كتّاب

اليمني الذي أنقذ حياة السلطان….


اليمني الذي أنقذ حياة السلطان.
مروان الغفوري
ـــــ

قبل شهرين قلت إن طبيباً يمنياً كتب خمسة علاجات مدرة للبول لمريض، وأن المريض عاد بعد أيام بفشل في وظائف الكلى وفي حالة عامة مزرية. قرأت اسم الطبيب على الروشتة، كما وصلتني، وفي لحظة ملل قررت أن أبحث عن الرجل، من يكون، وكيف خطرت في باله مثل هذه الفكرة العلاجية الانتحارية. فالوصفة الدوائية مثلت بالنسبة لي استهدافاً مباشراً لحياة المريض، وأكثر ما لفت انتباهي هو الألقاب العلمية للطبيب المعالج، كما لو أنك وأنت تقرأ ألقاب الرجل ووصاياه العلاجية تجد نفسك أمام نصف إله قرر البطش ببشر. لو أنني توصلت إلى معلومات عادية عن طبيب من سائر الأطباء يصيب ويخطئ، أو حتى: يفحش باستمرار، لاكتفيت بترديد بعض الكلمات مع نفسي، لكن القصة أخذت منحى آخر.

صيف ٢٠١٧ وصلتني رسالة من المكلا تقول “علينا الانتظار لأيام، كل أطباء القلب ذهبوا إلى إب”. كنت أتابع ما يجري في إب، وكان دهشتي كبيرة عندما عرفت إن اليمن كلها سافرت إلى إب، أعني أطباء القلب في سائر البلاد. وقبل أيام سألت بعض الأطباء عن موعد مؤتمر إب السنوي للقلب، كارديو إب، فأخبرني بإنه لم يعد هناك من كارديو إب. حقق مؤتمر إب السنوي مفاجأة كبيرة، وقد شاركت فيه الجمعية المصرية لأطباء القلب بدرجة لافتة. انتهى المؤتمر إلى مخيم خيري من خلاله تلقى أكثر من ألف مريض خدمة مجانية،عاشت إب في فصلها السنوي البديع أياماً استثنائية. كنت أتابع أحداث المؤتمر عن بعد، فخوراً بما ينجزه الزملاء، بموسيقاهم الهائلة على ظهر تلك السفينة الهالكة.

ثم انتهى كل شيء. تردد في صنعاء أن “العدوان” هو من يقف وراء هذا العمل. وضع الحوثيون حداً لذلك النور، وتلقى المنظمون للمؤتمر تنبيهات نهائية. سرعان ما عرف الزملاء مصدر الضرر. طبيب جديد ربما هو الفاعل. راح يتباهى بقدرته على تغيير الأقدار وأنه يقف شخصياً خلف إلغاء أهم حدث علمي في البلاد، ولكن من هو هذا الفاعل؟

في صنعاء كان شاب حديث التخرج قد عاد لتوه من القاهرة، مع انعقاد كارديو إب الأول. ويا للمصادفة فهو أيضاً طبيب قلب. ما إن عاد إلى صنعاء حتى عرف طريقه إلى قلب الجماعة الحوثية، وخلال وقت قصير وضعته الجماعة في المقدمة، مقدمة كل شيء، فبطش بكل ما وقع أمام عينيه.
كان الحوثيون يراقبونه وهو لا يزال في القاهرة وقد أرسل إشارات مبكرة عن مدى الطاعة الذي سيذهب فيه وعرف الحوثيون أنه رجلهم، أو لنقل: مملوكهم. بعد أن أقنعهم الرجل بإلغاء مؤتمر “كارديو إب”، كونه يمثل خيانة في زمن الحرب، قاموا أيضاً بتخريب باقي الأشياء كالجمعية اليمنية للقلب ونظام التعليم الطبي / الاختصاص في القلب، وغير ذلك. في الواقع كانوا ينفذون رغباته، فالحوثيون ليس بمقدورهم تخيل عالم معقد كحقل طب القلب.

صار الطبيب حديث التخرج عميداً في القوات المسلحة، ثم رئيساً لقسم القلب في المستشفى العسكري، واستطاع أن ينهي كل المشهد في صنعاء لصالحه. وبالأمس فقط أصدر وزير صحة الحوثيين قراراً بتعيينه مسؤولاً عن البورد اليمني، الاختصاص، في أمراض القلب، مطيحاً بأكثر الأسماء خبرة في نظام التعليم الطبي. بعد عامين فقط أصبحت كل المسائل المتعلقة بطب القلب في قبضة الشاب الذي يقال إن اسمه طه الميموني، أو رجل المدرات الخمسة. اراد الرجل القوة كلها، وفي سبيل ذلك لا بد من تجريف كل شيء. وأراد الحوثيون من خلال المملوك الجديد أن يستحوذوا على إرادة مجال حيوي جديد. من الآن وصاعداً سيحدد رجل المدرات الخمسة طبيعة ونظام التعليم الطبي، فرع القلب، في اليمن. نحن بإزاء كارثة جديدة تراكم نفسها فوق الخرابة السعيدة.

من هو طه الميموني؟
أنا لا أعرف من هو طه الميموني، غير أن الرجل لا يتركنا هكذا في عمَانا. فهو يقول عن نفسه: أنا طه الميموني، العالم اليمني الذي ذهب إلى السلطان قابوس بطائرة خاصة وأنقذ حياته، الخبير اليمني الذي أجرى قسطرة قلبية للرئيس المصري حسني مبارك ضمن عشرة آلاف حالة قلبية أجراها في مصر، والخبير الذي يذهب إلى ألمانيا ويجري عمليات معقدة ثم يعود. العالم الشاب، هكذا يقدم نفسه ويقدمونه، الذي تخرج من مصر وألمانيا في الوقت نفسه، ولولا هواء الوطن الآسر لبقي جوار السلطان قابوس يعالجه حتى الأبد.

خذ هذا التعريف على محمل الجد، فالرجل قادر على إنزال العقاب بأعتى الأطباء. وبالأمس وصلتني معلومات عن أطباء مرموقين ركعوا أمامه أخيراً، وبكوا .. بكوا بالمعنى الحرفي لكلمة البكاء، أو قل: النحيب. أما أحدهم، وهو مرموق للغاية، فقال بالأمس إن الله سينزل عقابه بالرجل عما قريب. ولكن الله لم يفعل بعد، ولن يفعل في القريب، فصنعاء البعيدة عن الله هي في قبضة طه الميموني وكل الطاهات الميمونات الأخرى.
استطعت أن أحصل على صورة مذهلة حول الرجل. كل ما في الرجل يعمل، كل ما فيه، حتى إن امرأة أخذت زوجها الذي كانت ترافقه وهربت به من المستشفى. تتشكل لغة جديدة مهنية في صنعاء منشأها سلوك الرجل، طور الأطباء في العاصمة مصطلح:
Taha’s approach.
وهو تعبير جديد بستخدم في الإشارة إلى أي سلوك وضيع لصاحب مهنة جليلة.

فالميموني يعمل، كل ما فيه يعمل.

ادرسوا هذه القصة المثيرة:
خشي الرجل من أن لا ينجز الشهادة في مصر، فذهب يسوق المرضى اليمنيين إلى الاستشاريين المسؤولين عن “شهادته”، يبدل أسماء الاستشاريين لبخدع المرضى حتى إنه يتفق مع موظفي العيادات على استخدام أسماء بديلة للاستشاريين حتى لا يتنبه المرضى للخديعة، كما حدث مع وكيل محافظة ذمار.

وعبر متتالية مثيرة من القصص المذهلة، استطاع الرجل أن ينتهي من شهادته ويعود. ركب كل شيء، كل ظهر، المرضى، الجماعة الحوثية، الظروف، وحتى السلطان. فعل كل ذلك حتى يصل إلى مكان آمن يستطيع فيه أن يكتب المدرات الخمسة ويقهقه. يذهب كل شيء إليه، المجد والقوة ووالقدرة على الإهلاك. تحدثت إلى زملاء كثيرين، إنهم يرتجفون حرفياً. فالرجل المملوء بالسم والجهل معاً فعل الكثير، وفي حوزته قوة متراكمة يبحث عن تصريف لها، ولا بد أن يضرب في القريب في مكان ما. فهو يعلم أن القوة إذا لم تفعل فإنها ستفسد، وهو حصل عليها للتو، ولا بد أن تفعل.
قال وزير مالية الحوثيين قبل ثلاثة أيام إن العالِم اليمني المرموق طه الميموني، كما حدثني مصدر عليم، سيحصل على دعم سخي من الوزارة فالرجل يمثل الواجهة العلمية للبلد. بحسب وزير الحوثيين فالميموني سيحصل على دعم سخي كونه حصل على شهائده العليا من ألمانيا. لم يلتبس عليه الأمر، فالرجل الذي عالج السلاطين والرؤساء هو أيضاً تخرج من مصر وألمانيا في الوقت نفسه. هكذا يتحدث، ويسوق كل شيء خلفه إلى سبيله..
هذا ما صارت إليه صنعاء، الخرابة التي ورثت كل شيء. ليس الميموني سوى علامة، علامة واحدة فقط ..

ما العمل؟

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫34 تعليقات

  1. وانأ اقراء اليوم رواية البؤساء للروائي فيكتور هوغو.. وجدت في مقدمة الكتاب شرح لوضع فرنساء في ذلك العصر ..

    فوجدت ان وضع الامم هو عبارة عن تاريخ يتكرر حاضر لأمم اخرى ..

    وها نحن الان في احط نقطة مظلمة تصل اليه البشرية ..

  2. شقيق جارنا بنفس البناية كان مصاب بزكمه والله ما غير زكمه راح للمستشفى عملوا له عشر مغذيات و8 ابر مدري حق ايش المهم مرض من العلاجات جلس يومين بالعناية وامس مات

  3. د. مروان
    الموضوع فيه لبس.
    لا علاقة لي بالتفاصيل العلمية فأنا مش طبيب قلب.
    لكن للامانة بحسب معرفتي به وبمن اظن انه نقل لك التفاصيل يبدو لي الامر وكأنه تنافس اقران حامض يحصل في اليمن له جذوره من القاهرة ولو كنت في القاهرة لعرفت ذلك .
    اتمنى ان لا تقع في الفخ.

  4. د. مروان الغفوري..
    اسمح لي بانتقادك هذه المره..
    د. طه الميموني من أنبل الزملاء الذين عرفتهم وليس له علاقه بالحوثيين لا من قريب ولا من بعيد..
    عاد من مصر ليعمل سنتين في م. السعودي الألماني وذاع سيطه منها بسبب أخلاقه الرائعة..
    بدئت حكومة صنعاء السعي وراءه بسبب أخلاقه وعلمه..
    دامك لاتعرفه عن قرب فيجب عليك عدم الذم والهجوم بهذا الشكل المريع..
    المقال والأحداث تطول كيف وافق ان يتولى مركز القلب في المستشفى العسكري..

    المهم هذا رابط صفحته ان اردت تن تتعرف عليه وأنا متأكد بأنه سينجرح من هجومك هذا يادكتور مروان..
    Taha Al-maimoony
    د. طه صديقي العزيز هذه هي ضريبة العلم و طيبة القلب التي كلمتك عليها يوم اتصلتلي زعلان من أحد المنشورات على الفيس

  5. الخطأ من الجميع
    أغلب الأطباء ابتعثتهم الدولة لكي يتعلموا ويعودوا لخدمة وطنهم لكنهم لم يعودوا.
    فلا عجب إذا تصدر المشهد الميموني او الضمين.

  6. هل تقييمك لحالة مرضاك يعتمد على حالتك النفسية…. إنها العصبيه لم يحصنك منها لا علم ولا غربة…
    دكتور . طه الميمون عرفته في العيادة في القاهرة مهني جاد …

  7. للأسف ، أعتقد في مبالغة في المنشور ، ربما بسبب معلومات خاطئة وصلت للدكتور مروان الغفوري.

    الدكتور طه الميموني من أفضل الدكاترة علما وخلقا و احتراما ، يحترم كل زملاء المهنة سواء أقدم أو أصغر منه،حتى طلاب الطب لهم احترامهم عند د.الميموني ، هذا ما لمسناه منه ، لا نعرف تفاصيل ما يجول خلف الكواليس في ما يتعلق بالتعيينات أو ما يتعلق بمؤتمر كارديو إب ، الدكتور طه الميموني رئيس قسم القلب بالمستشفى السعودي الألماني ، بالله عليكم هل ممكن أحد يجبر إدارة السعودي الألماني على تعيينه رئيسا للقسم فضلا عن ضمه لكوادر للمستشفى !! ، أكيد أن إدارة السعودي الألماني( وهو مستشفى خاص رائد) لم تعينه مديرا لقسم القلب إلا لثقتهم في د.الميموني ، و هو أهلا لتلك الثقة..
    أعتقد أن الدكتور مروان أعدل من أن يهاجم زميل مهنة مقتدر بهذا الشكل، لذا أتوقع أن نقرأ إعتذارا للدكتور طه الميموني Taha Al-maimoony قريبا -بإذن الله- .

  8. قرأت التعليقات المنحازة لطه الميموني، اتمنى منهم نفي ما جاء في المنشور بطرق احترافية بدلا من الثناء على إخلاقه، في مثل هذه الأمور يجب أن تنحاز العاطفة جانبا

  9. تجيد حبك الروايات والقصص الخيالية و الوهمية …ودائما منشوراتك تشكيك في قدرات ومهارات الآخرين وذم وقدح في شخصيات الناس … يعني انت الوحيد العالم الماهر أما الآخرين فلا .
    كلام فاضي مثلما انت فاضي .

  10. عرفت الدكتور طه الميموني لفترة قصيرة
    انسان خلوق جدا ومجتهد
    لو كان في مبالغة بتعيينه او باعطائه مناصب كبيرة فالمشكلة فيمن عينه وليست فيه .
    يبدو ان الموضوع فيه تحامل كبير .

  11. يا مروان طه الميموني كلنا نعرفه كويس ..اتفق معاك في أن هناك مشكلة في التعيين ولكن الولد مجتهد وسمعته طيبة وما نشرته عنه على المستوى الشخصي خاطئ

  12. Dr. Marwan Al-Ghafory
    يرجى إعادة النظر في الموضوع

    د.طه من أفضل الناس خلقا و علما. و مستواها العلمي ممتاز .
    يرجى التأكد قبل الكتابة و النشر

  13. السؤال: كيف تم تعيينة رئيس لقسم القلب في المستشفى اليمني الألماني؟ والمستشفى خاص ومن اقوى المستشفيات في اليمن ولايحتاج الى ضغوط لتعيين هذا او ذاك؟

  14. طالما و هو مسؤول عن بورد القلب فكلام الدكتور مروان ليس فيه اي مبالغة لان المذكور طبيب شاب و جديد و لا نعرف من هو اسم مغمور و هناك اسماء اطباء لامعه و معروفه اقدر منه و اقدم منه في هذا المجال و عليه فهو ليس كفئ لتحمل مثل هذا المنصب فالتعليم الطبي بحاجة الى استاذ جامعي صاحب خبرة طويلة في مجال التعليم الطبي لان التعليم الطبي حقل تتراكم فيه الخبرة و لا تكفي فيه مجرد الشهادات مهما كثرت

  15. هذا زميلي ومن مديريتي
    شاب طموح وعنده قدرة ذكاء خارقه
    ظل متفوق في كل مراحل الدراسه وبدرجات ممتازه
    تخرج من القاهره دكتور قلب مع مرتبة الشرف
    مشهود له بالكفائه والامتياز
    لا يحمل فكر الحوثي ولا يؤمن به
    شخص متواضع وفرض نفسه على الجميع
    آخر عملية اجراها في المستشفى العسكري لتركيب ثلاث دعامات للشرايين تعتبر أول عمليه تعمل باليمن

  16. الدكتور طه الميموني نابغه في مجال القلب
    وليس كما انت يا مروان نابغه في الحزاوي والمقالات ولم نرى لك أثر على الواقع في مجالك الطبي
    لذلك لا تهرف بما لا تعرف

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى