توعية وتثقيف

عندما يأخذ العدل مجراه…


عندما يأخذ العدل مجراه

هناك مَثَل فى الولايات المتحدة يقول “لم يُفلس أحد قط بسبب مراهنته على قلة ذكاء الجمهور الأمريكى (*) (**).” تعانى هذه المقولة من بعض ما تعانى منه الأمثال عموماً، مثل التعميم (generalization) والتنميط (stereotyping). لكنها مقولة شائعة لأن فيها رنة من الحقيقة. كما هو الحال فى سائر المجتمعات، هناك قطاع واسع من الشعب الأمريكى يعانى من ضحالة الفكر وقلة الذكاء. و هؤلاء يشكلون تربة خصبة للذين يتاجرون فى الفكر اليمينى المتطرف، مثلهم فى ذلك مثل زبائن القنوات الفضائية الدينية فى مصر.

أحد تجار الفكر اليمينى المتطرف فى الولايات المتحدة رجل سوقي المظهر محشرج الصوت إسمه ألكس چونز (Alex Jones). أنشأ چونز هذا شركة إعلامية فى ولاية تكساس (حيث الفلوس وفيرة والعقول شحيحة،) وأصبح رجلاً غنياً ومشهوراً، و من أهم مناصرى ترامپ وأكثرهم تأثيراً.

قبل حوالي ١٠ سنوات إقتحم شاب مسلح مدرسة إبتدائية وقتل ٢٠ طفلاً و ٦ معلمات فى حادثة مروعة صدمت العالم ببشاعتها. لم تكن الدماء قد جفت بعد عندما بدأ ألكس چونز يروج على الهواء أن الحكاية كلها خدعة من تدبير الحكومة، وأن الاطفال لم يموتوا، والأمهات اللاتى تبكين أمام الكاميرات ممثلات تمولهن الحكومة بهدف نزع السلاح من الأمريكيين الحقيقيين، (أي اليمينيين البيض.) وكون چونز ثروة هائلة من الإعلانات والتبرعات مؤكداً صحة المقولة التى بدأنا بها هذا التعليق.

هذا الأسبوع حكمت محكمة فى تكساس على ألكس چونز بدفع ٤٩ مليون دولار كتعويض لوالدي طفل ُقتل فى تلك المذبحة، (وهناك قضايا من الأسر الأخرى لم تتم إجراءاتها بعد.) فى النهاية سيخسر هذا المسخ كل فلس كسبه من مآسى الأمهات الثكلات. العدالة فى أمريكا بطيئة للغاية، لكنها فى النهاية تأخذ مجراها.

الجهل و الغباء فى ذاتهما ليسا جرائم (ولا جنح.) وحتى المتاجرة بالغباء والتكسب منه ليسا جرائم فى الولايات المتحدة، وليس هذا هو ما عوقب عليه (مدنياً) ألكس چونز. ما عوقب عليه هو التشهير (defamation) بعائلات الضحايا مع علمه بأن ما كان يقوله عنهم على الهواء كان كذباً.

ربما يتساءل القارىء: “وماذا عن حرية الكلمة وإستقلالية الإعلام؟” هذا سؤال وجيه، ولذلك كانت هذه قضية مدنية وليست جنائية. كما أن القانون لا يجيز الكذب مع العلم بأنه كذب، وهذا ما ثبت على سيئ الذكر ألكس چونز.
________________________
‏*) “No one ever went broke underestimating the intelligence of the American public.”
**) ينسب القول للصحفى H.L. Menken

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫3 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى