كتّاب

حدوتة النيل (4 من 7)…


حدوتة النيل (4 من 7)
وكيف تمت خيانته؟
أسماك النيل زمن الفراعنة
منذ نحو خمسين ألف سنة شهدت مصر عصرا مطيرا فغطتها كلها الغابات والأحراش والبحيرات والمستنقعات فعاش الإنسان في مختلف أنحاءها ليترك آثاره فى كهوف سيوة والفيوم والبحر الأحمر وهضبة العوينات، ومازالت تلك الكهوف تحتفظ بصور السباحين ومناظر صيد الزراف والغزال والثيران الوحشية، ولكن متذ نحو عشرة آلاف سنة حل الجفاف الكبير فاختفت الحيوانات والنباتات، واضطر الإنسان للهبوط من الهضاب والتوجه نحو مصدر الماء الوحيد وهو وادى النيل، وبدأ عصوره الحجرية، فراح يستخدم التلال الطبيعية أو يبنى الأكوام فوق مستوى الفيضان ليبنى عليها قراه ومساكنه من البوص والطين، ولم تكن حاجته للأسماك التى تعيش فى نهر النيل بأقل من حاجته للمياة نفسها فلم يكن قد عرف الزراعة ولا استئناس الحيوان بعد، ولم تخذله أسماك النيل، فهى كثيرة ومتنوعة وشهية ويسهل صيدها بحيل ووسائل بسيطة، وهى تصحب مياة الفيضان عندما يغطى الوادى كله، وعندما تنسحب المياة يستطيع أن يلتقطها بسهولة من البرك الضحلة الى يخلفها الفيضان، وكانت سهلة التناول والصيد فهى لا تملك أسنان وانياب حادة ولا زعانف وأشواك سامة ككثير من أسماك البحار المالحة وكل ماهنالك حراشيف خشنة على فكيها تسمح لها بقطع الحشائش والنباتات أو الإمساك بالأسماك الصغيرة، صحيح كان هناك التماسيح وأفراس النهر وهى كواسر خطيرة، ولكنها عموما لم تكن تعيش إلا فى المجرى العميق للنهر ونادرا ما كانت تهبط إلى الدلتا أو الترع الصغيرة والقنى
المهم أصبح السمك هو المصدر الأول والمنتظم للبروتين قبل أن يعرف المصرى القديم استئناس الحيوان او تدجين الدواجن، وقد أدرك أن لحمها طريا وشهيا وسهل الهضم ودلت الأبحاث التى تناولت أمعاء دفنات العصور الحجرية على أن لحوم الأسماك كانت مصدرا أساسيا لغذائهم، وقد استخدم أشواكها كمخارز ودبابيس، وتذحر جدران المقابر بمناظر بديعة لصيد الأسماك على اختلاف أنواعه وأحجامه، مصحوبة بسعادة بالغة للرزق الوفير، والذى ينظر لصلاية موحد القطرين العظيم “نارمر”سيجد صورة سمكة القرموط تقبع فى أعلى الصلاية إذ كان نطقها يشكل مقطعا من كلمة نارمر، وكانت هناك طرقا شتى لصيد السمك، منها
السنارة التى كانت تعد من عظام دقيقة معقوفة ثم صارت تصنع من النحاس وهناك الحربة ذات الرأس الواحدة أو الرأسين والثلاث، وهناك الشباك بأنواعها الطولية أو المستديرة، وهناك الفخ المسمى “الجوبية” وهو مخروط من عيدان حطب رفيعة ذو فوهة ضيقة يدخله السمك ليلتقط ماوضع اسفله من قمح أو خبز وفجأة ينقض عليه الصياد ليرفعه خارج الماء قبل أن يتمكن السمك من الخروج، وقد عرف المصريين تربية الأسماك فى أحواض واسعة فى المعابد، كما قدسوا بعض أنواع السمك وحنطوها واعتبروها ضمن القرابين التى تقدم للمعابد واتخذوها رمزا لبعض الأقاليم وقد كانت سمكة “قشر البياض” رمزا لمدينة أسنا ويوجد نموذج هائل منها محنطا بالمتحف المصرى وعرفوا طرق متعددة لطهية كما جففوا وملحوا أنواعا منها، ورغم هذا كان المصرى القديم يقسم بأنه “لم يصطد السمك بلحم صغاره” ضمن القسم الإنكارى فى المحاكمة أمام أوزوريس …. وللحديث بقية .. ويسعد أوقاتكم


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى