كتّاب

فى ذكراها:…


فى ذكراها:
أم كلثوم والشيخ كشك: والمؤامرة على الثقافة والوجدان المصرى
ولدت أم كلثوم ابراهيم البلتاجى فى احدى قرى المنصورة، فى بيت يضع إحدى قدميه فى التراث الدينى والصوفى المصرى العريق، والأخرى فى الغناء والموسيقى والمقامات المصرية التى كان يمثلها فى شبابها الشيخ أبو العلا محمد وزكريا أحمد، وجاءت فى مطلع العشرينيات إلى القاهرة التى كان يهيمن على عالم الغناء فيها أغانى أثرياء الحرب المبتذلة من مرتادى السوامر والحانات: “انسى اللى فات.. وتعالى بات.. يوم التلات” و”انا حاسة وانا لسة ماعرفش الكخة من الدحة” و” انا لسة نونو فى الحب بونو..الحب دح دح والهجر كخ كخ”
جاءت أم كلثوم لتغنى:”مولاى كتبت رحمة الناس عليك فضلا وكرم” و”الصب نفضحه عيونه.. وتنم عن وجد شجونه” و”خايف يكون حبك فيا شفقة عليا.. وانت اللى فى الدنيا دى ليا ضى عنيا”.. فتصنع جمهورها من السميعة الذواقة، ويقود خطاها الى عالم الأدب والثقافة أحمد رامى ويتبناها الشيخ الجليل مصطفى عبد الرازق، ويرشح لها من تتتلمذ عليهم من الشيوخ، وسرعان ما تصبح أيقونة الفن والغناء وتؤسس للون جديد من الغناء: الوصفى والاجتماعى والعاطفى والوطنى والدينى، ولا تتوقف عن غناء التقليدى لابو العلا محمد وزكريا احمد وانما تستوعب الجديد ممثلا فى النجريدى والقصبجى والسنباطى فى مرحلة ثم بليغ والموجى فى مرحلة أخرى، وتغنى لشوقى وابو فراس الحمدانى والخيام وناجى، كما تغنى لرامى وبيرم وجاهين ومرسى جميل عزيز ومأمون الشناوى، ولنفوذها الفنى والوجدانى الطاغى سعت دوائر الحكم إليها من الملك فؤاد لفاروق لعبد الناصر للسادات، وعندما جد الجد وحدثت الهزيمة تقدمت أم كلثوم الصفوف وسخرت كل امكانياتها للمجهود الحربى
وأصبح الخميس الأول من كل شهر هو يوم أم كلثوم فى كل البيوت المصرية، يلتم شمل الأسر حول “الراديوهات” وقد استعدت لليلة من الفن والجمال والمتعة بما تستحق من طعام وشراب، ولم يسبق أم كلثوم ولم يلحقها ايضا فنانا قد استطاع ان يخلب الباب الناس لثلاث أو أربع ساعات متصلة فى حفلة من ثلاث وصلات
ولذلك فليس غريبا أن تهيمن أم كلثوم بشخصيتها وثقافتها وابداعها على عالم الغناء والموسيقى فى مصر فى الخمسين عاما التى توسطت القرن العشرين
ولذلك فقد كانت أم كلثوم باعتبارها واحدة من أهم صناع الوجدان المصرى أول من استهدف لسهام تلك الغزوة البدوية الوهابية المنحطة والتى سعت للنيل من الثقافة والوجدان المصرى
وقد شاهدت مصطفى محمود وهو يربط بين أم كلثوم وزيادة تدخين الحشيش دون أن يعود بالظاهرة إلى أصلها وهى ان المصريين يستعدون لسهراتهم الجميلة بما يحبون من طعام وشراب
أما الشيخ كشك فراح يتهكم فى ابتذال ورخص ومن على منبره التابع لوزارة الأوقاف على السيدة التى تخطت السبعين وتقول: “إنت الحب وإنت عمرى” ويقول: لا شك أن هناك فرق بين “حى على الصلاح” وبين خذنى لحنانك خذنى عن الوجود وابعدنى” وكيف تقول: خدنى لحنانك خدنى بعيد بعيد وحدينا بينما يقول الرسول: ما خلا رجل بإمرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ثم لا ير فيها إلا إمراة صوتها عورة ومع هذا تغنى وسط العازفين والسكارى والمخمورين فى جلسات السكر
ومع هذا فقد ذهب كشك ببذائته وفحشه.. وبقيت أم كلثوم بشموخها ووطنيتها وإبداعها الذى لن يبليه الزمان
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى