابات وهمية لمراقبة تطبيق يتستر خلفه “آلاف الشواذ في البلاد”، وهذا انتهاك خطير للخصوصية، وفي وقت لاحق عن أن الحكومة تهدف إلى حظر “تطبيق يروج للعلاقات الجنسية بين الرجال”، وفي الخامس من تموز/يوليو، وفي إحدى حلقات قناة “صوت المملكة” على يوتيوب حول التعديلات القادمة لقانون الجمعيات، هاجم الضيف تمويل المنظمات غير الحكومية، مع التركيز بصفة خاصة على المنظمات التي تهدف إلى دعم البرامج المتعلقة بحقوق المرأة ومجموعات مجتمع الميم عين+.

سواء كانت هذه المناقشات تدور حول التشريع المتوقع للدولة أو الأوضاع الحالية أو المستقبلية للمجتمع، فإن هذا النوع من التغطية الإعلامية يقر بالخطابات المُعادية للكويريين/ات والمُعادية للنسوية ويؤججها، ويدعم الأيديولوجيات التي تقوم عليها تلك الخطابات، ويخلق خوفًا لا أساس له من “المنحرفين” والمثليين/ات ويغذيه، ويقدم دليلًا قد يحشده الأفراد في مساعيهم من أجل “حماية” الأخلاق العامة، وعلاوة على ذلك، فإنه يجعل من الأفراد الكويريين/ات كبش فداء لإلهاء الناس عن الصراع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الحقيقي الذي يواجهه العديد من الأردنيين، وبوسع المرء تخيل أن هناك أشخاصًا يقومون بإنشاء حسابات وهمية لتصيّد الأشخاص الذين يعتقدون أنهم كويريون/ات وابتزازهم/ن.

دور الأفراد المحرضين/وأتباعهم/ن

يشكل الأفراد والمصالح السياسية قوة دافعة مركزية تقف وراء هذه الهجمات الهيكلية والمؤسسية المنسقة، وأبرز هؤلاء الأفراد النائبة السابقة والناطقة الإعلامية (ديمة طهبوب) التي غالبًا ما تكون أول من يدين النشطاء الكويريين/ات والأنشطة الكويرية، ومن المهم أن نتذكر أنه على الرغم من أنها ربما تكون الشخصية الأبرز، إلا أنها لا تتصرف بمفردها؛ فهي مدعومة أيضًا من حزبها ومن السياسيين والأفراد الآخرين الذين يتمتعون بمتابعات كبيرة وظهور واضح، فعلى سبيل المثال، كان لإياد قنيبي، وهو صوت له شعبيته على يوتيوب، تأثير كبير من خلال مقاطع الفيديو التي يعلق فيها على الأنشطة الكويرية والنسوية وينتقد الحكومة لعدم معاقبة المنظمين لها بصورة كافية، وهذا النوع من التغطية يؤجج ردود الفعل المتعلقة بأي حالة مطروحة للتدقيق العام.

بالإضافة إلى الشخصيات العامة التي تدين من يأخذون/يأخذن صف السياسات الكويرية، أو النسوية، أو كليهما، فإن المشاركات، والتعليقات، والردود على هذه المنشورات تدفع هذه الخطابات للأمام، وفي كل مرة تنشر فيها هذه الشخصيات شيئًا على حساباتها على منصة تويتر، مع مشاركة أسماء أو حالات بأقل قدر من الشرح، فإنها تشجع متابعيها على الاستجابة بشيطنتهم/ن، ومضايقتهم/ن، وحتى التحريض على العنف ضدهم/ن بصورة صريحة أو بلغتهم المتحمسة، وكما هو الحال مع النظام البيئي الحالي لمواقع التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، فإن هذا الجيش من المتابعين/ات على استعداد لأخذ زمام المبادرة وملاحقة كل منشور أو حساب يقاوم هذه التحريضات، وهو ما يعزز قاعدة الدعم، كما في حالة طهبوب.

اتخذت الهجمات الفردية أشكالًا مادية ويومية أكثر، ومن هذه الأشكال التصيد الاحتيالي الذي ينطوي على رسائل منبثقة تحمل شعار مديرية الأمن العام الأردنية على المواقع الإلكترونية تحذر من أنها “تروج الاعتداء الجنسي على الأطفال، والعنف، والمثلية” وأن مستخدميها محظورون/ات من دخولها وتهددهم/ن بدفع غرامة إلكترونيًا أو التعرض للحبس.

هناك شكل آخر يتمثل في الأماكن التي تمنع دخول من “يبدو عليهم/ن مظهر المثلية” أو “يرتدون ملابس مبهرجة أو زاهية”، مع الاستشهاد بـ “مجموعة من القواعد الجديدة التي فرضتها السلطات على أي “مظاهر صارخة” أو التي “تسيء مباشرةً إلى تقاليد البلاد وقيمها”” والتي يمكنها أن “تعرض المنظمين والمكان لخطر الإغلاق الدائم وعواقب أخرى لا يمكنهم الإفصاح عنها”، وهناك إحدى مزارع الخضروات العضوية في عمّان، “روابي فرح”، التي وضحت لافتات بارزة تمنع دخول “الخنازير والمثليين والسويديين” لأن “المكان طاهر”، وقد أقر النائب (ينال فريحات) بهذا الفعل بنشر فيديو يشرح فيه أن هذه لفتة رمزية ضد السويد تضعها في مستوى الخنازير والمثليين/ات، الذي يُعتبر وضعهم المحظور أمرًا مسلّمًا به. 

روابي فرح، دابوق، عمّان، حزيران/يونيو 2023

تضيف هذه الهجمات إلى قضايا الحرمان من العلاج الطبي، والتعرض للمضايقات، أو المطاردة، أو كلا الأمرين من جانب الشرطة، والشعور بعدم الأمان واختبار عبر محاور عدة (مالية، وجسدية، ونفسية)، وفي حين أن أشكال التمييز هذه ليست جديدة، وبينما يختلف شعور الأشخاص بالضغوط المتعلقة بالتعبير عن الهوية باختلاف طبقاتهم/ن الاجتماعية، فإن هناك إحساسًا متناميًا بالخوف وعدم اليقين بشأن المستقبل، ومزيد من عدم الثقة في المجتمعات، وبالتالي المزيد من الاغتراب.

روابط واستنتاجات

مرة أخرى، هذه الهجمات المُعادية للكويريين/ات والنسوية الموجهة للمبادرات والأفراد ما هي إلا فصل جديد من فصول قصة أطول لإغلاق الساحة المدنية، التي يجري التضييق عليها بوتيرة متسارعة، ومع تزايد وتيرة هذه الهجمات والدعاية المحيطة بها دون أن يكون هناك سبيلًا للانتصاف القانوني، يزداد العنف الذي يواجهه الأفراد في حياتهم/ن اليومية والتهديد الذي تشكله التشريعات التي من شأنها أن تجرّم المثلية والعديد من الأدوات التي طورها النشطاء ليكونوا في أمان.

تضع هذه الهجمات الأردن في مصاف حملة قمعية إقليمية على المبادرات الكويرية، والشخصيات العامة، والساحة المدنية؛ فقد رأينا هذا مع التشريع المقترح لتجريم المثلية في العراق، والدعاية المُعادية للمثليين/ات من جانب الميليشيات والأحزاب السياسية في لبنان، وتزايد الاستهداف الرقمي للكويريين/ات في مصر، والسياسات المتعلقة بقوس قزح وأعلام قوس قزح في سوريا، والكويت، واليمن، وقطر، والعراق، وغيرها، وفي جميع هذه السياقات، تحاول الهيئات المشابهة للحكومة، ووسائل الإعلام، والأفراد ذوي/ات المصالح الخاصة بكل جهد الحفاظ على الوضع الراهن من خلال التضحية بحرية شعوبها وسلامتهم/ن، استجابةً لسياسات الغرب القومية المُعادية للمثليين/ات.

ندعو أطراف عدة إلى اتخاذ الإجراءات التالية:

الدولة الأردنية: إيقاف مشروعها المتمثل في إغلاق الفضاء المدني بما تسنه من تشريعات وتسمح به من عنف، والالتزام بالدستور والاتفاقات الدولية التي وقعتها على جميع مستويات الحكومة، ومحاسبة الأفراد ووسائل الإعلام على التحريض على العنف والمحتوى التحريضي، لا سيما أولئك الذين يشغلون مناصب سياسية.

المنظمات والهيئات الدولية: وقف التمويل والدعم عن الأفراد الذين/اللاتي يلعبون/يلعبن دورًا قياديًا في انتهاك المساحة المدنية الكويرية، والتحريض على العنف، والحد من الحرية المدنية والسلامة، بمن فيهم/ن ديمة طهبوب، وينال فريحات، وخالد الجهني، لأنهم/ن يهددون/يهددن السلم والأمن المحليين والإقليميين والدوليين، وإلزامهم/ن بقواعد حقوق الإنسان

الناشطون الحقوقيون الرقميون: مواصلة الضغط على منصات التواصل الاجتماعي لمراجعة إرشاداتها المجتمعية وإجراءاتها الخاصة بمراجعة المنشورات والحسابات المبلغ عنها؛ فمواقع التواصل الاجتماعي هي المنصة الرئيسية التي يكتسب فيها هؤلاء الأفراد والمؤسسات الإعلامية متابعين ويكون لهم تأثير وتبقى منشوراتهم ويظلون نشطين على الرغم من المحاولات الكثيرة على الرغم من التنديد بهم لما ينشرونه من تحريض على العنف، وخطابات كراهية، وادعاءات أخرى ذات صلة بذلك.

المنظمات ووسائل الإعلام المحلية والإقليمية: ندعوهم إلى التضامن معنا حتى نتمكن من العمل ضد هذه القوى معًا، سواء كان ذلك من خلف الكواليس أو على مرأى من الجميع؛ فقضيتنا قضية مستمرة ومعقدة، وعليه، فإننا نحتاج إلى دعم وتغطية مستمرين.

مجتمع الكويريين/ات وأنصاره: ندرك أن الكثيرين قد شجعونا على الاختباء والانتظار حتى تنحسر هذه الموجة، لكننا استمررنا في العمل والمناصرة بهذه الطريقة لسنوات والهجمات لا تزداد إلا قوة ومنهجية، ونحن الآن نجرب أسلوبا جديدًا، بالقدرات المتوفرة لدينا، ونشجعكم/ن على التفكير في المخاطر الجماعية التي نواجهها وما يمكننا فعله للمضي قدمًا



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى