الأقيال

اوجه الشبه مابين اوكرنيا .واليمن…


اوجه الشبه مابين اوكرنيا .واليمن

مصطفى محمود

سعي امريكا لإغراق روسيا “في المستنقعات” مستمر، وما يجري في أوكرانيا يشبه ما جرى ويجري في اليمن ، فهو يندرج في السياق نفسه، وإن كانت الحلقة الأوكرانية أكثر خطورة، بسبب موقعها الجغرافي الأوروبي .. السياسة الأمريكية تقوم على خلق شروط الحرب في بقعة ما، مستفيدة من عناصر محلية ، ثم الاستثمار في الصراع المشتعل، والعمل على ضبطه ومنع انتشاره. وميزة هذا النوع من الصراعات التي تجتهد وتساهم أميركا في خلق شروط اندلاعها، أنها تعود بمكاسب لأميركا في كل حال، وكيفما مالت النتائج، على أن أميركا تحرص، كما نشهد في اليمن وفي العراق وسوريا وليبيا، على إبقاء الصراع مستمراً تحت عتبة الحسم. ومن المرجح أن تدخل الحرب في أوكرانيا هذه الحال أيضاً، كما “تنبأ” الرئيس الفرنسي بالقول: “الحرب في أوكرانيا ستطول”. ومن المفهوم أن في ذلك عزل وإرهاق عسكري واقتصادي لروسيا، وفيه شد لعصب الناتو، حتى أن بلدان حيادية تاريخياً مثل السويد وفنلندا بدأت تفكر، على وقع العدوانية الروسية، بالانضمام إليه. هذا في حين كان ترامب قد قال في بداية ولايته الرئاسية إن “الناتو مؤسسة عفا عليها الزمن”، وتردد إنه يريد الانسحاب من الناتو.
لا نتجاوز على المنطق إذا قلنا إن السياسة الأميركية حيال روسيا (عدم احترام المجال الحيوي لقوة عظمى) ساهمت في تهيئة التربة المناسبة لبروز أمثال بوتين الذي خاطب الشعب الروسي قبيل غزوه أوكرانيا باللغة التي لها مستقبلات خاصة عند الروس عبر التاريخ: “من أين تأتي هذه الطريقة الوقحة في التحدث من موقف الهيمنة والفوقية؟ من أين يأتي الموقف المستهتر والازدرائي تجاه مصالحنا والمطالب المشروعة المطلقة”؟ وقد كان يمكن إحراج بوتين لو تعهدت أميركا أو أوكرانيا بعدم انضمام هذه الأخيرة إلى الناتو. ولا شك أن حماية أوكرانيا من غزو روسي لا يحتاج إلى دخول حلف الناتو، فلم تكن الكويت في حلف الناتو حين دخلت اميركا حرباً واسعة لاستعادتها من العراق، كما أن الناتو تنكر لتركيا، وهي عضو في حلف الناتو، ووجدت نفسها وحيدة إزاء روسيا في أزمة إسقاط الطائرة الروسية في 2015. غير أن الإصرار الأميركي ودفع أوكرانيا إلى رفض التعهد، هو سياسة خلق شروط الحرب، وقد لاحظ العالم التخلي الأميركي والخذلان الاوكراني مع اندلاع الحرب.
ولا نتجاوز على المنطق إذا قلنا إن السياسة الأمريكية حيال الوضع اليمني (تساهل مع بروز جماعة الحوثي الارهابيه ثم مع التدخل الايراني ) ساهمت في وصول الحال اليمني إلى هذا الحضيض. وليس في كل هذا خطأ سياسي في الحسابات، بل هو بالأحرى سياسة محددة، غايتها إبقاء العالم في حالة إنهاك وحاجة مستمرة إلى السلاح. الحروب المحصورة هي حاجة مستمرة للنظام العالمي المختل الذي نعيش فيه، فالدول الخمس الدائمة العضوية في “مجلس الأمن” هي الدول الأكثر إنتاجاً للأسلحة، ويمكننا إذن أن ندرك ما هو “الأمن” في منظورها.
صحيح إن النظام الروسي نظام تسلطي يساند الطغم المستبدة، ومع ذلك لا مهرب من رؤية علاقات القوى الدولية وصراعاتها المستقلة بصورة شبه تامة عن مصالح الشعوب، لا بل المعادية لمصالح الشعوب. النظام العالمي بقطبيه (الديموقراطي والمستبد) يجعل من المطالب العادلة والمحقة للشعوب عناصر للاستهلاك، ومن الشعوب مادة للقتل وللتشرد والبؤس، في ماكينة الصراع فيما بينهما. ومن العبث التعويل الجدي على أي منهما، في الصراع لترسيخ شروط حياة أفضل.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى