يستغل الغرب سيطرته الإعلامية لتقديم صورة لما حدث قبل وأثناء…


يستغل الغرب سيطرته الإعلامية لتقديم صورة لما حدث قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية تتنافى مع الحقيقه. ولا يحتاج القارئ أن يطلع على المصادر الروسية أو الألمانية للوصول إلى الحقائق، فهي مسجلة بالتفصيل فى كتب كثيرة باللغة الإنجليزيه. (لكن أغلب الناس لا يستقون معلوماتهم من الكتب.) ربما أهم تلك المراجع كتاب ضخم ألفه ويليام شيرر (William Shirer) بعد الحرب مباشرة، وعنوانه (The Rise and Fall of the Third Reich). كان شيرر (Shirer) مراسلاً لصحيفة شيكاغو تريبيون فى ألمانيا قبل وأثناء الحرب، وأثبت نفسه فيما بعد كاتباً متميزاً حريصاً على التفاصيل. وميزة كتابه أنه صدر قبل أن تترسخ الحرب الباردة ومعها الحملة المكثفة لإعادة صياغة التاريخ.

لا يعيد الإعلام الغربى صياغة التاريخ بتزوير الحقائق مباشرة، (فهم لا ينحطون إلى هذا المستوى.) ولكنهم يلجأون إلى الكذب بالإهمال (by omission). وهو نوع من الكذب يميل الناس إلى إبتلاعه. دعنا ننظر إلى بعض الأمثله:

١- لا يكل الصحفيون الغربيون عن الإشارة إلى أن الإتحاد السوفيتي أبرم معاهدة سلام مع ألمانيا قبل الحرب. وهي حقيقه. لكنهم يهملون ذكر أن الإتحاد السوڤييتى حاول قبل ذلك بأقصى جهده إقناع بريطانيا وفرنسا بتشكيل حلف ثلاثى معه لردع العدوان النازى. رفضت الدولتان العرض، وكان رفضهما بفظاظة أقنعت الروس بأنهما يتطلعان إلى حرب بين روسيا وألمانيا يستنزف فيها البلدان أحدهما الآخر، وهو ما حدث بالفعل.

٢- كثيراً ما يشير المؤرخون الغربيون إلى أن بريطانيا حذرت روسيا بموعد الهجوم الألمانى. ما لا يقولونه أن الحكومة السوڤييتية كان تعلم هذا على أي حال، ولم يكن هناك شيئ تستطيع أن تفعله. الهزائم العسكرية المفجعة التى تحملها الجيش السوڤييتى فى السنة الأولى لم يكن سببها المفاجأه، بل الفارق الهائل بين القدرة العسكرية لماكينة الحرب النازية وبين الجيش السوفيتي الناشئ. وبنى السوڤييت إستراتيچيتهم على إمتصاص تلك الضربات إلى يتمكنوا من إنشاء وتشغيل مصانع سلاح جديدة فى سيبيريا. وهذا هو ما حدث بالفعل.

٣- يردد الإعلام الغربي أن أمريكا وبريطانيا هزمتا النازية فى أوربا. ويتجاهلون تماماً ما وثّقه شيرر (Shirer) من أن توزيع القوات النازية كان ٣٠٠ فرقه فى مجابهة روسيا و٥٠ فرقة فى مجابهة أمريكا وبريطانيا وفرنسا مجتمعين. كما لا يذكرون أن ٩٠% من الخسائر البشرية للجيش النازى حدثت على الجبهة الشرقيه، و١٠% فقط على أيدى أمريكا وإنجلترا وفرنسا. أي أن دور أمريكا وبريطانيا كان هامشياً أو مساعداً على أحسن تقدير.

٤- يوحى الإعلام الغربى (بالتناسى وليس بالكذب الصريح) أن الدول الغربية كانت لها قطاعات فى برلين لأنها إستولت عليها. والحقيقة أن هذه القطاعات كانت منحة من الإتحاد السوفيتي، حتى فرنسا التى كانت محتلة ومهزومة طوال الحرب، منحها الإتحاد السوفيتي قطاعاً فى برلين. لم تصل أية قوات غربيه إلى برلين فى أي وقت.

٥- قلما تسمع فى الإعلام الغربى أنه عند غزو نورماندى (أغسطس ٤٤) كانت الحرب عملياً منتهيه. كان الجيش الألمانى قد تم طرده بالفعل من الأراضى السوڤييتية و كان فى حالة إنسحاب مهرول على جميع الجبهات. وإنتهت الحرب فعلاً بعد ذلك بشهور (أبريل ٤٥).

هذا التعليق ليس دفاعاً عن الإتحاد السوفيتي، فقد إنتهى ومضى زمنه. لكن التاريخ، مثله مثل سائر العلوم، يجب إحترامه، ولا يصح تطويعه للسياسة والمعتقدات. تزوير التاريخ لأن الذى إنتصر طرف لا تحبه لا يختلف فى جوهره عن اللاعب التعيس الذى رفض مصافحة خصمه الذى كسب المباراه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version