كتّاب

يتخلق، على نحو متسارع، جيل يمني جديد. لنقل: نخبة شابة منقطعة كليّاً عن السياق. ع…


يتخلق، على نحو متسارع، جيل يمني جديد. لنقل: نخبة شابة منقطعة كليّاً عن السياق. عازفون، مؤثرون، مؤدون، مطربون، صناع محتوى، شعراء، روائيون، باحثون، وخلافه. تلاشت الأوهام الإيديولوجية الكبرى: الخلافة، الأممية، القومية، وسواها من الحكايات الكليّانية. أنهت الحرب تلك الغفوة العميقة، وأفضت إلى الإمامة بوصفها خاتمة الأوهام. والإمامة، كدالّة فاشية، تعيش في عزلة. فقد قال ٤% فقط من الإيرانيين أنهم غيروا معتقدهم الديني، وقال 40% منهم إنهم صاروا أقل تديناً. أي أن الدعاية الدينية الكثيفة والقسرية لم تنجح في تديين الناس ولا تطييفهم، بل فعلت عكست ذلك.

أتيحت لي، مؤخراً، فرصة للاطلاع على بعض تلك التجارب، في الفن والأداء والمحتوى. مدهش وسار ما رأيته.

غير بعيد عن تلك التجارب ما فكرت به أمس. شاهدت الأداء الرسالي الباهي للأناشيد الوطنية تقدمه تلميذات مدارس تعز الثلاث: الشهيد الحكيمي، نعمة رسام، زيد الموشكي. ثلاث كتائب بزّت بجلال أدائها ومعناه كل عروض الصواريخ الجارية في اليمن. يمن تحت العشرين يتخلّق على رويّة. لماذا لا تتدفق الأموال إلى تلك المدارس، لدعم صمودها وشجاعتها وأدائها؟

بعد أن أطاحت النازية بالحياة المتنوعة في ألمانيا وفرضت نسختها من الحياة فرّ مئات الآلاف إلى الخارج، وهناك أسسوا أدب وفن المهجر. كان بريشت من الذين تنقلوا بين مناف عدة. وفي قصيدة له قال: نجلس قريباً من حدود بلادنا، نسمع ونرى. الكلمة الأخيرة لم تقل بعد.
ثم قيلت الكلمة الأخيرة في سياق تاريخي قيامي.

فالفاشية تكتمل سريعاً وتذهب سريعاً. نسختنا اليمنية من الفاشية اكتملت، احتشدت تحت سقف واحد، وصارت عدوّاً لكل الناس. أتاحت الهدنة الأخيرة (ما يزيد عن ١٢ شهرا) الفرصة لإدراك فاشية آل البيت بعيدا عن ضجيج الحرب. شوّشت الحرب على الناس، وساعدت الفاشيين على ارتدء زي المحارب والاستشهادي. الهدوء، أو الهدنة، مكن الناس من رؤية المحارب عارياً، في تجلياته كلها.

بالعودة إلى اليمني الآخر، المتأنق والمبدع والدارس .. ساعدني الحظ على مشاهدة تسجيلين مصورين لفتاتين يفترض أنهما مؤثّرتين. الأولى تتحدث من بريطانيا والأخرى من كندا. سبب إشارتي هذه هو المضمون المدمر لبعض ما تقدّمانه.

الأولى، من بريطانيا، أخذت مسألة المثلية على عاتقها، وبدا أن الموضوع أعقد من إمكاناتها. فهي تقول إن المستشفيات البريطانية صارت مقسمة إلى كوريدورات للمثليين وأخرى “للطبيعيين”، وأن الأطباء البريطانيين منشغلون بمتابعة ورعاية المثليين تاركين الأمة “الطبيعية” مكدسة أمام الأبواب. صديقتها أصيبت بالسرطان، تقول، وأعطاها الأطباء الإنجليز موعداً للكشف بعد سنة لأنها ليست مثلية.
أنا طبيب في أوروبا، وهذا هراء محض. بل دجل وكذب. في تسجيل آخر تقول إنها منعت ابنها من الذهاب إلى المدرسة، فالمدارس لم تعد تعلم إلا المثلية. فما كان من معلمة ابنها، تقول، إلا أن تأثرت أمام هذا الموقف وقررت الدخول في الإسلام. هذا هراء من النوع النقي.
الأخرى من كندا. زفت للناس اكتشافاً اشتغلت عليه مع شقيقها. فقد وجدا، بعد بحث واسع، أن المُشُط (جمع مشط/مشاط) التي تباع في كندا مصنوعة من شحم الخنزير. أخبرهم الشيخ، تقول، بأن قانون الحرمة يسري على المشط/المِشاط. الحقيقة أن طريقتها في الحديث، ونبرتها، جعلتني أسرح قليلا في مسألة المشط.

لكل أمة هراؤها الخاص. بس حكاية المشط اللي من شحم الخنزير تجعل أمتنا فريدة مقارنة بباقي الكواكب.

صباح الفل.

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫19 تعليقات

  1. ليست تحولات بل هي ابتلاءات وكوارث سببها الحرب وضياع الدولة والمثلية في مقدمة ما يسعى الغرب لتمريره سواء قالت الغيلية او سكتت

  2. صباح الفل يا دكتور مروان
    كلم صاحبة شحم الخنزير بأن الله حرم الميته كلها والدم كله وحرم من الخنزير لحمه فقط فقد اختص اللحم في سياق الآية الكريم ولانتفاع بشحم الخنزير أو جلده أو عظمه غير محرم لأن الله سبحانه وتعالى لم يقل حرم عليكم الخنزير بل التحريم محدد في شئ واحد.. اما عن الأكاذيب التى تقال من باب الغيرة على الإسلام فنحن نسمع من على منابر المساجد مالم يصدقه عقل طفل صغير

  3. صبـ(⛅)ـُ(آٍلـٍـً(🌺)ـٍورٍدً)ـ(⛅)ـٍآٍآٍحً 🌹يا دكتور أنت في المهجر ويوجد آخرون يحملون ثقافة راقية من الذين إنخرطوا مع الآخرين وأخذوا من ثقافتهم… أما الذين تقوقعوا وأغلقوا عقولهم فلا يفرق فيهم أنهم في اليمن 🇾🇪أو في أوروبا لأن الدافع الرئيسي هي الأفكار التي تحملها ونظرتك للحياة والنموذج الحي لأولئك هو المشط وما أكثرهم…

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى