كتّاب

أم كلثوم والفيس بريسلى والفرص الضائعة:…


أم كلثوم والفيس بريسلى والفرص الضائعة:
لن يختلف معى الكثير من الأصدقاء إذا قلت عن الخمسين عاما التى توسطت القرن العشرين:لقد كان هذا زمن أم كلثوم فقد تربعت على عرش الغناء منذ عشرينيات القرن حتى سبعينياته، وعلى الرغم من عشرات المغنيات الرائعات كأسمهان ونجاة على وليلي مراد وشادية وفايزة احمد ونجاة الصغيرة ووردة وصباح وغيرهن، الا ان ام كلثوم قد تربعت على القمة وحدها، لا يقترب منها أحد ولا تقارن بغيرها، وبمرور السنوات أصبحت تقدم لونا خاصا بها من الغناء عبر الاغنيات والقصائد التى يزيد زمن أدائها عن ساعة كاملة، وأصبحت حفلاتها فى يوم الخميس الاول من كل شهر أهم حدث غنائى فى مصر كلها، تجتمع الأسر فى مصر كلها حول أجهزة الراديو للاستمتاع بجمال النظم والمعنى والموسيقى والأداء، وقبل أن تنتهى الثلاثينيات كانت أم كلثوم قد أصبحت كوكب الشرق ومغنية مصر والعرب الاولى بل وكل الجاليات العربية فى مختلف بقاع العالم ، ودخلت مجال السينما فمثلت نحو سبع أفلام، وتعاونت مع عشرات الملحنين والشعراء، كزكريا احمد ورياض السنباطى ومحمد عبد الوهاب ومحمد الموجى وبليغ حمدى وغنت من تأليف احمد رامى واحمد شوقى وبيرم التونسي وعمر الخيام وابراهيم ناجى وعبد الوهاب محمد ومأمون الشناوى واحمد شفيق كامل وغيرهم. وتفاعلت أم كلثوم باغانيها مع مختلف المناسبات السياسية والوطنية ولعبت أعظم الادوار فى دعم المجهود الحربى عقب هزيمة يونيو 1967،
وقد انتقلت ام كلثوم من قريتها طماى الزهايرة بمحافظة الدقهلية للقاهرة نحو سنة 1920، وتنقلت بين أحياء مختلفة حتى استقرت فى فيلتها أخيرا بشارع ابو الفدا فى الزمالك منذ منتصف الثلاثينيات، كانت مكونة من ثلاث أدور الأرضى للأقارب والأسرة والثانى للضيوف والعمل واستوديو، والثالث سكنا خاصا بها، وأصبحت فيلا أم كلثوم ملتقى عشرات المؤلفين والملحنين والعازفين والساسة الكبار من مصر وغيرها من الدول العربية، وأخيرا وبعد أكثر من 700 أغنية تموت أم كلثوم، وتشيع فى جنازة شعبية هائلة، وتئول فيلاتها إلى ورثتها. الذين باعوها لمستثمر سعودى ليبيعها لرجل اعمال مصرى وتتحول الى عمارة قميئة
أما إلفيس بريسلى(1935-1977) فهو مغن وكاتب أغان وملحن شاب، ترك مئات الأغان وأكثر من ثلاثين فيلما، ومثل أهم ظاهرة غنائية عاصفة فى الولايات المتحدة منذ الستينيات، ولقب بملك “الروك اندرول”، وكانت له ملابسه الخاصة والمميزة واكسسواراته وجيتاراته التى تصنع له خصيصا، ورقصاته واستعراضاته على دراجاته البخارية، التى جعلت منه، معبودا للشباب والفتيات، المهم استقر الفيس بمدينة ممفيس بولاية تنيسي وبنى لنفسه فيلا رائعة ومات أثر نوبة قلبية وهو فى الثانية والأربعين من عمره ودفن فى قبر بسيط فى حديقة فيلته.
المهم كنت فى زيارة للولايات المتحدة منذ نحو25 سنة، وكان ضمن برنامجى زيارة متحف “الفيس بريسلى”، طبعا كان لازم الحجز قبلها بأيام وأمام المتحف نأخذ دورنا فى الطابور الطويل، الذى تصل أعداده الى بضعة عشرات الالاف من الناس كل يوم، وندخل المتحف فى مجموعات محدد عددها ونلتزم طريق الزيارة الذى يبدأ من “جراج” سياراته الحقيقة، ومنه إلى الاستوديو الخاص به، ثم نصعد للدور الأعلى حيث قاعات الاستقبال وغرف المعيشة والطعام والاستقبال وفيها فاترينات تضم عقوده وجوائزه وأول نسخ من اسطواناته وغيرها، ثم الحمامات والمطبخ وغيرها وفى بعضها تماثيل له بحجمه الطبيعى، ثم ننزل لندخل لطائرته الخاصة ونخرج منها لنجد انفسنا أمام مقبرته التى ثوى بها، فنقرأ له الفاتحة أو نترحم عليه كما نحب، وتنتهى الزيارة بالمرور على البوتيك الذى يبيع نسخا من كل مايتعلق بالفيس بريسلى: تماثيل مختلفة جوائزه رخص قيادته باسبورتاته بدلاته واحذيته سياراته درجاته البخارية صوره وافيشات أفلامه، أطباق وأكواب عليها صوره وتوقيعاته، وأخيرا نتناول الغداء فى مطعم كل مافيه يعود للستينات تحيط بنا أفلام وموسيقى ألفيس بريسلى
فما الذى منع الدولة من شراء فيلا أم كلثوم والإبقاء عليها بمبناها ومقتنياتها وأثاثها وحالتها؟؟، هل كان بعض أفراد اسرتها وابناء إخوتها ينقمون عليها ويريدوا نهو أسطورتها؟ أم أنها السيدة جيهان السادات التى قضت على مشروعها للخير قد نقمت عليها لأنها كانت عقبة حقيقية فى سبيل أن تكون سيدة مصر الأولى؟، وطبعا لو كانت الدولة قد فعلت ذلك، فإنه سيكون مشروعا تجاريا مضمون الربح، خاصة وأن جمهوره يمتد بعرض العالم وطوله، ولكنى اتحدث عن دورها فى الحفاظ على قيم الثقافة المصرية فى مواجهة التطرف والتفاهة والانحطاط وفى صياغة الوجدان والهوية الوطنية وبقاء شعلة الذوق والفن والموسيقى ماثلة على مدى الأجيال
يسعد أوقاتكم



يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى